هجوم بريانسك... معطيات متضاربة واستعدادات روسية لـ«رد حاسم»

موسكو تطلق استراتيجية جديدة للردع النووي

حاكم دونيتسك دنيس بوشلين المعين من قبل موسكو يخاطب سكاناً نقلوا من باخموت (رويترز)
حاكم دونيتسك دنيس بوشلين المعين من قبل موسكو يخاطب سكاناً نقلوا من باخموت (رويترز)
TT

هجوم بريانسك... معطيات متضاربة واستعدادات روسية لـ«رد حاسم»

حاكم دونيتسك دنيس بوشلين المعين من قبل موسكو يخاطب سكاناً نقلوا من باخموت (رويترز)
حاكم دونيتسك دنيس بوشلين المعين من قبل موسكو يخاطب سكاناً نقلوا من باخموت (رويترز)

سيطر الغموض طوال ساعات نهار الخميس، على تطورات الوضع في مقاطعة بريانسك الروسية المحاذية للحدود مع أوكرانيا. وسط تضارب المعطيات التي قدمتها الأجهزة الروسية والأوكرانية حول هجوم شنه عشرات المسلحين في بلدة ليوبتشاني، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة طفل، واحتجاز عدد من الرهائن في متجر. وأعلنت موسكو أن البلدة تعرضت لهجوم «إرهابي» من جانب القوات الأوكرانية، فيما رجحت كييف أن تكون العملية من تنفيذ الأجهزة الخاصة الروسية أو مجموعات معارضة لسياسات الكرملين.
ومنذ صباح الخميس، غدت المعلومات عن «توغل وحدات من الكوماندوس الأوكراني» إلى البلدة الحدودية وإطلاق النار على سيارة متحركة قبل أن يقوم أفرادها باحتجاز رهائن، التطور الأبرز في التطورات الميدانية الجارية. ولم يسبق خلال عام من العمليات القتالية داخل أوكرانيا أن أرسلت كييف وحدات لتقاتل داخل الأراضي الروسية؛ فضلاً عن تباين المعلومات حول حجم المجموعة بين معطيات تحدثت عن 100 مقاتل، وأخرى أشارت إلى 50 مسلحاً.
وزاد من الغموض حول الحادث غياب أي معلومات خلال ساعات النهار عن طبيعة تطورات الوضع في المنطقة التي شهدت الحادثة، ومع التأكيد على احتجاز رهائن لم تنشر الأجهزة الروسية صوراً أو تفاصيل للمنطقة، كما لم تتحدث عن آليات التعامل مع المجموعة «التخريبية»، وباستثناء بيان مقتضب حول أن «القوات الخاصة تتعامل مع المخربين» لم تظهر تفاصيل توضح ما إذا كان هذا التعامل يعني وقوع اشتباكات مسلحة أم مفاوضات لإطلاق الرهائن.
اللافت أكثر في الموضوع، هو اختيار موقع الهجوم، على الشريط الحدودي الشمالي لأوكرانيا في موقع قريب من الحدود البيلاروسية (نحو 50 كيلومتراً)، ويقع على بعد أقل من 400 كيلومتر شمال العاصمة الأوكرانية كييف. أي أن المهاجمين فضلوا الابتعاد عن طول خطوط المواجهات الدائرة بشكل نشط في مناطق الجنوب، والاتجاه شمالاً نحو منطقة لا توجد فيها اشتباكات. وأفادت هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي الروسي، في بيان، بأن وحداتها، بالتعاون مع قوات الجيش، «تحاول تصفية مجموعة مسلحة من القوميين الأوكرانيين» عبرت الحدود. وقال ألكسندر بوجوماز، حاكم بريانسك، إن الأوكرانيين أطلقوا النار وقتلوا شخصاً. وقالت السلطات الروسية، نقلاً عن مكتب حاكم منطقة بريانسك، إن قوات الأمن الروسية انتشرت في بلدتي سوشاني وليوبتشاني في منطقة بريانسك، دون الإعلان عن تفاصيل دقيقة عن عدد المجموعات الأوكرانية المسلحة التي اخترقت المنطقة، ولا عن عدد الرهائن.
وفي وقت لاحق، أفادت السلطات وخدمة الطوارئ في منطقة بريانسك بأنه تم احتجاز ما يصل إلى 6 أشخاص كرهائن من قبل مسلحين أوكرانيين في متجر بقرية ليوبتشاني.
وفي أعقاب هذه التطورات عقد مجلس الأمن الروسي اجتماعاً طارئاً، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ لبحث كيفية التعامل مع تسلل «مخربين أوكرانيين» إلى بريانسك، وقال بوتين خلال الاجتماع إن المنطقة واجهت «هجوماً إرهابياً»، وزاد: إن المهاجمين «فتحوا النار على مدنيين روس»، وتعهد بأن الجيش الروسي «سيحمي المدنيين من النازيين الجدد والإرهابيين الذين طالما عذبوا وقتلوا الناس من قبل في دونباس». وفتحت هذه العبارة على توقع اتخاذ روسيا تدابير لما وصف بأنه «رد حاسم» على الهجوم. وهو أمر سيطر على تعليقات وسائل الإعلام الروسية خلال الساعات التي أعقبت الإعلان عن الهجوم.
وكان المتحدث باسم الكرملين أشار إلى أن بوتين تلقى منذ الصباح تقارير مستمرة من وكالات إنفاذ القانون عن هجوم المسلحين الأوكرانيين، وأنه سيتم اتخاذ إجراءات سريعة لتدمير «الإرهاب الأوكراني» هناك. ونقت وكالة «نوفوستي» عن الكرملين أن بوتين ألغى زيارته المجدولة، أمس، إلى إقليم ستافروبول بسبب الوضع في بريانسك.
من جهته، قال مستشار كبير للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن التقارير عن هجوم تخريبي شنته القوات الأوكرانية في منطقة بريانسك الروسية «استفزاز متعمد». وكتب ميخايلو بودولياك على «تويتر»: «القصة حول وجود مجموعة تخريب أوكرانية في روسيا الاتحادية هي أسلوب معروف للاستفزاز المتعمد». وتابع: «روسيا تريد تخويف شعبها لتبرير الهجوم على دولة أخرى وتزايد الفقر بعد عام من الحرب». كما قالت المخابرات الأوكرانية إن منفذي الهجوم في بريانسك معارضون من الداخل لبوتين.
على صعيد متصل، تعرضت منطقة كليموفسكي لهجوم من قبل القوات المسلحة الأوكرانية باستخدام مسيرة أوكرانية، وفق ما أفاد به حاكم المنطقة، «نتيجة إسقاط المسيرة الأوكرانية، اشتعلت النيران في مبنى سكني في قرية سوشاني».
كما استهدفت القوات الأوكرانية منطقة روسية حدودية أخرى في كورسك. وأفاد حاكم منطقة كورسك رومان ستاروفويت، بقصف القوات المسلحة الأوكرانية قرية تتكينو بمنطقة كورسك، حيث أسفر عن وقوع ضحايا، «قرية تيتكينو، مقاطعة غلوشوفسكي، تحت نيران القوات المسلحة الأوكرانية، هناك ضحايا».
على صعيد آخر، أعلن مندوب روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف أن موسكو تدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى توخي اليقظة بشأن معلومات حول تخزين كييف للأسلحة بالمحطات النووية. وقال أوليانوف في حديث لوكالة أنباء «تاس»: «من الطبيعي أننا لا نزال على اتصال مع قيادة سكرتارية الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الشأن، وندعوها إلى توخي اليقظة. لا سيما أنه توجد للوكالة بعد نشر موظفيها مؤخراً في جميع المحطات النووية الأوكرانية» إمكانيات للمتابعة الفعالة.
وكانت الاستخبارات الروسية أشارت قبل شهر إلى معطيات بحوزتها حول قيام القوات المسلحة الأوكرانية بتخزين الذخائر التي تقدمها لها الدول الغربية، بما في ذلك صواريخ «هيمارس» في المحطات النووية. وأعلنت التحذيرات الروسية الجديدة الجدل حول مخاطر اندلاع مواجهة قد تستخدم فيها أسلحة غير تقليدية. واللافت أن وسائل إعلام حكومية روسية نقلت، الخميس، تفاصيل تقرير موسع أعدته مجلة (فاينوي ميسيل) «الفكر العسكري» التابعة لوزارة الدفاع، أكد أن موسكو تطور استراتيجية عسكرية من نوع جديد؛ تستخدم الأسلحة النووية لحماية البلاد من عدوان أميركي محتمل.
ويعد المقال هو الأحدث في سلسلة تصريحات مماثلة أدلى بها ساسة ومعلقون روس منذ بدء العمليات القتالية في فبراير (شباط) من العام الماضي. وقالت وسائل الإعلام الروسية إن التقرير المنشور خلص إلى أن واشنطن قلقة من فقدان هيمنتها على العالم، ولذلك أعدت «على ما يبدو» خططاً لضرب روسيا لتحييدها. وأضافت أنه «رداً على ذلك يعكف الخبراء الروس بنشاط على تطوير شكل واعد من الاستخدام الاستراتيجي للقوات المسلحة الروسية؛ عملية لقوات الردع الاستراتيجي». وتابعت أن هذا «يقتضي استخدام الأسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية الحديثة، والأسلحة النووية وغير النووية، مع الأخذ في الحسبان أحدث التقنيات العسكرية». وأشار التقرير إلى أن خطوات موسكو تهدف لاستباق أي خطوة أميركية، ولكي تبين للولايات المتحدة أنها لا تستطيع شل نظام الصواريخ النووية الروسي، وأنها لن تكون قادرة على صد ضربة انتقامية.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أمس الخميس، إن موسكو اضطرت إلى تعليق مشاركتها في معاهدة «نيو ستارت» للحد من الأسلحة النووية؛ لأن واشنطن تستخدمها لمساعدة أوكرانيا في مهاجمة المواقع الاستراتيجية الروسية. وفي حديثه في مؤتمر الأمم المتحدة حول نزع السلاح في جنيف، قال ريابكوف إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يريدون رؤية روسيا مهزومة «استراتيجياً» في أوكرانيا. وقال ريابكوف: «تدهور الوضع أكثر بعد محاولات الولايات المتحدة تقييم مدى أمن المنشآت الاستراتيجية الروسية المنصوص عليها في معاهدة (نيو ستارت) من خلال مساعدة نظام كييف في شن هجمات مسلحة عليها». وتابع: «في ظل هذه الظروف اضطررنا إلى إعلان تعليق المعاهدة».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: بوتين «خائف» من التحدث معي حول إنهاء الحرب

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن استعداده للمفاوضات بشرط توفير ضمانات أمنية (أ.ف.ب)

زيلينسكي: بوتين «خائف» من التحدث معي حول إنهاء الحرب

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الخميس إنه يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «خائف» من التحدث معه حول إنهاء الحرب بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا قاذفة صواريخ روسية في كورسك (أ.ب) play-circle

كييف تعلن أسر 909 جنود روس خلال عمليات في كورسك

قالت أوكرانيا، اليوم الخميس، إنها أسرت أكثر من 900 جندي روسي خلال ستة أشهر من القتال في منطقة كورسك في غرب روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا طائرة ميراج 2000-5F تغادر قاعدة جوية في شرق فرنسا 13 مارس 2022 (أ.ف.ب) play-circle 00:53

فرنسا تعلن تسليم أوكرانيا أولى طائرات «ميراج 2000»

أعلن وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الخميس، أن بلاده سلمت أوكرانيا أولى طائرات «ميراج 2000-5» المقاتلة لمساعدتها في الدفاع عن مجالها الجوي ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا امرأة تتفاعل مع وصول أحد أسرى الحرب الأوكرانيين بعد تبادل للأسرى مع روسيا في مكان غير معلن بأوكرانيا في 5 فبراير 2025 (إ.ب.أ)

تبادل 300 أسير حرب بين روسيا وأوكرانيا

أعلنت موسكو الأربعاء أنّها تبادلت مع كييف 150 أسير حرب من العسكريين الأوكرانيين مقابل عدد مماثل من العسكريين الروس.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث مع المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في آستانة 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تنتقد اقتراح زيلينسكي بحصول أوكرانيا على أسلحة نووية

رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، اليوم (الأربعاء)، اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه يتعين على أوكرانيا أن تمتلك أسلحة نووية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

مسؤولة بالأمم المتحدة تنتقد انسحاب إسرائيل من مجلس حقوق الإنسان

 المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي (إ. ب. أ)
المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي (إ. ب. أ)
TT

مسؤولة بالأمم المتحدة تنتقد انسحاب إسرائيل من مجلس حقوق الإنسان

 المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي (إ. ب. أ)
المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي (إ. ب. أ)

قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي، اليوم (الخميس)، إن قرار إسرائيل الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة «خطير للغاية».

ووفقا لـ«رويترز»، أضافت أن هذا القرار «يظهر الغطرسة وعدم إدراك ما يفعلونه. يصرون على صحة ما يفعلونه تماماً، وعلى أنهم لا يتحملون أي مسؤولية عن أي شيء، ويثبتون ذلك للمجتمع الدولي بأسره».

يُذكَر أن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، قال إن إسرائيل أخطرت المجلس بأنها ستسير على نهج الولايات المتحدة وستنسحب منه، مضيفاً: «توصلنا للقرار في ضوء الانحياز المؤسسي الحالي، والمتواصل ضد إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان المستمر منذ نشأته في 2006».