موسم باريس لخريف وشتاء 2023 ـ 2024... بين معانقة الماضي والثورة عليه

التاريخ يعيد نفسه في حركات نسوية

من عرض «لويفي» (لويفي) - تايورات بأكتاف حادة مع بنطلونات ضيقة وإيشاربات (الصور من سان لوران)
من عرض «لويفي» (لويفي) - تايورات بأكتاف حادة مع بنطلونات ضيقة وإيشاربات (الصور من سان لوران)
TT

موسم باريس لخريف وشتاء 2023 ـ 2024... بين معانقة الماضي والثورة عليه

من عرض «لويفي» (لويفي) - تايورات بأكتاف حادة مع بنطلونات ضيقة وإيشاربات (الصور من سان لوران)
من عرض «لويفي» (لويفي) - تايورات بأكتاف حادة مع بنطلونات ضيقة وإيشاربات (الصور من سان لوران)

أكتاف حادّة وكأنها دروع، تايورات بتنورات مستقيمة، ربطات عنق نحيفة وإكسسوارات بعدد لا يضاهيه سوى تنوعها، واعترافات من مصممين بأنهم تقبّلوا أخيراً فكرة العودة إلى الماضي ليستقوا منه أفكاراً تناسب الحاضر، وبالنسبة للبعض لتلميع صورتهم.

أول إطلالة: تنورة مستقيمة وقميص مكرمش وربطة عنق (الصور من ديور) - من عرض «جيفنشي» (الصورة من جيفنشي)

هذه هي الصورة التي سادت أسبوع باريس لخريف وشتاء 2023 - 2024. نبش المصممون في أرشيفات قديمة وصاغوا منها تصميمات تلمس الواقع وتُعبر عنه بشكل أو بآخر وهم يؤكدون أنها ليست استنساخا بل استعارة. ماريا غراتزيا مصممة «ديور» عادت إلى الخمسينات، وأنطونيو فاكاريللو، مصمم دار «سان لوران» إلى أواخر السبعينات، كذلك جوناثان سوندرز، مصمم «لويفي»، وماثيو ويليامز، مصمم «جيفنشي»، وغيرهم. قد يكون الأمر هروباً من الواقع الحالي، كما قد يكون مجرد حنين إلى زمن كان فيه الإبداع على أشُدّه لنيل رضا امرأة خرجت لتوِّها من حرب عالمية، وأخرى خاضت حركات نسوية للتحرر من ذكورية المجتمع أو دخلت مجالات عمل كانت محرومة منها. خلال كل هذه التطورات كانت تحتاج إلى أسلحة تمنحها الثقة ودخول المنافسة بقوة.
هذا الحنين إلى التاريخ لم يتجلَّ في الأكتاف الحادّة فحسب، بل حتى في الديكورات. عرض «سان لوران» مثلاً استنسخ قاعة فندق إنتركونينتال التي كان الراحل إيف سان لوران يقيم فيها عروضه الحميمة، وعرض «لويفي» أقيم في قصر فينسين (شاتو دي فينسين)؛ القصر الذي سُجن فيه الماركيز دو ساد وشهد نهاية الجاسوسة الألمانية ماتاهاري، خلال الحرب العالمية الأولى.

اضطر ماثيو ويليامز للعودة إلى جذور الدار الكلاسيكية في هذه التشكيلة (الصورة من جيفنشي)

باختياره هذا القصر، بالرغم من بُعده عن وسط باريس، أراد المصمم أن ينغمس الحضور في هذا التاريخ، قبل دخول قاعة العرض التي شُيّدت في الحديقة على شكل صندوق أبيض. اعترف المصمم بأن كثيراً من التصميمات، ولا سيما الإكسسوارات، مستوحى من أرشيف الدار في السبعينات، وهو الأمر الذي قال إنه كان يرفضه رفضاً باتّاً منذ سنوات. الآن تغيَّر الوضع، فقد أصبحت للماضي وظيفة جديدة: «إنه بداية انطلاق»، وفق قوله. الشيء نفسه كان بالنسبة لديمنا مصمم دار «بالنسياغا» الذي كان مُرغماً على أن يعيد النظر في أسلوبه الصادم في هذه المرحلة الحرجة بالنسبة له.

من عرض «لويفي» (الصورة من لويفي)

لم يكن أمامه سوى الإذعان لفكرة العودة إلى الكلاسيكيات، بعد الجدل الذي أثار عليه غضب عدة جهات بسبب حملته الإعلانية الأخيرة التي ظهر فيها أطفال في أوضاع غير مريحة. حتى الأميركي ماثيو ويليامز الذي كان مُصرّاً على حقن دار جيفنشي بجرعة زائدة من الأسلوب «السبور»، اضطر لتقبُّل «بورجوازية» مؤسسها الراحل هيبار. عاد إلى أرشيفه واستلهم منه تصميمات شديدة الأناقة والرومانسية لم تغِب فيها لمسات «السبور» التي تُميز أسلوبه، لكنها، هذه المرة، شكّلت جسراً مقبولاً بين الماضي والحاضر، وهو ما شرحته الدار بقولها إن العرض كان «مفهوماً جديداً للأناقة يدمج الماضي بالحاضر، حيث تعود القصّات والتفاصيل القديمة بحُلّة تُرضي ذوق الجيل الجديد». أما كيف جسَّد المصمم الأميركي هذا الأمر، فبتشكيلة تطغى عليها الأحجام الكبيرة، والقصّات المفصّلة مع الأكتاف البارزة والخصر الضيّق، من دون أن ينسى الفستان الأسود الناعم الذي جاء بأطوال مختلفة.
بدورها عادت بنا المصممة ماريا غراتزيا تشيوري إلى الخمسينات؛ فترة شهدت فيها الدار مجدها وكتب فيها المؤسس كريستيان ديور فصلاً مثيراً أعاد فيه للمرأة أنوثتها التي سرقتها منها سنوات الحرب العالمية الثانية وما ترتَّب عليها من شُح الموارد، الأمر الذي اضطرها لاستعمال أقمشة رجالية خشنة وتنّورات مستقيمة. اللافت أن تشكيلة ماريا غراتزيا، هذه المرة، كانت بمثابة احتفال بأسلوب المؤسس الرومانسي وثورة عليه في الوقت نفسه. لم تستعمل مثله أمتاراً وفيرة من الأقمشة كما فعل هو لإخراج المرأة من حالة التقشف التي فرضتها عليها الحرب، ولا أكثرت من الموسلين والحرير والتافتا وغيرها من الأقمشة بشكلها وملمسها الناعم، ولا حتى أعادت إلينا تصميم الكريول بتنورته المستديرة، فهذه اقتصرت على فساتين السهرة والمساء أكثر. مع أول ظهور لعارضة بقميص أبيض يبدو مكرمشاً وتنورة مستقيمة بالأسود، تشعر بأنها عادت إلى أناقة فترة الحرب وليس بعدها.
ماريا غراتزيا تعرف أن الزمن لم يعد هو الزمن، والوضع الحالي يتطلب حسابات جديدة، قد يكون «التستُّر» فيها على الترف بمعنى تجنب استعراض الجاه، واحداً منها، الأمر الذي يفسر أنها تعمّدت أن تجعل الأقمشة المترفة تبدو قديمة ومكرمشة باستعمال تقنيات تدخل فيها خيوط من الـ«إينوكس» لتكتسب هذا المظهر. المصممة تعرف أيضاً أن المرأة الشابة تريد أزياء وإكسسوارات عملية للنهار، وهو ما لبَّته من خلال قطع متنوعة يبقى القاسم المشترك بينها تنورات مفصلة على الجسم وألوان الأبيض والأسود والرمادي مع قليل من الألوان بدرجات مطفية. كانت هناك أيضاً بنطلونات تبدو مريحة نسّقتها مع قمصان باللون الأبيض وربطات عنق بالأسود، في صورة تعكس القوة الناعمة للمرأة.
ولأن جاكيت «البار» جزء لا يتجزأ من جينات الدار لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، فإنه لم يغِب في هذه التشكيلة، وإن جاء بطول أقصر من المعتاد، ما أكسبه روحاً ديناميكية وشبابية لم ينافسه فيها سوى «تيشيرت» كُتب عليه «لا أندم على أي شيء»، وهو عنوان أغنية إديث بياف الشهيرة Je ne regretted rien. الصورة اختلفت فيما يتعلق بالتصميمات الموجهة للمساء والسهرة، فهذه كانت احتفاء حقيقياً بأسلوب كريستيان ديور بتنّورات الكريول المستديرة والفساتين الرومانسية المتوهجة بألوان الأحجار الكريمة مثل أحمر الياقوت، وأخضر الزمرّد، ولون التوباز الأصفر، والأزرق. وطبعاً الأقمشة المترفة التي تتراقص فيها خيوط من الذهب والفضة. تقول الدار إن المجموعة بالنسبة للمصممة كانت «فرصة للتفكير في تلك العلاقة التي تربط الأزياء بالجسم، والموضة بالتعمق في الأسلوب الفرنسي»، وبالتركيز على ثلاث شخصيات استثنائية: كاترين ديور أخت المؤسس، والمغنية إديث بياف، والممثلة جولييت غريكو. سبب اختيارها هؤلاء النساء تحديداً أنهن لم يُجسّدن الصورة النمطية للجمال الكلاسيكي. كان كل واحدة منهن تتمتع بمواهب وشخصية قوية. تمرّدن وكافحن، وفي النهاية فرضن أنفسهن في مجالاتهن. ليس هذا فحسب، بل نجحن أيضاً في قلب معايير الأنوثة، وهو ما كان صعباً في مرحلة ما بعد الحرب. هذه التحديات تظهر على السطح حالياً، وكأن الزمن لم يُغيّر شيئاً، مثل تنامي الحركات النسوية المطالبة بحقوق لم تتحقق، مع أن هذه الحركات يجب أن تكون من «خبر كان»! معاناة المرأة، بالنسبة لماريا غراتزيا، لم تنته، فهي لا تزال تُكافح كي تحقق ذاتها وتفرض تميزها واختلافها، أما كيف جسدت كل هذا في 96 إطلالة، فمن خلال لمسات أنثوية قصّتها بلغة فيها تحدٍّ لمفهوم الأنوثة والذكورة، أو كما قالت الدار: «إنها تشكيلة مندمجة في الطابع المتمرّد، ومُفعمة بالقوة والرقّة في آن واحد».
طبعاً لا يكتمل أي عرض تقدمه ماريا غراتزيا تشيوري لـ«ديور»، من دون تعاون مع فنانة، فمنذ دخولها الدار منذ سبع سنوات، وهي تتبع هذا التقليد. هذه المرة، اختارت الفنانة البرتغالية جوانا فاسكونسيلوس لتصميم ديكور مكان العرض على شكل حديقة متفتحة بالألوان. أشكال ضخمة تبدو للوهلة الأولى ساذَجة، لكن الفنانة قالت إنها استوحتها من أرشيف الدار الفرنسية، وتحديداً من أخت المؤسس كاترين ديور، التي كانت عضواً في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي. الورد كان من الأشياء القليلة التي كانت تجعلها تحب الحياة وتتشبث بها. من شدة حبها للورود افتتحت محلاً لبيعها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا الديكور بألوانه الفاتحة وأشكاله المتفتحة كان خلفية مناسبة خفّفت من صرامة اللونين الأسود والأبيض اللذين غلبا على التشكيلة.
في مساء اليوم نفسه، قدَّم أنطوني فاكاريللو لدار «سان لوران» ما يمكن القول إنه إحياء لأسلوب الراحل إيف سان لوران في السبعينات عندما أنّث التوكسيدو الرجالي وأدخله خزانة المرأة مثيراً بذلك جدلاً كبيراً في أوساط المحافظين، وثورة هلَّلت لها أوساط الموضة. لم تكن الأزياء وحدها التي عزَّزت مشاعر الحنين إلى الماضي، بل أيضاً أجواء المكان، بثريّاته الضخمة التي تتدلى من كل الجوانب وعلى مستوى منخفض. تشرح الدار أنها استلهمت الديكور من فندق الإنتركونينتال الذي كان يقيم فيه إيف سان لوران عروضه. على هذا الأساس استعان فاكاريللو برموز تلك الحقبة، مثل الثريات البرونزية التي كانت الإضاءة الوحيدة التي اعتمد عليها العرض، ليُضفي عليه الغموض والإثارة ويعيدنا إلى أجواء الصالونات الفخمة.
بدأ العرض وكانت الصورة مثيرة، بطلتها امرأة قوية تستعمل أزياءها كدروع في حرب تخوضها لفرض ذاتها. أهم ما في العرض أن القطع نفسها تكررت، ومع ذلك لم يُصب تكرارها بالملل، وهو ما يمكن اعتباره إنجازاً في وقت أصبح فيه التركيز على شيء واحد شديد الصعوبة. جاكيت بعد جاكيت، كلها بأكتاف حادّة وضخمة، وبعضها بأقمشة مقلّمة ومأخوذة من خزانة الرجل أو من الجلد. نسقها مع «تيشيرتات» بصدر مفتوح جداً وتنورات مستقيمة تلامس الركبة مع فرق سنتيمترات قليلة ـ أعلاها أو أسفلها، أغلبها بفتحات عالية في الجانب أو من الوسط. هذه أكثر القطع التي حدّدت التشكيلة، إضافة إلى إيشاربات نسّقها المصمم بشكل ذكي، فهي مرة تشدُّ كتف جاكيت من اليمين إلى الشمال بواسطة مشبك، ومرة تلعب دور فيونكة تزيِّن العنق، ومرة تلُفّ العنق لتتدلى من خلفه وكأنها شال أو ذيل طويل. تشرح الدار أن أنطوني كافاريللو «لم يحدّد موسم شتاء 2024 بتجسيد معين لشكل معين للمرأة، بل اختار استخلاص جوهر أسلوب سان لوران الكلاسيكي، الذي يمثّل مزيجاً جذاباً من الدقة والإحساس أضاف إليه إرثه الخاص لتقديم تصميمات مُعاد ابتكارها تواكب متطلبات العصر».
ما أكده العرض فعلياً أن هذا الموسم لم يكن عن الأزياء ولا الإكسسوارات فحسب، بل كان حالة زمنية بكل ما تتضمنه من مشاعر وتاريخ. ما أنقذ ماريا غراتزيا وأنطونيو فاكاريللو وجوناثان سوندرز وغيرهم من المصممين، من الوقوع في استنساخ القديم، أنهم أخذوا الأساسيات وترجموها بلغة تعكس احتياج المرأة إلى أزياء تخوض بها معركة جديدة في مرحلة صعبة، فهي أيضاً تعود إلى حركة بدأت في الستينات وترسخت في الثمانينات باقتحامها مجالات العمل بقوة.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.