قيادي معارض يتهم رئيس الحكومة المغربية بالتنازل عن صلاحياته الدستورية

قال إن ابن كيران تراجع عن توظيف اسم الملك مباشرة بعد شكوى المعارضة

قيادي معارض يتهم رئيس الحكومة المغربية بالتنازل عن صلاحياته الدستورية
TT

قيادي معارض يتهم رئيس الحكومة المغربية بالتنازل عن صلاحياته الدستورية

قيادي معارض يتهم رئيس الحكومة المغربية بالتنازل عن صلاحياته الدستورية

اتهم إلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي المعارض، عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة، بالتخلي الطوعي عن صلاحياته الدستورية لفائدة الملك، مشيرا خلال لقاء نظمته «مؤسسة الفقيه التطواني للعلم والأدب» مساء أول من أمس بسلا، إلى أن «الوثيقة الدستورية تحدد المهام والمسؤوليات لجميع المتدخلين، لكن ابن كيران يترك المكان فارغا ليتدخل الملك».
وأضاف العماري أن «رئيس الحكومة يقول إنه يمارس صلاحياته الدستورية كاملة، والحقيقة أنه عَاد بنا إلى دستور ما قبل 1996»، مؤكدا أن «الملكية كما تمارس الآن هي نفسها التي كانت تمارس منذ سنين».
وبخصوص تصريح سابق لابن كيران أعلن فيه أنه لن يمارس صلاحياته في تنازع مع الملك، قال العماري إنه يتوجب على رئيس الحكومة أن يقوم بكل الصلاحيات التي يخولها له الدستور، وأضاف موضحا «لو كنت مكانه وأقدمت على فعل شيء وقال لي الملك إن ذلك ليس من حقي، وهو على حق، فإني سأشكره وأعتذر، وإن كان ذلك من حقي سأتناقش معه، أما أن يحجم رئيس الحكومة عن استعمال صلاحياته بداعي أن هناك تقاليد، فهذا غير معقول».
وتطرق العماري إلى خلفيات الرسالة التي وجهتها المعارضة للديوان الملكي بشأن توظيف رئيس الحكومة لاسم الملك في صراعه السياسي مع خصومه، مبرزا أن القصد منها «هو التساؤل حول ما إذا كان ما يروج له رئيس الحكومة، بكون أن الملك هو شريكه في كل ما يحدث»، مؤكدا أنه جرى «تبليغ الشكوى إلى رئيس الحكومة من طرف مستشاري جلالة الملك». كما أبرز العماري أن تحرك المعارضة كان لها مفعول إيجابي على توظيف رئيس الحكومة لاسم الملك، معتبرا أنه «بعد واقعة الرسالة قل فيها استخدام اسم الملك بشكل ملحوظ».
واعتبر العماري أن النقاش حول طقوس البيعة، التي تجري مراسمها بمناسبة عيد الجلوس السادس عشر «خاطئ ويريدون به إلهاء المغاربة»، مضيفا أن مشكلة المغرب لا تكمن في طقوس البيعة، مشيرا إلى أن هذه الطقوس موجودة في دول أخرى مثل اليابان، إلا أن الحديث فيها عن هذه الطقوس متجاوز، لأن هذه البلدان تعرف تطورا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
وأضاف العماري «أنا شخصيا لا يجري استدعائي للاحتفال الرسمي بعيد العرش، وحينما كنت أحضر هذه الاحتفالات لم يفرض علي أن أمارس أي طقوس، بل كنت أسلم على الملك بطريقتي»، مضيفا أنه لا يمكن أن يقبل بأن يفرض عليه شيء ما بما فيه طريقة السلام، ولا يمكن أن يمارس شيئا لإرضاء شخص ما.
وأعلن العماري أنه لم يسبق له أن قال كلاما غير لائق في حق رئيس الحكومة عندما كان يسافر إلى الخارج: «لأنني إن فعلت ذلك سأهين نفسي وبلدي قبل أن أهين الحكومة»، مضيفا أنّه «ينتفض إذا تحدّث أحد عن الحكومة المغربية بسوء خارج المملكة».
كما استبعد العماري سيناريو تحالف حزبه مع غريمه السياسي حزب العدالة والتنمية متزعم التحالف الحكومي، ذي المرجعية الإسلامية خلال الانتخابات البلدية المقبلة، المزمع إجراؤها في 4 سبتمبر (أيلول) المقبل، وقال في هذا الشأن «نحن واضحون في تحالفاتنا، إيديولوجيا وسياسيا وأخلاقيا، ولا يمكن أن نبرّرها بالمصلحة العليا كما يفعل بعض الفاعلين».
ورفض القيادي البارز في المعارضة الكشف عن اعتزامه الترشح للانتخابات البلدية مكتفيا بالقول: «سأتحدّث عن الموضوع في مناسبة قادمة». وأعلن أن نسبة تغطية حزبه للمقاعد البلدية، التي تبلغ 27 ألف مقعد، بلغت حتى حدود مساء أول من أمس 69 في المائة من مجموع الدوائر، معربا أن حزبه يعمل على تغطية كل الدوائر الانتخابية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.