في الفترات السابقة، كان يتم الاستشهاد بمعاناة السير أليكس فيرغسون في بدايته مع مانشستر يونايتد عندما يطالب الناس بالصبر على أي مدير فني متعثر. لكن في الوقت الحالي، أصبح المثال الأبرز على أهمية الصبر على المدير الفني الجديد يتمثل في الدعم الذي قدمه آرسنال للإسباني ميكيل أرتيتا، الذي كان معرضا لخطر الإقالة من منصبه في ديسمبر (كانون الأول) 2020.
وتعد تجربة أرتيتا مع آرسنال بمثابة تذكير لنا جميعا بأنه نادرا ما توجد أمور مؤكدة أو ثابتة في عالم كرة القدم. يمكننا بالطبع أن نشيد بآرسنال، الذي يقترب من الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ عام 2004؛ لشجاعته وتمسكه بالمدير الفني الإسباني الشاب في أصعب وأحلك الظروف، لكن يجب أيضا أن نعترف بأنه لم تكن لتحدث ضجة كبيرة لو أقال النادي أرتيتا آنذاك. وفي الوقت الحالي، يحاول تشيلسي منح غراهام بوتر الوقت اللازم لتطبيق أفكاره وفلسفته على أرض الواقع رغم تراجع المستوى والنتائج، وهو ما يعني أن الأندية أصبحت تدرك جيداً أن تحقيق الأهداف يتطلب الصبر وكثيرا من الوقت.
أرتيتا يجني ثمار جهوده في بناء آرسنال (رويترز)
وهذا هو الموقف الصعب الذي يواجهه تشيلسي في ظل النتائج السيئة في الدوري الإنجليزي الممتاز – رغم فوز النادي في مباراته الأخيرة على ليدز يونايتد بهدف دون رد - وقبل مباراة العودة لدور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا غدا أمام بوروسيا دورتموند بعد أن خسر المباراة الأولى في ألمانيا بهدف نظيف.
وتراجعت نتائج تشيلسي بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وهناك شعور متزايد بأنه لا بد من تغيير القيادة الفنية في حال استمرار تراجع النتائج في الدوري وخروج الفريق من دوري أبطال أوروبا. فهل لو استمر تشيلسي في دعمه لبوتر ستتحسن الأمور في نهاية المطاف ويُكافئه المدير الفني الإنجليزي الشاب على صبره؟ أم أن هذا يعد تكرارا لتجربة ديفيد مويز مع مانشستر يونايتد؟ أم أن بوتر، الذي دائما ما كان ينجح في تطوير مستوى الفرق التي يتولى تدريبها بمرور الوقت سيتحول إلى أرتيتا جديد؟
يسعى مالكا تشيلسي، تود بوهلي ومجموعة «كليرليك كابيتال»، إلى معرفة إجابات واضحة لهذه الأسئلة. إنهما معجبان بالطريقة التي تعامل بها آرسنال مع أرتيتا. وعقب خسارة تشيلسي أمام توتنهام بهدفين دون رد الأسبوع الماضي، أشار بوتر إلى الفيلم الوثائقي «كل شيء أو لا شيء» الذي أنتجته شركة أمازون عن آرسنال، مشيراً إلى أن الجميع كانوا يعتقدون أن أرتيتا كان «كارثة» قبل عامين، كما أشار بوتر إلى المدير الفني لليفربول، يورغن كلوب، زاعما أن بعض الناس يطالبون بإقالة المدير الفني الألماني بسبب الصعوبات التي يواجهها الفريق هذا الموسم.
صفقات تشيلسي الكثيرة لم تؤت ثمارها حتى الآن (د.ب.أ)
لقد اعترف بوتر نفسه بصعوبة موقفه، إذ لم يحقق سوى ستة انتصارات فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ توليه قيادة تشيلسي خلفا للألماني توماس توخيل في سبتمبر (أيلول) الماضي. ولم يسجل تشيلسي، الذي يحتل المركز العاشر في جدول ترتيب الدوري على الرغم من إنفاق أكثر من 500 مليون جنيه إسترليني منذ الصيف الماضي، سوى خمسة أهداف فقط في عام 2023، وخرج من كأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، ومن غير المرجح أن يشارك في أي من البطولات الأوروبية الموسم المقبل.
لقد أشار بوتر إلى أن الاستعدادات للموسم الجديد قبل وصوله كانت «دون المستوى المطلوب»، وهذا صحيح بالفعل. كما أشار إلى أن فريقه قد تأثر كثيرا بغيات الكثير من اللاعبين الأساسيين بسبب الإصابات، فضلا عن أن إقامة بطولة كأس العالم في منتصف الموسم قد «قطعت» جدوله التدريبي مع الفريق، بالإضافة إلى أن الكثير من اللاعبين الجدد الذين ضمهم النادي من اللاعبين الشباب الذين يحتاجون إلى بعض الوقت من أجل التأقلم والاستقرار. لقد تعاقد الملاك الجدد مع عدد كبير من اللاعبين، وبالتالي أصبحت القائمة متخمة باللاعبين، وأصبح بوتر يواجه صعوبة كبيرة في اختيار التشكيلة الأساسية في كل مباراة. قد يكون كل هذا صحيحا ومنطقيا، لكنه لا يعني على الإطلاق أن يظهر تشيلسي بهذا الشكل الباهت داخل المستطيل الأخضر.
بوهلي رئيس تشيلسي أنفق الكثير وينتظر حلولاً سريعة (رويترز)
وهنا تسقط المقارنات مع أرتيتا وكلوب. لقد كان آرسنال يحتل المركز العاشر في جدول ترتيب الدوري عندما تولى أرتيتا مسؤولية الفريق خلفا لأوناي إيمري في ديسمبر 2019، ولم يكن آرسنال يضم لاعبين موهوبين مثل الموجودين في تشيلسي تحت قيادة بوتر حاليا، ولم ينفق آرسنال أموالا طائلة لتدعيم صفوفه كما فعل تشيلسي. لكن بعد بضعة أسابيع، كان من الممكن معرفة إلى أين يريد أرتيتا أن يذهب، حيث كان الفريق يلعب بهوية واضحة وبأسلوب مميز، وفاز على مانشستر يونايتد وليفربول في الدوري، وأخرج مانشستر سيتي بقيادة جوسيب غوارديولا من كأس الاتحاد الإنجليزي، قبل أن يفوز على تشيلسي في المباراة النهائية.
وبالتالي، كان هناك تقدم ملموس وواضح في أداء ونتائج الفريق. وبالمثل أحدث كلوب تأثيرا فوريا بعد توليه قيادة ليفربول خلفا لبريندان رودجرز في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، لقد تولى كلوب قيادة فريق متوسط المستوى، لكنه تمكن خلال موسمه الأول من الفوز على تشيلسي ومانشستر سيتي، كما تمكن من العودة بقوة بعد التأخر في النتيجة أمام بوروسيا دورتموند، ووصل إلى المباراة النهائية للدوري الأوروبي. لكن بوتر، الذي لم يحقق أي إنجازات سابقة كلاعب أو كمدير فني على أعلى المستويات، لم يفعل مثلما فعل أرتيتا وكلوب، ففريقه لا يلعب بهوية واضحة وطريقة مميزة، كما لم ينجح هو في تحسين النتائج، وهو الأمر الذي يصيب جمهور وعشاق النادي بالإحباط.
تشيلسي جعل من إنزو فيرنانديز أغلى صفقات الدوري الإنجليزي - جواو فيلكس لم يحل مشكلة العقم التهديفي (إ.ب.أ)
لو كان رومان أبراموفيتش هو مالك تشيلسي حتى الآن، فمن المؤكد أنه لم يكن ليفكر على الإطلاق في التعاقد مع المدير الفني البالغ من العمر 47 عاما من برايتون، لكن انجذب بوهلي ومجموعة «كليرليك كابيتال» إلى ذكائه التدريبي وهدوئه وقدرته على العمل الجماعي. وعلى الرغم من أن بوتر لم يخسر دعم وثقة لاعبيه، فإن الملاك الجدد يدركون تماما أنه لن يكون من السهل الاستمرار في دعمه إذا لم يكن هناك تحسن في النتائج والأداء خلال الفترة المقبلة، لكن المشجعين يرغبون في رؤية «المزيد من الكاريزما» من بوتر، الذي قد يواجه مشكلة أكبر إذا خسر أمام بوروسيا دورتموند، وإثبات أن لديه خطة واضحة على أرض الملعب. وبعيدا عن الفوز على ميلان الجريح في دوري أبطال أوروبا، لم يفز تشيلسي بأي مباراة صعبة منذ إقالة توخيل. ويعاني الفريق من عقم هجومي واضح، ويفتقر إلى الهوية، كما لا يوجد تشكيل ثابت للفريق، فتارة تجد المدافع السنغالي كاليدو كوليبالي في التشكيلة الأساسية، وتارة أخرى على مقاعد البدلاء، ثم تجده يخرج مستبدلا بين شوطي المباراة، ثم يعود بعد ذلك إلى التشكيلة الأساسية! وشارك ديفيد داترو فوفانا في التشكيلة الأساسية في المباراة التي خسرها تشيلسي أمام ساوثهامبتون بهدف دون رد، ثم خرج مستبدلا بعد نهاية الشوط الأول، ثم لم يكن موجودا حتى على مقاعد البدلاء في مباراة توتنهام! وكان الجناح المغربي حكيم زياش قريبا للغاية من الانضمام إلى باريس سان جيرمان في اللحظات الأخيرة من فترة الانتقالات الشتوية، لكنه أصبح فجأة لاعبا مهما بما يكفي للمشاركة في التشكيلة الأساسية أمام توتنهام!
وعلاوة على ذلك، فإن قصة الغابوني بيير إيمريك أوباميانغ تعيدنا مرة أخرى للحديث عن أرتيتا، فقد أشار فيلم «كل شيء أو لا شيء» إلى أن أرتيتا رأى أن أوباميانغ كان له تأثير سلبي على اللاعبين الصغار في آرسنال، لذلك قرر التخلص منه. ورغم ذلك، تعاقد تشيلسي مع المهاجم الغابوني البالغ من العمر 33 عاما للم الشمل بينه وبين مديره الفني السابق توماس توخيل، لكن الغريب أن توخيل نفسه أقيل من منصبه بعد ذلك بأقل من أسبوع واحد، وهو ما يعكس حالة الارتباك التي يعاني منها النادي!
وبات من الواضح للجميع الآن أن أوباميانغ ليس جزءا من مستقبل تشيلسي، وأن النادي ربما يشعر بالندم على ضم اللاعب خلال الصيف الماضي. لقد كانت هناك رغبة في لم الشمل بين اللاعب الغابوني ومديره الفني السابق توخيل، لكن هذا الأمر لم يستمر إلا لمدة أسبوع واحد فقط. وعلى الرغم من تأكيد بوتر على أنه لا توجد أي مشكلة فيما يتعلق بسلوك أوباميانغ، يبدو من غير المرجح أن يستمر قائد آرسنال السابق في صفوف تشيلسي خلال الموسم المقبل.
وتؤكد كل المعطيات والمؤشرات أن أوباميانغ لن يستمر ويشعر المهاجم الغابوني بالصدمة بعد تهميشه واستبعاده من قائمة تشيلسي في دوري أبطال أوروبا. لقد كان يتعين على تشيلسي أن يجد مكانا في القائمة لثلاث من صفقاته الجديدة، لكن استبعاد أوباميانغ كان بمثابة إعلان واضح عن رغبة النادي في التخلص من اللاعب، خصوصاً أنه كان من الممكن أن يلجأ النادي إلى حلول أخرى لو كان يرغب حقا في ضم أوباميانغ للقائمة، فكان من الممكن مثلا استبعاد كارني تشوكويميكا، الذي لم يكن ليثير مشكلة كبرى في حال استبعاده! وعلاوة على ذلك، فإن الجناح الأميركي كريستيان بوليسيتش غائب عن الفريق منذ فترة طويلة بسبب الإصابة، كما حاول اللاعب المغربي حكيم زياش الانضمام إلى باريس سان جيرمان في اليوم الأخير لفترة الانتقالات الشتوية.
ومع ذلك، كان أوباميانغ هو الشخص المستهدف! لقد غامر بوتر كثيرا باستبعاده للمهاجم الغابوني، وبالتالي كان من المنطقي أن يتم التشكيك في قراره بعدما خسره تشيلسي أمام بوروسيا دورتموند في دور الستة عشر بدوري أبطال أوروبا ذهابا. لقد تكررت نفس القصة القديمة على ملعب «سيغنال إيدونا بارك»: الكثير من كرة القدم الجيدة، والكثير من الفرص الضائعة، والكثير من الإحباط بعد الفشل مرة أخرى في الخروج بنتيجة إيجابية.
من المؤكد أن إهدار الفرص السهلة ليس خطأ من جانب بوتر، فلا يمكننا أن نلومه على الفرصة المحققة التي يهدرها المهاجمون، لكن من المنطقي تماما أن نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى تجاهله لأوباميانغ وعدم الاستعانة به. من المؤكد أن أوباميانغ ليس أسوأ من كل هؤلاء اللاعبين، وبالتالي فإن استبعاده يثير الكثير من علامات الاستفهام. من الواضح أن بوتر يسعى لإعادة بناء للفريق، لكن الضعف الواضح لتشيلسي أمام المرمى ليس بالأمر الجديد، والدليل على ذلك أن السجل المتواضع للمهاجمين الذي أظهر أن الفريق بحاجة لصاحب خبرات كبيرة لديه القدرة على استغلال أنصاف الفرص أمام المرمى، وربما يكون أوباميانغ هو الحل ولو مؤقتا.
لم يكن من الغريب أن يبدو بوتر متوترا ومرتبكا بعض الشيء خلال ظهوره أمام الكاميرات. لقد أشار المدير الفني الإنجليزي الشاب إلى أن هذه هي أصعب وظيفة في كرة القدم، لكن هذا ليس صحيحا على الإطلاق! صحيح أنه يواجه صعوبات، لكن الكثير من المديرين الفنيين يتمنون أن يقودوا فريقا يضم تياغو سيلفا، وريس جيمس، وماسون ماونت، وكاي هافرتز، ورحيم ستيرلنغ، وماتيو كوفاسيتش، وجواو فيليكس. وعلاوة على ذلك، هناك كوكبة أخرى من اللاعبين المميزين للغاية على مقاعد البدلاء يمكن الاستعانة بهم في أي وقت، وبالتالي فمن غير المنطقي التعامل مع الموسم الحالي على أنه مجرد فترة تدريب أو إعداد! لقد فتح تشيلسي خزائنه وأنفق أموالا طائلة، لكنه وجد نفسه في النهاية في مركز أقل من أندية مثل فولهام وبرايتون وبرنتفورد!
وبالتالي، يتعين على بوتر، الذي قاد تشيلسي في 26 مباراة حتى الآن، أن يقدم المزيد. صحيح أنه يحتاج إلى تقليص قائمة الفريق، لكن يتعين عليه أيضا أن يطور فريقه وينشطه ويساعده على تقديم مستويات ونتائج أفضل. لقد كسر تشيلسي الرقم القياسي لأغلى صفقة في تاريخ كرة القدم البريطانية بتعاقده مع اللاعب الأرجنتيني الشاب إنزو فرنانديز، لكن أي مشجع يشاهد مباريات تشيلسي لم ير أي مؤشر واضح على أن بوتر لديه القدرة على مساعدة اللاعبين الموهوبين الموجودين بالفريق على تقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر.
لكن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: إلى متى سيصبر تشيلسي على بوتر؟ من المؤكد أن إقالة ثاني مدير فني خلال أقل من عام ستكون محرجة للنادي، الذي لا يزال يدعم بوتر، لكن يجب أن نعرف أن تجارب المديرين الفنيين مختلفة تماما عن بعضها البعض، ولكل منها خصوصيتها وتفاصيلها، ولم يعد من الممكن الآن منح أي مدير فني نفس الوقت الذي حصل عليه فيرغسون في بدايته مع مانشستر يونايتد. من المؤكد أنه ستأتي نقطة معينة ستصبح فيها الشكوك والضغوط هائلة بشكل لا يمكن تحملها، وما لم يشهد تشيلسي تحسنا كبيرا في النتائج والأداء قريبا، فسيكون من المستحيل على إدارة النادي عدم قبول فكرة أن بوتر لا ينتمي إلى نفس فئة كلوب وأرتيتا!