ملح الطعام والحروب

استخدمه الآشوريون كسلاح للدمار الشامل وبنى البريطانيون أطول جدار في تاريخ الهند لمنع تهريبه

ملح الطعام والحروب
TT

ملح الطعام والحروب

ملح الطعام والحروب

بدأت رحلة الإنسان مع الملح قبل 10 آلاف سنة عندما اكتشف قدرته على حفظ السمك ولحوم الماشية، وتعتبر هذه القدرة من أسس الحضارة البشرية منذ قديم الزمان. وقد كان الملح بشكل عام لا يقدر بثمن بالنسبة للكثير من الشعوب والحضارات، مثل الآشوريين والعبرانيين واليونانيين والرومان والصينيين والحثيين وغيرهم.
وبعد الاكتشاف الأول، بدأت الرحلة من الصين كما تشير الحفريات، إذ عثر على ضفاف بحيرة Xiechi - في شمال البلاد - على شواهد على إنتاج الملح على نطاق صناعي واستهلاكي واسع قبل 6 آلاف سنة.
وبعد الصين، بدأ الآشوريون والحثيون يستخدمون الملح كسلاح كيميائي لأول مرة في تاريخ البشرية، إذ كانوا ينثرون الملح على أرض المدن التي يحتلونها كلعنة على السكان المحليين، وكثيرا ما كانوا ينثرون الملح كتكتيك في الحروب وجعل أراضي أعدائهم غير صالحة للاستعمال (أي أراضي بور) في المستقبل.
وخلال ذلك أيضا، وكما تشير الحفريات، كانت أول بدايات استغلال الملح وتصنيعه على نطاق واسع في أوروبا، على ضفاف البحر الأسود 4700 سنة قبل الميلاد. فقد كانت هناك بلدات بلغارية خاصة بإنتاجه، ومن هذه البلدات ما يطلق عليه بلدة الملح التي كانت مسورة بجدار عال لحماية المصانع وأحواض تنشيفه.
أما أيام الفراعنة فقد كان يرسل السمك المملح إلى الفينيقيين مقابل مواد أخرى غالية الثمن كخشب الأرز، وكان الفراعنة أول الشعوب التي بدأت حماية الطرق الخاصة بتجارته، إذ كان يأتي معظمه من ليبيا وتونس كما هو الحال اليوم.
وفي العام الألف قبل الميلاد، اشتهرت كل من النمسا وألمانيا بإنتاجه، وحملت الكثير من البلدات الخاصة بإنتاجه على ضفاف نهر السالزاك، الأحرف الأولى من كلمة ملح بالألمانية وهي سولز - salz مثل سولزبيرغ.
جدير بالذكر أن للملح بحيراته الخاصة به حول العالم في أميركا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وله أيضا جبال، كجبل كوه سور التابع لسلسلة جبال زاغروس (العاصفة باليونانية) الضخمة الإيرانية التي تكونت نتيجة اصطدام الصفيحة التكتونية الأوراسية بالصفيحة العربية قبل 23 مليون سنة. ويعتبر كهف جزيرة قشم الملحي من العجائب الطبيعية في إيران.

* الرومان
* كان الملح مهما جدا للرومان وللإمبراطورية الرومانية، ففي عام 100 قبل الميلاد، كانت تشق له الطرقات الخاصة. ففي بدايات الجمهورية الرومانية بنى الرومان الطرق خصيصا لوصول الملح إلى مدينة روما التي كانت تتوسع باطراد. كما بنوا طرقات خاصة لإيصال الملح إلى القبائل الألمانية في الشمال الأوروبي. ويعتبر طريق سابين - Sabine من أشهر الطرق التي وصلت روما بالبحر الأدرياتيكي الضحل المياه. وقد منحهم ذلك القدرة على السيطرة على الأسعار وجمع ما يكفي من الأموال لخوض الحروب.
ويقال إن الجنود الرومان كانوا يقبضون معاشاتهم بعض الأحيان بالملح. ويعود جذر كلمة «ساليري » - salary الإنجليزي التي تعني معاشا إلى سالاريوم - salārium اللاتينية التي تشير إلى الأموال التي تعطى للجنود لشراء الملح. كما أن كلمة سلطة - salad، تعني بالأصل «المملح» في إشارة إلى أوراق الخضار التي كان الرومان يعرفون بتمليحها. ويقال إن قوافل الملح الخاص بالإمبراطورية كانت تضم عشرات آلاف من الجمال.
وفي عام 600 للميلاد تمكن اليابانيون من تطوير عملية استخراج الملح على مرحلتين، الأولى تستخدم الطحالب البحرية، والثانية المياه المالحة قبل الغلي في القدر للحصول على بلوراته.
البندقية - السياسة والقوة والعمران
في كتاب «الملح: بذرة حياة»salt: grain of life يتعرض المؤرخ الفرنسي بيير لاسلو، إلى دور وأهمية ضريبة الملح في العالم القديم، والدور المهم الذي لعبه الملح في التوسع الأوروبي وكيف أصبح تمليح السمك مصدرا ماليا وتجاريا هاما، أي قطاعا هاما ساهم في تكديس الثروات.
ويؤكد لاسلو أن الاتجار بالملح كان عماد الاقتصاد الأوروبي خلال عدة قرون وخصوصا في البندقية. فقد كانت هناك عدة أحواض لإنتاج الملح في المدينة أيام الرومان، ولكن انتشار إنتاج الملح وأحواضه على نطاق واسع لم يتم إلا بعد القرن التاسع للميلاد.
وفي مقابلة مع الراديو الرابعة للـ«بي بي سي» يقول لاسلو بهذا الخصوص: «إن الحرب بين السكان المحليين الذي كان يطلق عليهم اسم الالتينيين واللومبارديين انتهت بدفع اللومبارديين الالتينيين إلى شواطئ الأرخبيل (أرخبيل البندقية)، فلم يكن أمامهم إلا استغلال مصدر الدخل الوحيد المتوفر لهم وهو الملح والرمل، ومن تلك الحاجة بدأوا التبادل التجاري مع أعدائهم، وفي نهاية القرن الثالث عشر كان هناك أكثر من مائة حوض لإنتاج الملح في منطقة البندقية».
فقد انتبه السكان المحليون، كما يؤكد لاسلو، إلى أن بإمكانهم احتكار هذا القطاع وتحدي الأسعار كما يحلو لهم. كما كانت القوانين آنذاك تفرض على السفن القادمة من العالم الخارجي جلب الملح معهم. وقد تمكنت البندقية من جمع كمية هائلة منه. والأهم من ذلك، يقول لاسلو، إن تصاميم أماكن إنتاج الملح وحفظه، كانت مصدر الوحي للتصميم المعماري للبندقية من ناحية المباني والأقنية الكبيرة. ويمكن القول إنه تم بناء وتصميم واستيطان البندقية وأقنيتها الكبيرة ومبانيها على خلفية تجارة الملح.

* الثورات والحروب
* ويقول المؤرخون إنه في عام 1100 للميلاد، كانت المدن الأوروبية القوية تفرض الضرائب على مرور الملح بأراضيها، وقد أدت هذه القرارات إلى انبعاث مدن جديدة مثل مدينة ميونيخ.
بعد ذلك بدأت قصة الملح الأوروبية الحديثة، ونعني بذلك الثورات، أعمال الشغب والحروب.
وبدأت القصة من فرنسا وضريبة غابيلي - gabelle الشهيرة بالملح في القرن الثالث عشر، وعقوبة السجن المؤبد لتهمة تهريب الملح. ويقول بعض المؤرخين إن ارتفاع أسعار الخبز بسبب ارتفاع أسعار الملح كان أحد أسباب الثورة الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر.
ولم يمض وقت طويل على الثورة الفرنسية حتى بلي نابليون بهزيمة شنعاء بعد حملته الفاشلة على إخضاع روسيا بداية القرن التاسع عشر، إذ كان نقص الملح أحد الأسباب الرئيسية لموت عشرات آلاف من جنوده.
ويقال إنه في القرون الوسطى وعصر التنوير كان الملح من الكماليات في أوروبا، وكان للملوك مطاحن الملح الخاصة بهم، وكان الجلوس إلى جانب الملح شرفا خاصا بصاحبه.
أما أهم الاضطرابات الحديثة التي سببها الملح وضريبته، فقد كانت انتفاضة موسكو عام 1648 التي تعرف بـ«عصيان الملح» أيام القيصر أليكس الأول. وخلال محاولات القيصر تعديل القوانين وإجراء الإصلاحات لوقف أعمال الشغب، اضطر إلى بناء مطبعة كبيرة في موسكو لطباعة التغيرات السياسية، ومن هناك ولدت روسيا الحديثة حسب رأي البعض.

* الولايات المتحدة الأميركية
* وفي إطار الحروب التي اندلعت من أجل الملح يقول البروفسور بيتر وولينستاين - جامعة فيرجينيا تاك، في مقابلة خاصة بالراديو الرابع للـ«بي بي سي»، إن المدنيين والعسكر على حد سواء اعتمدوا خلال الحرب الأهلية وخلال حرب الاستقلال على الملح، إذ لم يكن ممكنا العناية بالأحصنة والجنود وإطعامهم بسبب غياب التبريد، وخصوصا للملح. ولم يكن من الممكن إدارة المجتمع أو الحرب من دون الملح وقدرته على حفظ الطعام.
ويوضح وولينستاين أن محاولات أطراف الصراع منع وصول الملح إلى الطرف الآخر كانت وسيلة من وسائل الحرب، وكان الملح جزءا من استراتيجية الأطراف المتصارعة بدايات الحرب الأهلية عام 1861.
ويقال إن أهم أهداف الرئيس إبراهيم لينكولن بمحاصرة الولايات الكونفدرالية الأميركية، كان منع وصول الملح إلى الجنوب، حيث كانت عمليات ضرب مناجم الملح من أولويات الجيش. ويقول بعض القادة الذين شاركوا في الحرب تحت لواء الولايات الكونفدرالية، إن الاتحاديين ربحوا الحرب لأنهم كانوا يسيطرون على الملح. كما كان الماء المالح يدفع للجنود بسبب نقص النقود بداية القرن التاسع عشر وأثناء حرب عام 1812 بين الولايات المتحدة وبريطانيا.

* بريطانيا
* ولبريطانيا التي تنتج الملح منذ أكثر من ألفي عام وتصل قيمة قطاعه فيها حاليا إلى 20 مليار دولار سنويا، قصة طويلة مع الملح من حروب أميركا إلى الهند. فأسماء البلدات البريطانية التي تنهي بـ«ويتش« - Wich - (تعني المكان باللاتينية) مثل ميدلويتش ونانتويتش ونورثويتش ودرويتويتش، أسماء بلدات منتجة للملح منذ زمن طويل.
وكانت قرى هاردفيتشور وشاربشور في مقاطعة ويلز في القرن السابع عشر تختار رجلا محددا للوقوف أمام جثة الميت لتناول قطعة من الخبز والملح لامتصاص ذنوب الميت وتركه ينتقل إلى العالم الآخر بخفة. وكان بعض الناس ينثرون الملح قبل دخولهم إلى البيت الجديد كما كانوا يضعون على أنفسهم الملح قبل الذهاب إلى العزاء. وهذه تقاليد معروفة في مجتمعات أخرى كانت تستخدم الملح للوقاية من الشر، من بينهم اليابانيون الذين كانوا ينثرونه حول حلبة السومو لحماية المتصارعين من الأرواح الشريرة.
وقد تحول ميناء ليفربول الصغير إلى ميناء دولي بسبب تجارة الملح، وكان في القرن التاسع عشر معظم الملح المستهلك حول العالم يأتي عبر هذا الميناء ومناجم تشاشر القريبة.
استخدم البريطانيون الملح كأداة من أدوات الاضطهاد الاقتصادي للاستعمار البريطاني في أميركا والهند، إذ كان الهنود ممنوعين من إنتاجه والاتجار به.
ولم يفرض البريطانيون على الملح وعمليات شرائه وبيعه ضرائب كبيرة وحسب، فقد بنوا أول وأكبر وأطول جدار في التاريخ لمنع تهريب الملح واحتكاره والسيطرة على تجارته. فقد كان يصل طول الجدار الطبيعي بين مدراس إلى الاينداس إلى 2300 ميل بعرض نصف كيلومتر. وقد فرزت الإمبراطورية 12 ألف جندي لحماية وحراسة الجدار.
ويقال إن غاندي عندما وصل البحر في نهاية مسيرة عام 1930 التي تواصلت لمدة أربعة وعشرين يوما، غرف بعض الملح بين راحتيه وعرضها على مناصريه - وكانت هذه الخطوة الرمزية الشرارة التي أدت إلى اندلاع التمرد الشعبي العام وتحقيق استقلال الهند عن بريطانيا.
ولم يقل الاتكال على الملح تاريخيا إلا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث دخلنا عالم الآلة ومضى عالم الخيل والعناية بها وصحتها إلى غير رجعة.

* الملح في الأحلام
* عند ابن سيرين
الملح: قال القيرواني إنّه يدل على مال عليه التراب من الأموال، لأنه من الأرض، سيما أنّ به صلاح أقوات النفس، فهو بمنزلة الدراهم والأموال التي بها صلاح الخلق ومعايشهم. ويدل أبيضه على بيض الدراهم، وأسوده على سود الدراهم، ومطيبه على الذهب. والمال الحلال، وربما دل على الدباغ، لما جاء في بعض الآثار أنَّ فيه شفاء من اثنين وسبعين داء.. وإن كان طالبًا للعلم ظفر بالفقه، وإن كان طالبًا للدنيا عبرته له بالمال.
* عند الشيخ عبد الغني النابلسي:
هو في المنام مال بلا تعب، وإذا رأيته بين المتخاصمين فإنهم يصطلحون. ومن رأى أن ملح الناس قد فسد، فإن الطاعون يحل بذلك المكان.. والملح شغل ومرض، والملح زهد في الدنيا وخير ونعمة، ومن أكل الخبز بالملح فقد اقتنع من الدنيا بشيء يسير. ومن وجد ملحًا وقع في شدة ومرض. ومملح السمك أخبار سارة، ومملح الزيتون نقض عهد.



جولة على أقدم المطاعم في دلهي

من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)
من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)
TT

جولة على أقدم المطاعم في دلهي

من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)
من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)

إذا كنت واحداً من الذين يزورون العاصمة الهندية دلهي لاستكشاف جوانبها التاريخية والثقافية، فإن دلهي إضافةً إلى ما تقدمه من التاريخ الغني والثقافة والتراث، تقدم بالتأكيد ذروة الثقافات المتنوعة في طعامها أيضاً.

من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)

ومما لا شك فيه أن الرحلة إلى دلهي ستكون غير مكتملة من دون استكشاف أماكن الطعام التاريخية فيها. وبعضها من عصر ما قبل الاستقلال، وقديم لما يقرب من قرن من الزمان، وحملت وصفات سرّية، وأنساب الأجداد، وقصصاً لا تُنسى عبر الأجيال. دعونا ننظر إلى بعض أقدم المطاعم في دلهي المليئة بالنكهات والقصص والصراعات، وهي الآن جزء من تراث دلهي وتاريخ الطعام الهندي وتجعل من المدينة عاصمة الغذاء في الهند.

حلويات شاينا رام - تشانديني تشوك

بجوار مسجد «فاتحبوري» في دلهي، وهو مسجد من القرن السابع عشر، توجد لافتة قديمة على المتجر تقول: «جودة لا مثيل لها منذ عام 1901». يقع متجر «شينا رام» للحلويات في أزقة باهارغانج، ويدير أعماله بنجاح منذ أكثر من 100 عام، وقد افتُتح لأول مرة في لاهور (باكستان الآن) ثم في الهند الموحدة. بعد التقسيم، وصل إلى الهند، وأُعيد افتتاحه بنفس الاسم، وهو معروف حالياً بحلوى كراتشي المميزة، وغيرها من أنواع هذه الحلوى.

يُذكر أن حلوى كراتشي التي اشتُقت اسمها من مدينة كراتشي هي من أنواع الحلوى بلون الزعفران ومصنوعة من مسحوق «مارانتا» أو دقيق الذرة، والفواكه الجافة، والسكر، والسمن.

يُعرفنا هاري غيدواني (64 عاماً) وهو أحد أفراد العائلة التي أسست وتمتلك «شاينا رام» على ابن أخيه، كونال بالاني (30 عاماً)، وهو شريك من الجيل الخامس في المتجر ويتولى إدارة الأعمال اليومية.

مطعم «كريم» من أقدم مطاعم دلهي (إنستغرام)

يقول كونال بالاني: «تخصصنا هو حلوى كراتشي. وهناك أيضاً حلوى سيف باك، وحلوى سوهان، وحلوى باتيسا، وحلوى بيني. نحن نركز على هذه الحلويات فقط طوال العام. ولكن الشيء الأكثر أهمية هو الحفاظ على نفس الجودة لجميع المنتجات».

مطعم «كريم»

انطلق في عام 1911 مع تاريخ مثير للاهتمام.

عمل عزيز عويز طباخاً في البلاط الإمبراطوري المغولي في القلعة الحمراء في منتصف القرن التاسع عشر. نهب البريطانيون دلهي ونفوا آخر إمبراطور مغولي إلى رانغون (ميانمار).

كان انهيار البلاط الملكي يعني أن أولئك المرتبطين به يجب أن يبحثوا بسرعة عن وسائل بديلة للعمل. هرب عزيز إلى مدينة ميروت ثم إلى غازي آباد في ولاية أوتار براديش الآن. رغم تجريده من منصبه، فإن عزيز كان لا يزال يُعلم أبناءه طهي الطعام الملكي الذي صنعه للإمبراطور، مُصراً على أنه من تراثهم.

في عام 1911، نفس العام الذي احتفلت فيه السلطات البريطانية بجعل دلهي العاصمة الجديدة لإمبراطوريتها، طرح أحد أبناء عزيز، الحاج كريم الدين، فكرة الاستفادة من احتفال الناس بزيارة الملك جورج الخامس والملكة ماري. وبعد أن أقام كشكاً بسيطاً خارج بوابات المسجد الجامع من القرن السابع عشر، لم يُقدم سوى طبقين: لحم الضأن مع البطاطس، وكاري العدس. وبعد سنتين، تمكن من فتح مطبخ صغير في زقاق قريب يمكن أن يُطعم 20 شخصاً.

«إنديان كوفيه هاوس» في دلهي (إنستغرام)

منذ تلك الأيام الأولى، توسع مطعم «كريم» البسيط، وأصبح هناك الآن عديد من المنافذ في جميع أنحاء المدينة، التي يديرها أفراد مختلفون من الأسرة. ومع ذلك، فإن المطعم الأصلي -الذي لا يزال على مسافة خطوة من المسجد الجامع ولكنه في الوقت الحاضر يضم ما يصل إلى 300 شخص- هو الذي يجذب الزوار بقوة.

يقول زعيم الدين أحمد، مدير المطعم وممثل الجيل الخامس من الأسرة التي عملت هنا: «سر شعبيته هو صيغة الطهي». وأضاف: «الأمر نفسه ما كان عليه خلال عهد الإمبراطور بهادور شاه ظفار».

كل مساء، يأخذ عمه مجموعة من الصناديق الخشبية إلى مكتب بالطابق العلوي حيث يملأها بمزيج محسوب بعناية من التوابل. وفي الصباح، تؤخذ هذه الصناديق إلى الطابق السفلي وتسلم إلى الطهاة لتحضير الأطباق المختلفة.

يقول أحمد: «إن سبب رغبة الناس في المجيء إلى هنا هو أنهم لا يستطيعون الحصول في أي مكان آخر في دلهي على نفس الطعم الذي يحصلون عليه هنا. لا يمكنك أن تخدع الجيل الحالي. إنهم يفهمون القيمة لقاء المال. لا أعتقد أن حاجي صاحب كان ليحلم بأن الأجيال القليلة القادمة ستصبح مرادفة لأعمال شراء طعامه».

هناك أكثر من 40 صحناً متاحاً في مطعم كريم، بدءاً من الأطباق البسيطة، مثل «السيخ كباب»، وهو يُعد باللحم المفروم مع التوابل، ووصولاً إلى الأطباق الجريئة، مثل الأدمغة المقلية. يمكن لأولئك الذين يمنحون إخطاراً قبل 24 ساعة أن يطلبوا الماعز الصغير مشوي بالكامل.

«موتي محل»

كما كان متوقعاً، فإن عام 1947 هو العام الذي استقبلت دلهي فيه تدفقاً من اللاجئين. كان لدى عدد قليل منهم شركات ناجحة في مجال الأغذية في باكستان، وكان أحدهم مثل عديد آخرين هو «كوندال لال غوجرال»، الذي هاجر إلى دلهي وأعاد تأسيس «موتي محل» في الهند عام 1947، الذي كان قد أسَّسه أول الأمر عام 1920 في بيشاور (باكستان).

لذا، يمكن القول إن «موتي محل» قديم قِدم الهند المستقلة نفسها، وكثيراً ما يُقال إنه أول مطعم في الهند المستقلة. ليس فقط أن قائمة الطعام لم تتغير منذ عام 1947، ولكن الديكور هو بالضبط ما كان عليه قبل 76 عاماً. حتى اليوم، يمكنك أن تسمع مغنين من القوالي في الفناء.

كان أول من حفر فرن التاندور (الفرن الفخاري) مباشرةً في وسط أول مطعم صغير له، وابتكر دجاج التاندوري الأسطوري. تم إدخال التاندور إلى الهند من آسيا الوسطى عندما غزاها المغول واستقروا هناك. كان التاندوري يُستخدم في وقت سابق لصنع الخبز. لم يُستخدم أبداً لصنع الكباب، لكن غوجرال قدم فكرة جديدة عن تتبيل الدجاج في الزبادي وبعض التوابل ووضعه في التاندور الساخن. ما خرج كان دجاج التاندوري، ولم تكن هناك عودة إلى الوراء. كان هذا هو تطور التاندور، لقد غيّر وجه المطبخ الهندي، وتم تطوير مطبخ جديد.

في الوقت الحالي، وتحت إشراف مونيش غوجرال شهدت العلامة التجارية تحولاً هائلاً. وقد حرص مونيش على أن تكون العلامة التجارية واضحة للعيان، وتوسع «موتي محل» ليشمل الشواطئ الدولية.

من العديد من رؤساء الوزراء والرؤساء وغيرهم من المشاهير، كان المكان يتردد عليه كثير من الشخصيات الأجنبية مثل شاه إيران، وكثير من الشخصيات المهمة الأخرى.

«ويغنير» من الخارج (إنستغرام)

مطعم «وينغر»

«وينغر» هو واحد من أقدم المخابز في دلهي، وقد تأسس عام 1924. وفي العام الحالي، أكمل «وينغر» مائة عام من تقديم الفطائر، والبرغر، والمعجنات، والهوت دوغ لسكان دلهي. وهو أيضاً واحد من المخابز القليلة في دلهي التي قدمت مفهوم السلطات والحلويات البرتغالية.

أنشأه زوجان سويسريان بنفس الاسم «وينغر»، وكان أول مخبز في دلهي يقدم الشوكولاته السويسرية وكعك السمن، وقد أنشأه المهندس المعماري البريطاني السير روبرت تور راسل. واستولى آل التاندون على المخبز عام 1945.

عندما تم الانتهاء من بناء «كونوت بلاس» في قلب دلهي عام 1933 كان «وينغر» معروفاً جيداً بوصفه مكاناً للتجمع في جميع أنحاء المدينة. كان الناس يحجزون مسبقاً لأنه كان يعمل مطعماً في سنواته الأولى. كان مطعم «وينغر» في السابق عبارة عن صالة للشاي ومتجر للحلوى مع «رانديفو» (المقهى)، و«لا مير» (قاعة الرقص)، و«غرين شوب» (متجر الحفلات) ممتدة عبر اثنين من المتاجر. كان وينغر يغلق أبوابه في فصل الصيف وينتقل إلى شيملا، على غرار البريطانيين الذين كانوا مسؤولين عن الهند في ذلك الوقت. الأهم من ذلك، أن المكان تطور مع مرور الوقت، ولكن جودة ومذاق الطعام لا يزالان متشابهين. لذا، في يوم الاستقلال هذا، احتفلوا بسحر الحرية مع أكثر من 70 نوعاً من المعجنات.

الأطباق القديمة لا تزال محافظة على وصفاتها الأصلية (شاترستوك)

«إنديان كوفي هاوس»

«إنديان كوفي هاوس» هو واحد من أكثر الأماكن الأسطورية في دلهي. افتُتح عام 1942، وهو مطعم كلاسيكي ذو تاريخ أكثر من 82 عاماً. أفضل جزء في المقهى هو أنه يعرض جميع أنواع الأطعمة، سواء كانت متوسطية، أو من شمال الهند، أو أوروبية، أو أنواع أخرى من الأطباق غير التقليدية. الأجواء بسيطة للغاية والطعام بسعر معقول جداً. إنه مكان رائع لشخص يريد أن يأكل طعاماً جيداً بميزانية معقولة. وعلى مر السنين، أصبح مكاناً اجتماعياً شهيراً للقادة والناشطين السياسيين. يوجد لدى «إنديان كوفي هاوس» الآن فروع متعددة في جميع أنحاء البلاد.

«روشان دي هاتي»

بالنسبة إلى سياح كثيرين، فإن هذا المطعم الشامخ والفخور يعود تاريخه إلى أكثر من 73 سنة في دلهي. في أي وقت من اليوم، ستشاهدون حشداً من الناس ينتقلون إلى هذا المطعم المتواضع الذي يرجع تاريخه إلى عام 1947. أسسه روشان دي سوني عام 1951، بدأ «روشان لال كولفي» ككشك لبيع حلوى كولفي (حلوى هندية مجمدة تُصنع عن طريق تركيز الحليب بالغليان ونكهته بالمكسرات وبذور الهيل. وهي أكثر كثافة وكريمية من الآيس كريم العادي، وتأتي بنكهات عديدة)، وهو الآن مطعم متعدد الطوابق يقدم العديد من المأكولات.

يقول إيشان سوني (34 عاماً)، حفيد روشان لال، الذي تولى الآن مسؤولية عمليات المطعم مع أبناء عمومته: «كان جدي يبيع الكولفي في الشوارع، وأخيراً في عام 1951، أنشأ متجراً صغيراً وأقام كشكاً في الشارع بعد الهجرة من باكستان. إن هذا المطعم اليوم يقف في المكان الذي بدأ فيه العمل بائعاً متجولاً».

جرى تحديث على القائمة هنا للآيس كريم الهندي ليتضمن الكولفي الخالي من السكر وشوكولاته الكولفي، إضافةً إلى فالودا المانغو، وهو الذي يحقق نجاحاً وشعبية كبيرة خلال الصيف.