أقرت السعودية يوماً للعَلَم، وحدّد أمر ملكي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز «يوماً للعلم» يوافق 11 مارس (آذار) من كل عام، وذلك اعتزازاً بالعلم وأهميته ودوره الكبير في هوية الدولة ورمزيتها، علماً أن الملك عبد العزيز حدد شكل العلم، وذلك في يوم 11 مارس عام 1937، ليؤكد على دلالاته العظيمة التي تشير إلى النماء والعطاء والرخاء.
وفي رصده لتاريخ الراية السعودية وتطورها، أوضح الباحث والمؤرخ الراحل عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، في كتابه «تاريخ الراية السعودية ـ أعلام وأوسمة وشارات وطنية» مفهوم ومعنى العلم في اللغة، مشيراً إلى أن للعلم مرادفات في قواميس اللغة مثل (اللواء) و(البند) و(البيرق) و(الدرفس) و(العقاب) و(النصب) وكلها يقصد بها: قطعة من القماش الملون تعقد على قائم. وتدل القطعة من القماش على رموز وإشارات لشيء ذي قيمة كبيرة ومعنى خاص، ولهذه القيمة الرمزية الكبيرة يحملها الجند في طليعة الجيش وفي الاستعراضات، كما ترفع على الدور الحكومية في الأعياد والمناسبات.
واختارت المملكة العربية السعودية اللون الأخضر تتوسطه شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتحتها سيف مسلول، وهو علم متوارث ثابت منذ الدولة السعودية الأولى، وأشار الرويشد إلى أن علم السعودية متوارث مرت به تطورات إلى أن استقر إطار العلم على النحو الذي هو عليه في أواخر عهد الملك عبد العزيز (رحمه الله) واستمر حتى اليوم، موضحاً أنه لم يعثر على أثر مكتوب ـ في التاريخ المحلي ـ أو نص مسجل عن تاريخ العلم السعودي في الدولة السعودية الأولى، ولا على أبعاده وقياساته... لكن الباحث لجأ إلى كثير من أهل الثقة الذين يمكن الاعتماد على أقوالهم في هذا الأمر، ومنهم الأمير (مساعد بن عبد الرحمن) والشيخ (محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ) والشيخ (محمد بن صالح بن عبد العزيز آل الشيخ) و(محمد بن عبد الرحمن بن عبيكان) و(عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ) و(عبد الله بن محمد عبيكان آل عمران) ومعظم هؤلاء من المعمرين الذين عاصروا جيلاً أدرك بالمشاهدة رؤية علم الدولة السعودية الأولى.
وقد اتفقوا جميعاً على أن الراية السعودية كانت خضراء مشغولة من الخز والإبريسم، وقد كتبت عليها عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكانت معقودة على سارية بسيطة، وقد استمرت هكذا في عهود المؤسس الأول الإمام (محمد بن سعود) وابنه الإمام عبد العزيز بن محمد، وابنه الإمام سعود بن عبد العزيز المعروف بـ(سعود الكبير) وابنه عبد الله بن سعود، الأمر الذي أيده ما ورد من كلمات مسجوعة تدل على هذا للمؤرخ (حسين بن غنام) وليس ذلك بمستبعد، بل ربما يكون أمراً مستفيضاً إلى درجة اليقين، سيما أن ذلك هو شكل الرايات والبيارق في العهد الإسلامي على مر العصور.
ومع تصاعد الصراع البريطاني الفرنسي جاء (دومنغو باديا ليبيلخ) الذي تظاهر بالإسلام وتخفى تحت اسم (الحاج علي العباسي) ليعمل لحساب نامليار الثالث، وليسبر غور الحركة الإصلاحية في نجد فوصل ذلك العميل إلى مكة في شهر يناير (كانون الثاني) 1807م وأتيح لهذا الجاسوس حينها فرصة رؤية دخول جيش الإمام سعود إلى مكة المكرمة، فسجل (دومنغو) أو (علي بك العباسي كما كان يسمى) دخول 45 ألفاً من أتباع سعود، وهم في ثياب الإحرام، وشاهد الشريف وجنده يختفون في قلاعهم، كما شاهد جيش سعود وأتباعه يزحفون داخل مكة ليؤدوا المناسك، يتقدمهم علم أخضر طرزت عليه بحروف كبيرة بيضاء عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وقد ذكر (جون لويس بوركهارت) في ملاحظاته حول البدو الوهابيين التي دونها خلال رحلاته في الشرق، عندما تحدث عن الشؤون العسكرية للإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، وسلطته الراسخة في الجزيرة العربية وغزواته، أن لدى كل شيخ أو أمير من أمرائه راية خاصة، وأن (سعود) يمتلك عدداً من الرايات المختلفة، ووصف خيامه بأنها ذات جمال فائق، صنعت في دمشق أو بغداد، وأنها من اللون الأسود الشائع عند العرب.
وتجدر الإشارة إلى أن أول راية في العصر السعودي الأول قد رفعت عام 1157هـ (1744م) ضد كل من عادى أهل التوحيد أو سبهم، كما أن أول جيش بعث عقدت له الراية لهذه المهمة كان يتألف من عدد قليل من الرجال يحملون عدداً قليلاً من العدة والعتاد والرواحل. ومما قيل أيضاً إن أول حاكم للدرعية من آل سعود استمر حكمه أربعين سنة، وكان يعقد الراية لأحد أبنائه أو يتولاها هو بنفسه. وذكر ابن بشر في تاريخه أن الإمام عبد العزيز بن محمد الحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى، وابنه الإمام سعود كانا يبعثان رسلهما إلى رؤساء القبائل، ويحددان لهم يوماً ومكاناً معلوماً على ماء معين، وتتقدمهما الراية، فتنصب على ذلك المورد، فلا يتخلف أحد من رؤساء القبائل.
وعندما عرض ابن بشر سيرة الإمام تركي بن عبد الله جد الأسرة المالكة حالياً (الجد الخامس لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله) ومؤسس الدولة السعودية الثانية، قال: كان إذا أراد الغزو يكتب إلى أمراء البلدان ورؤساء القبائل يحدد لهم الخروج في يوم معين وموقع معلوم ثم يخرج آلاته الحربية ومعدات الجيش وأعلاف الخيول قبل مسيره بـ15 يوماً، ثم يخرج الراية فتنصب قريباً من باب القصر قبل خروجه بيوم أو يومين أو ثلاثة، وكان الإمام تركي يأمر بحمل الراية فحذا ابنه فيصل حذوه في نظام إخراج الراية وتقديمها أمامه أو نصبها أمام القصر.
من جانبه، ذكر الإعلامي والباحث التاريخي عدنان الطريف أن الملك عبد العزيز استخدم في بدايات مرحلة التأسيس للدولة السعودية الثالثة ذات العلم أو الراية المستخدَمة في الدولتين السعودية الأولى والثانية، حيث وجه الملك المؤسس في 1902 بإدخال تغييرات على العلم.