يعد الملا محمد عمر، زعيم حركة طالبان، أحد أبرز المطلوبين من طرف الحكومة الأميركية وأكثرهم تخفيًا. وقاد الملا عمر أول حكومة فعلية للإمارة الإسلامية في أفغانستان عام 1996 وكثّف نفوذها في مختلف أنحاء البلاد، قبل أن يختفي عن الأنظار عام 2001 بعد انطلاق الحرب الأميركية. ويعتبر حليف أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، القائد الآيديولوجي لحركة طالبان ورمزًا موحّدًا لمختلف فصائل الحركة. فمن هو الملا محمد عمر؟ وما هي انتماءاته الدينية وولاءاته السياسية والقبلية؟
المولد والنشأة
الملا محمد عمر الملقب بـ«المجاهد» هو بن المولوي غلام نبي بن المولوي محمد رسول بن المولوي باز محمد، وُلد عام 1960 في أسرة باشتونية من قریة «تشاه همت» التي تقع بمدیریة «خاكریز» بولاية قندهار عاصمة الجنوب الأفغاني.
بعد عامین فقط من مولد الملا محمد عمر، رحلت أسرته من مدیریة «خاكریز» إلی قریة «نودي» في مدیریة «دند». اشتغل والده مدرّسا بین أهل تلك المنطقة إلی أن توفّي 1965، ودُفن بمقبرة طالبان القدیمة الشهیرة في مدینة «قندهار». بعد وفاة والده، انتقلت أسرة الملا محمد عمر من مدیریة «دند» في قندهار إلی مدیریة «دهراود» في ولایة أرزجان جنوب أفغانستان، وهناك بدأ المرحلة الأولی من حیاته تحت رعایة عمه.
الدراسة
في العام الثامن من عمره، دخل الملا محمد عمر المدرسة الابتدائیة الدینیة في منطقة «شهركهنه» الواقعة في مدیریة دهراود التي كان یشرف علیها عمّه المولوي محمد جمعة. وكان لكل من عمّیه، خصوصًا للمولوي محمد أنور، دور هام في تعلیمه ونشأته.
أنهی الملا محمد عمر دراسته في مرحلتي الابتدائیة والمتوسطة بنجاح، والتحق بدراسة العلوم الشرعیة العلیا وفق المنهج الرائج في تلك المنطقة مباشرة بعد بلوغه سن 18. واضطر إلى الانقطاع عن الدراسة عام 1978 بسبب الانقلاب الشیوعي ووصول الشیوعیین إلی سدّة الحكم في أفغانستان بدعم من الاتحاد السوفياتي السابق.
العائلة
من ناحیة الانتماء القبلي، يعد الملا محمد عمر فردًا من قبیلة «هوتك» البشتونیة، وهي أحد الفرعین الرئیسیین للبشتون. وحكمت شخصيات بارزة من هذه القبيلة أفغانستان في تاریخها المعاصر. ولعل أبرزهم الحاج میرویس خان الذي یلقبه الأفغان احترامًا له بلقب «بابا» وهو یعني الجدّ والزعیم الكبیر، حيث إنه حرّر أفغانستان من الحكم الصفوي عام 1712، وأسّس حكومة مستقلّة.
مشاركته في الحرب الأفغانية السوفياتية
كان الملا محمد عمر في العشرینات من عمره حین سیطر الشیوعیون علی الحكم عن طریق الانقلاب العسكري، مما أجبر الملا وغيره من طلبة العلوم الشرعية على إيقاف دراستهم. إثر ذلك، قرر الملا محمد عمر ترك الدراسة الشرعیة والالتحاق بالجبهة ضد الروس، انطلاقًا من منطقة «دهراود» في ولایة أرزجان بين صفوف جبهات «حركة الانقلاب الإسلامي» بزعامة المولوي محمد نبي محمدي.
وعُيّن الملا محمد عمر قائدًا عامًا للمعركة الموحدة للجبهات الموجودة في المنطقة ضد القوات السوفياتية من قِبَل مختلف «جبهات المجاهدین». فقام بعملیات موفّقة ضدّ قوات الاحتلال، وأصيب إصابته الأولی في تلك المعركة. واستمر منذ ذلك في خوض معارك كثیرة ضدّ الروس والشیوعیین إلی جوار بقية «المجاهدین» في تلك المنطقة.
وتقول قيادات طالبانية سباقة بأن السلاح المفضّل عند الملا محمد عمر كان سلاح «آر بي جي» (R.P.G)، حيث كانت له مهارة خاصة في استعماله.
ويذكر أن الملا عمر أصيب بجروح بليغة أربع مرات خلال مواجهاته ضدّ الروس والشیوعیین، وكانت أسوأها فقدانه عینه الیمنى في إحدى آخر المعارك. كما كان الملا معروفًا قائدًا بارزًا علی مستوی قندهار والولایات المجاورة، بفضل الدور القوي والمؤثر الذي لعبه في كثیر من العملیات في تلك الفترة.
وفي عام 1991 وبعدما سقطت حكومة نجیب الله، آخر الرؤساء الشيوعيين، وبدأت بعدها الحرب الأهلیة بين مختلف الفصائل، قرر الملا وقف عمله العسكري وفتح مدرسة دینیة في مدیریة «میوند» بولایة قندهار، كما استكمل دراسته الدینیة مع عدد من علماء قندهار بعد أربع عشرة سنة من الحرب ضد الاتحاد السوفياتي.
خلال هذه الفترة بالذات، اشتدت المعارك بين الفصائل المتنافسة على كرسي الرئاسة في كابل وتحول الصراع إلى صراع عرقي ومذهبي.
الملا عمر والإمارة الإسلامية
بعد أن تفشى الفساد والظلم وكثّفت الجماعات المسلحة من أنشطة قطع الطرق وعمّت الفوضى في جميع أرجاء أفغانستان، خاصة في ولاية قندهار، شكل الملا عمر برفقة عدد من علماء الولاية ومناطق مجاورة لها أول مجلس للشوری، حيث طلب من الملا قيادة انتفاضة ضدّ الفساد. ومن هذا المجلس، وضع الملا لبنة الأساس لحركة طالبان الإسلامیة التي تحولت فيما بعد إلى إمارة أفغانستان الإسلامية، في شهر يونيو (حزيران) 1994.
واستقبل سكان قندهار هذه الخطوة في بدايتها واعتبروها مبادرة ستوحد أفغانستان وتحارب المفسدين وتحاكمهم. ومن تم بدأت معركة طالبان للسيطرة على جميع الأراضي الأفغانية.
وبعد أن بسطت الحركة سيطرتها علی مناطق كثیرة في البلاد، اجتمع نحو 1500 عالم لتأیید إمارة الملا محمد عمر، مقلّد المذهب الحنفي، في اجتماع عُقِدَ في شهر أبريل (نيسان) 1996 في مدینة قندهار ولقبّوه بـ«أمیر المؤمنین». واستمرّت الإمارة الإسلامیة في بسط سيطرتها علی عاصمة أفغانستان وأحكمت قبضتها علی 90 في المائة من ساحات البلد بما فیها الولایات المركزیة والشمالیة.
وبينما اختفى الملا عمر عن الأنظار بعد الحرب الأميركية على أفغانستان، حددت الولايات المتحدة جائزة نقدية تقدر بعشرة ملايين دولار لمن يكشف عن مكان وجود زعيم طالبان الذي ظل هاربًا لأكثر من ثلاثة عشر عامًا منذ أن تم الإطاحة بنظامه في كابل. وظل الملا يصدر بيانات بكل المناسبات ويحرض مقاتليه على الصمود والقتال حتى رحيل الاحتلال الأجنبي من البلاد.