في جولته الأفريقية الحالية التي تهدف إلى إعادة التموضع في قارة أفريقيا، وترميم ما فسد خلال الفترة الماضية، يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في محطته الحالية جمهورية الكونغو الديمقراطية، عقبة تتمثل في استياء شعبي وحقوقي من موقف فرنسا من نزاعها مع رواندا، الدولة المجاورة.
وقبيل زيارته التي بدأت (السبت) لكينشاسا، دعا نحو 150 منظمة غير حكومية كونغولية، فرنسا إلى إدانة ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه دعم رواندا لمتمردي حركة «23 مارس». وفي بيان نشرته الصحف الكونغولية، طالبت المنظمات باريس بأن «تدعم الدعوة إلى فرض عقوبات» ضد كيغالي، وإلى «مساعدة جمهورية الكونغو الديمقراطية في تنظيم دفاعها الشرعي». وخرجت مظاهرة (الأربعاء) احتجاجاً على زيارة ماكرون، واحتشد المتظاهرون أمام السفارة الفرنسية في العاصمة كينشاسا.
ويقاتل الجيش الكونغولي عدداً من الجماعات المسلحة المتمردة، على رأسها حركة «23 مارس»، وهي مجموعة تمرّد يهيمن عليها التوتسي الكونغوليون. وتتهم الكونغو الديمقراطية رواندا بدعم الحركة. لكنَّ كيغالي تنفي ذلك، وتتهم كينشاسا في المقابل بالتواطؤ مع «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا»، وهم متمردون من «الهوتو» الروانديين تمركزوا في الكونغو الديمقراطية منذ الإبادة الجماعية للتوتسي عام 1994 في رواندا.
ونهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عزز تقرير أممي اتهامات متكررة موجهة إلى رواندا بلعب «دور رئيسي» في النزاع الدامي بشرق الكونغو الديمقراطية. ورصد التقرير، الذي أعده خبراء مفوّضون من الأمم المتحدة «أدلّة جوهرية» تثبت «التدخّل المباشر لقوات الدفاع الرواندية في أراضي الكونغو الديمقراطية»، فضلاً عن «إمداد المتمردين بأسلحة وذخائر».
وفي أغسطس (آب) الماضي، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة «تولي اهتماماً» لمعلومات «موثوقة» تتعلق بدعم رواندا للمتمردين. وطلب بلينكن من الحركة ومن جميع المجموعات المسلحة نزع سلاحها والانخراط في عملية سلام.
وأطلقت مبادرات دبلوماسية عدّة لم تثمر حتى الآن في إزالة التوتر ووقف القتال الجاري. وخلال قمة استثنائية عقدت الشهر الماضي، دعت دول شرق أفريقيا إلى «الوقف الفوري» للاقتتال. القمة الاستثنائية انعقدت في بوروندي، وشارك فيها قادة بوروندي وكينيا وأوغندا وتنزانيا، بالإضافة إلى رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ونظيره الرواندي بول كاغامي، رغم الخلافات القوية بين الأخيرين. ودعت القمة في بيانها الختامي جميع الأطراف إلى «وقف فوري لإطلاق النار»، كما طلبت من المجموعات المسلحة «الانسحاب فوراً» من شرق الكونغو الديمقراطية. وفي قمة أخرى عقدوها في أديس أبابا، الشهر الماضي، أقرّ قادة دول شرق أفريقيا جدولاً زمنياً جديداً يلحظ «انسحاب كل الفصائل المسلّحة» بحلول الثلاثين من مارس (آذار) الماضي.
ورغم كل تلك المبادرات فلا يزال القتال مستمراً. والأسبوع الماضي رصدت تقارير استيلاء متمرّدي حركة «23 مارس»، على مزيد من القرى في شرق الكونغو.
وتواجه فرنسا تراجعاً لنفوذها التقليدي في أفريقيا تجسد في سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو، بعد مظاهرات شعبية غاضبة حيال سياساتها. وتتهم باريس روسيا بالتعاون مع السلطات العسكرية الحاكمة في البلدين، في تأجيج حملة عدائية استهدفت تشويه سمعتها.
وبدأ الرئيس الفرنسي (الأربعاء) جولة إلى عدد من الدول الأفريقية بدأت بزيارة للغابون ثم الكونغو برازافيل، ويزور ماكرون حالياً جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنها ينطلق إلى أنغولا. وهدفت الجولة إلى عرض استراتيجية فرنسا بشأن القارة للسنوات الأربع المقبلة من أجل «تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الأفريقية»، بحسب ما أفادت الرئاسة الفرنسية. وقال ماكرون (الخميس) إن فرنسا صارت «محاوراً محايداً» في أفريقيا. ودعا خلال كلمة له في العاصمة الغابونية ليبرفيل إلى شراكات جديدة في القارة السمراء، بعيداً عن «العلاقات المبهمة وعن دعم القادة الحاليين».
ويرى صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن فرنسا «لا تستطيع تبني مواقف شبيهة بقوى غربية أخرى في الصراع بين كيغالي وكينشاسا، لأن الدولتين دولتان فرانكفونيتان»، مشيراً إلى أن الإرث الاستعماري الفرنسي في أفريقيا بات يمثل تحدياً كبيراً أمام السياسة الفرنسية.
وقال حليمة لـ«الشرق الأوسط»: «لدى باريس علاقات جيدة وممتدة تاريخياً مع رواندا - كما هي علاقاتها مع الكونغو - في جميع الجوانب اقتصادياً وسياسياً، ولا تريد التضحية بها». ورأى حليمة أن أفضل ما يمكن لفرنسا فعله حيال هذا الصراع هو «محاولة استغلال نفوذها في البلدين بغية التوصل إلى اتفاق سلام وإنهاء النزاع، وبذلك قد يكسب الطرفان».
استياء في الكونغو بسبب موقف فرنسا من متمردي «23 مارس»
منظمات حقوقية أدانت صمت باريس حيال كيغالي
استياء في الكونغو بسبب موقف فرنسا من متمردي «23 مارس»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة