أسبوع ميلانو لخريف 2023 وشتاء 2024... قوّته في بساطته

تعافي قطاع الموضة في إيطاليا ينعكس على تصاميم تلعب على الفخامة الهادئة

من عرض «فندي»... لمسات هادئة لم تختفِ بها اللوغوهات (خاص)
من عرض «فندي»... لمسات هادئة لم تختفِ بها اللوغوهات (خاص)
TT

أسبوع ميلانو لخريف 2023 وشتاء 2024... قوّته في بساطته

من عرض «فندي»... لمسات هادئة لم تختفِ بها اللوغوهات (خاص)
من عرض «فندي»... لمسات هادئة لم تختفِ بها اللوغوهات (خاص)

«المعنى الحقيقي لما نقوم به هو إبراز أهمية الحياة اليومية بكل بساطتها واهتمامها بالغير»، هذا ما قالته ميوتشا برادا في البيان الصحافي التي تم توزيعه على الضيوف ووسائل الإعلام. ميوتشا لم تكن الوحيدة التي عبَّرت عن حنينها للحياة البسيطة كما كانت، سواء بتكافلها الاجتماعي الذي يتجسد في رعاية بعضنا لبعض، أو بالابتعاد عن الأزياء المعقدة. فالحياة لا تحتاج إلى المزيد من التعقيدات. ويبدو أن الكثير من المصممين يفكرون بنفس الطريقة بدليل أن معظم ما تم عرضه خلال أسبوع ميلانو لخريف 2023 وشتاء 2024 لعب على هذه النغمة بشكل أو بآخر. بساطة التصاميم التي تميز بها معظم العروض قد يُفسِرها البعض بأنها تجارية محضة، لكن التفاصيل التي كانت تتراقص بين طياتها وثنياتها فضلاً عن زخرفاتها كانت تقول عكس ذلك تماماً. الواقع أيضاً يُعزز الرأي الأخير. فرغم أن إيطاليا عانت أكثر من غيرها خلال جائحة «كورونا» فإن قطاع الموضة فيها نجح في التعافي بسرعة أكبر من باقي العواصم العالمية.

من عرض «سبورتماكس» (خاص)

من عرض «فندي» (خاص)

من عرض «برادا» (رويترز)

من عرض «موسكينو»   (رويترز)

تعافي بيوت الأزياء الإيطالية ظهرت بوادره في عام 2021 بزيادة حجم المبيعات بنسبة 21.2 في المائة مقارنةً بالمستويات المنخفضة جداً في ذروة أزمة الجائحة. الآن يتنفَّس هذا القطاع الصعداء أكثر من ذي قبل. الإشارات بانخفاض أسعار الغاز وتراجع التضخم يقابلها ارتفاع في إيرادات المجموعات العملاقة مالكة البيوت المهمة مثل مجموعة «إل في إم إتش» التي تضم «فِندي» و«بولغاري» و«لورو بيانا»، ومجموعة «كيرينغ» التي تضم «غوتشي» و«بالنسياغا» و«بوتيغا فينيتا» وغيرهما. الأولى حققت مبيعات بقيمة 79.2 مليار يورو، في عام 2022، وبلغ دخلها التشغيلي 21.1 مليار يورو، أي بارتفاع 23 في المائة لكلا الرقمين، بينما ارتفعت أرباح «كيرينغ» الصافية إلى 3.6 مليارات يورو، أي بزيادة 14 في المائة، رغم تراجع أداء علامتها التجارية «غوتشي» بنسبة 11 في المائة خلال الربع الرابع من عام 2022. ما خسرته في «غوتشي» عوَّضته في «بوتيغا فينيتا». إيرادات هذه الأخيرة ارتفعت بنسبة 16 في المائة عام 2022.

لم تتخلَّ دار «ماكسمارا» عن ألوانها وأضافت إليها ألواناً جديدة (خاص)

هذا التفاؤل بغدٍ أفضل شمل أغلب عروض الأزياء البالغ عددها نحو 59. من «فِندي» و«روبرتو كافالي» و«تودز» و«بوتيغا فينيتا» و«إيترو»، إلى «برادا» و«جيني» و«غوتشي» و«ماكسمارا»، وهلم جرا. لم تكن الأجواء هي الوحيدة التي تضج بهذا الإحساس، فقاعات العروض كانت عبارة عن مهرجان من الألوان الفاتحة مثل الأصفر والأحمر والأخضر والتصاميم التي قد تخلو من أي تعقيدات أو مبالغات فنية إلا أنها تضجُّ بالأناقة والحرفية التي تفخر بهما إيطاليا. وليس أدل على هذا من تشكيلة «برادا» التي أبدعت فيها المصممة ميوتشا وراف سيمونز تشكيلة تتنفس أسلوباً يمكن القول إنه جديد على الدار، بخطوطه الأنثوية وتفاصيله التي تبدو بعيدة بعض الشيء عن الحداثي الذي عوّدتنا عليه في تشكيلاتها السابقة.

من عرض «سبورتماكس» (خاص)

دار «فندي» قدمت بدورها تشكيلة كل ما فيها يرقص على السهل الممتنع، فهي بسيطة، إلا أن كل ما فيها ينبض بالأنوثة والديناميكية. بألوان هادئة تتباين بين الأزرق السماوي وحلاوة الشوكولاته، أرادها مصممها كيم جونز أن تخاطب كل الشرائح، وتُعبر عن الواقع الحالي بكل تناقضاته وازدواجيته. مرة أخرى لم يبخل عليها بـ«لوغو» الدار، بعد أن أثبت أنه وسيلة سهلة للتسويق. كيم جونز الذي التحق بدار «فندي» منذ عامين يُبرهن في كل تشكيلة على أن فهمه لشخصية الدار يزيد ويتطور. أسلوبه يختلف عن أسلوب سلفه، الراحل كارل لاغرفيلد، من ناحية أنه أكثر هدوءاً ترجم فيه أناقة الدار الرومانية بلغة أكثر بساطة بحيث تدخل القلب بسهولة.


من عرض «تودز» (خاص)

قال إنه استلهم هذه التشكيلة من أرشيف الدار الغني ومن مصممة المجوهرات ديلفينا ديليتريز فندي «من تلك الأناقة التي يميزها الخروج عن المألوف»، حسب قوله. من هذا المنظور استكشف الكلاسيكية وفكَّكها ليخلق مجموعة تتلاعب على التناقضات. التفصيل الذكوري تزاوج بالنعومة الأنثوية، مثلاً، واللامبالاة والانطلاق بسحر الأناقة المحسوبة، بينما جاءت الفخامة في بعض الإطلالات مطبوعة بلمسة بانك خفيفة. كل هذا من خلال أقمشة مثل الدانتيل أو فساتين بقصات جامحة تارة وبثنيات تكشف عن بطانة من الترتر تارة أخرى.
دار «ماكسمارا» أيضاً لعبت على المضمون بأسلوبها الخاص. لم تتخلَّ عن لونها الجملي بكل درجاته. حافظت عليه وأضافت إليه ألواناً جديدة مثل الوردي المائل للأرجواني، والأخضر الغامق، لتواكب موجة التفاؤل الطاغية على الأسبوع. تشرح الدار أن تشكيلتها نتاج رحلة عبر الزمن إلى القرن الثامن عشر. بطلتها هي إيميلي دو شاتليه، ماركيزة وفيلسوفة صاحبة فكر متنوِّر كان لها دور كبير في التشجيع على تعليم المرأة والتمرد على الفكر الذكوري. وصف زوجها الشاعر فولتير علاقتهما بأنها كانت أكثر من مجرد توافق فكري، قائلاً عنها إنها «رجل عظيم ذنبه الوحيد أنه وُلد كامرأة». أما كيف ترجمت «ماكسمارا» أفكار إيميلي وحياتها وأفكارها في هذه التصاميم، فمن خلال فساتين ذات ثنيات ضخمة وجيوب كبيرة وبنطلونات بتصميم رجالي، وزخرفات استعملت فيها شعر الخيول وعظام الحيتان والريش. ولأن القرن الثامن عشر كان مطبوعاً بالفخامة والأناقة المتناهية، كان لا بد من لمسة ترف تمثلت في إدخال أقمشة الديباج المزركشة، لتأتي التشكيلة مزيجاً بين الكلاسيكي والشاعري، لكن دائماً بأسلوب عملي يعكس عزوف إيميلي عن كل ما يمكن أن يُقيد حريتها وحركتها.
دار «سبورتسماكس» الأخت الصغرى لـ«ماكسمارا» قدمت تشكيلة أطلقت عليها عنوان «عاري». عنوان صادم للوهلة الأولى لأنه لا يتماشى مع مفهوم الموضة على الإطلاق. لكن يتبين أن العاري هنا هو العودة إلى الأصل والغريزة الفطرية. وكما قالت الدار فإن التشكيلة «دعوة للعودة للطرق البدائية وإظهار قوة البساطة الطبيعية والرغبة الوحشية التي تجمع بين الصفاء والفوضى في آن واحد، مشحونة بسيل من الطاقة الذكورية والأنثوية». أما كيف تم تطوير هذه الأفكار وترجمتها في التشكيلة، فبالاعتماد على أعمال فنانين ومصورين مثل بيتر هوجار وروبرت مابلثورب ونان جولدين. فهؤلاء أيضاً أظهرت أعمالهم الجمال المختبئ خلف الظلال، حيث قال بيتر هوجار ذات مرة: «أنا أصوّر أولئك الذين يدفعون أنفسهم إلى أقصى الحدود... الأشخاص الذين يكونون على سجيتهم». من هذا المنظور يمكن تلخيص التشكيلة بأنها تتوخى الحرية. فأن تكون «عارياً» معناه أن تكون مُرتاحاً ومتصالحاً مع نفسك. فهي تلعب على الكثير من التناقضات مثل البرجوازية والبدائية والأنثوية، من خلال أكتاف جريئة وبنطلونات واسعة وفساتين تستوحي خطوطها من فترة التسعينات. لكن أهم ما فيه هي الراحة.
أما بالنسبة إلى دار «موسكينو» فلا يمكن أن يمر عرضها مرور الكرام. كان ولا يزال طبقاً دسماً من الألوان والنقشات مع لمسات شقية مستوحاة من البوب آرت وغيره من الفنون. لموسم خريف 2023 استلهم المصمم جيريمي سكوت، من الرسام سيلفادور دالي السريالي حبه للغرابة. تنوعت التصاميم بين الواسعة بمسامير مدببة ومليئة بالمجوهرات وتنانير كلاسيكية متنوعة الطول ومعاطف تغطي الركبة. من السترات الجلدية والبدلات الكلاسيكية التي تزينها سلاسل وأزرار من اللؤلؤ والذهب، كان القاسم المشترك بينها جرأتها وتوهج ألوانها، وكونها تعكس لوحات دالي المليئة بالساعات والإكسسوارات المتدلية مثل الإكسسوارات التي تحمل شعار السلام وتتميز بالضبابية. في حين تتزين جيوب السترات الجلدية برسومات تشبه مواد مُذابة مع نقشات مميزة تشبه السائل.
أما علامة «جيني» فنسجت قصاتها لموسم خريف وشتاء 2023-2024 من وحي شخصية الرسوم الهزلية الإيطالية الشهيرة، إيفا. تخيَّلت المصممة سارة كافازا فاتشيني إيفا وهي تتصفّح جريدة فتقع عيناها على خبر يقول إن علامة «جيني» تعتزم طرح تشكيلتها الجديدة في ميلانو، وأن فاتشيني أحضرت معها عيّنة نادرة من زهرة الأوركيد السوداء من تايلندا. أثار الخبر فضولها ورغبتها في الحصول عليها. على ضوء هذه القصة، نسجت المصممة تصاميم كانت فيها زهرة الأوركيد عنصراً مهماً ولعبت فيها على التنوع والغموض وعلى الأنوثة والحرية في الوقت ذاته.
ربما تكون «غوتشي» من بين الدور القليلة التي غرّدت عكس السرب. كانت مزيجاً من الإيحاءات وافتقرت إلى تلك التيمة الواحدة التي تجعلها متماسكة. ربما يعود السبب إلى أنها نتاج فريق كامل، عمل بعضه مع المصمم توم فورد منذ عقود في انتظار أن يقدم مصممها الجديد ساباتو دي سارنو أول تشكيلة له في الموسم المقبل. يُشعرك العرض بأن التعليمات كانت واضحة، تتلخص في الابتعاد عن أسلوب المصمم السابق أليساندرو ميكيلي الذي غلب عليه «الماكسيماليزم». صحيح أنه نجح فنياً وتجارياً لعدة سنوات لكنه أصاب البعض بالملل، وكان لا بد من التغيير. بيد أن ما قدمه فريق التصميم الإبداعي للموسمين المقبلين، لم يُنصف الدار لا سيما أنه بين الإطلالة والأخرى كانت تقفز تصاميم تستحضر صوراً قديمة لم تستطع أن تُودِّع أو تنسى الماضي، في وقت تحتاج فيه الموضة إلى أن تنظر نحو المستقبل.


مقالات ذات صلة

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة أجواء العمل وطبيعته تفرض أسلوباً رسمياً (جيورجيو أرماني)

كيف تختار ملابس العمل حسب «الذكاء الاصطناعي»؟

اختيار ملابس العمل بشكل أنيق يتطلب الاهتمام، بعض النصائح المهمة قدمها لك «الذكاء الاصطناعي» لتحقيق ذلك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة دار «ديور» تدافع عن نفسها

دار «ديور» تدافع عن نفسها

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، واستنفرت وسائل الإعلام أقلامها في الأسابيع الأخيرة، تدين كلاً من «ديور» و«جيورجيو أرماني».

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف يختار الرجال ملابس العمل بشكل أنيق؟

كيف يختار الرجال ملابس العمل بشكل أنيق؟

شارك ديريك جاي، خبير الموضة ببعض نصائح للرجال لاختيار الملابس المناسبة للمكتب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)

عُرس أمباني... انتقادات كثيرة وإيجابيات كبيرة

بينما عدّه البعض زواج الأحلام بتفاصيله وجواهره وألوانه، وصفه البعض الآخر بالسيرك أو فيلم بوليوودي.

جميلة حلفيشي (لندن)

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.