تشكل نواة للجيش اليمني «الجديد».. في أعقاب تحرير عدن

تحرك نحو إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وطرد المتورطين في الانقلاب الحوثي

مقاومون موالون للرئيس هادي في عدن (أ.ف.ب)
مقاومون موالون للرئيس هادي في عدن (أ.ف.ب)
TT

تشكل نواة للجيش اليمني «الجديد».. في أعقاب تحرير عدن

مقاومون موالون للرئيس هادي في عدن (أ.ف.ب)
مقاومون موالون للرئيس هادي في عدن (أ.ف.ب)

يدخل الجيش اليمني مع تغير موازين القوى على الأرض لصالح القيادة العسكرية الموالية للشرعية، مرحلة جديدة من إعادة الهيكلة والبناء، التي انطلقت بمراكز للتدريب في جنوب البلاد، وتأسيس ثلاثة ألوية حديثة، مع دمج المقاومة الشعبية في القطاعات العسكرية المقاتلة بعدن، بينما تترقب الأوساط العسكرية خلال الأيام المقبلة صدور جملة من القرارات، ومنها إنهاء الحكم المركزي للجيش.
واستبعدت القيادات العسكرية التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هناك إحلال بالمفهوم الشامل لجيش يفوق تعداده 500 ألف جندي، إلا أن التخطيط يجري لحلحلة القيادات العسكرية القديمة وإخراجها من المشهد العام مع وضع استراتيجية واسعة لتنظيف القطاعات العسكرية تدريجيًا من المتورطين في عمليات قتل المدنيين أو أولئك الضباط الذي أصدروا أوامر بالحرب، تمهيدًا لتقديمهم للمحاكمة العسكرية والسياسية، موضحين أن النواة الأساسية للجيش الجديد قد وضعت منذ اللحظات الأولى لتحرير عدن بدمج عشرات الآلاف من الشباب المقاتلين وتدريبهم لدمجهم في القوات المسلحة.
وتعد القوات المسلحة اليمنية، التي تربعت على المرتبة 43 عالميًا ضمن قائمة أقوى جيوش العالم، لعام 2013 الذي يعدها موقع «جلوبال فاير باور» المتخصص في مجال التسلح، والمرتبة الخامسة عربيًا بعد مصر والسعودية والجزائر، من أقدم الجيوش في منطقة الشرق الأوسط التي تأسست في مطلع القرن الماضي وتحديدًا في 1919، ويتكون من 4 أقسام رئيسية ممثلة في القوات البرية، القوات الجوية، القوات البحرية، قوات حرس الحدود، وقوات الاحتياط الاستراتيجي التي تضم العمليات الخاصة والحماية الرئاسية وألوية الصواريخ.
ويرى مراقبون أن إعادة تنظيم الجيش وتطهيره من القيادات التي تسيطر عليه، خطوة رئيسية وهامة تنفذها القيادة السياسية تماشيًا مع مرحلة التحرير الجزئي والكلي للمناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثيين، التي ستعتمد في المرتبة الأولى، إخراج هذه القيادات، ومن ثم وضع إطار استراتيجي واضح المعالم للجيش الجديد، الذي سيكون مصدر القوة فيه الشعب عبر المجالس الانتخابية، التي لا تسمح للرئيس باتخاذ قرار أحادي دون تفويض من هذا المجلس، وهو ما سيقلص صلاحيات الجنرالات العسكرية.
ويعول على الجيش اليمني، الذي أخذ شكلاً جديدًا تحت اسم الجيش الجمهوري في عام 1962 بعد دمجه مع جيش دولة الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتعثر في صيف 1994 عندما اندلعت الحرب بعد قيام الوحدة اليمنية، ومن ثم أعيد توزيع الأفراد على 7 مناطق عسكرية ضمن 30 لواء مشاة و11 لواء مشاة ميكانيك و14 لواء مدرع، أما قوة الصواريخ والمدفعية فتتوزع في 6 ألوية، وتمتلك القوات الجوية والدفاع الجوي 6 قواعد عسكرية جوية وتقريبًا 3 آلاف مجند موزعين في ثمانية ألوية طيران و10 ألوية دفاع جوي ولواء شرطة جوية ولواء رادار، بعد إعادة هيكلة في دعم المنطقة عسكريًا في مواجهة الإرهاب وحماية اليمن من المعتدين.
وقال اللواء أحمد سيف قائد المنطقة العسكرية الرابعة لـ«الشرق الأوسط»، إن «تعداد الجيش قبل عملية الانقلاب على الشرعية يتجاوز 500 ألف جندي، وهو من أكبر الجيوش على مستوى العالم، لذا يجري التعامل في المرحلة المقبلة بحذر مع عملية الإحلال وضبط المتورطين في قضايا قتل وتخريب البلاد».
وأضاف اللواء أحمد، أن «إعادة هيكلة الجيش من الأولية التي تفرض نفسها، والتي ستنهي الحكم المركزي الموجد من إدارة الدولة، وسيكون هناك تغيرات جذرية وحكمًا جديدًا قد تكون هناك حكومة فيدرالية، أو حكم أقاليمي؛ لذا من الصعب التكهن في هذه الفترة بما ستؤول إليه الأوضاع، فهي حرب، وعادة تحدث نتائج غير متوقعة مع انتهاء الحرب وعودة الأمور إلى نصابها»، موضحًا أن «هذه المرحلة التي تعيشها البلاد من حرب تعطى الأولوية للتحرير وليس للبناء التنظيمي»، مستدركًا حديثه أن «هذا لا يعني أنه لا يوجد اهتمام بالبناء التنظيمي الذي هو في خط موازٍ مع التحرير».
وعن حلحلة الجيش بكامله، أكد اللواء سيف، أنه من الصعب النظر في هذا الموضوع بشكل شامل في الوقت الراهن، وسيتم معالجة كل الأمور بعد التحرير وإعادة الشرعية، وما سينتج عن ذلك مع ترتيبات عامة في خصائص ودور الجيش في المرحلة المقبلة، خصوصًا وأنه لا يوجد لدينا جيش نظامي، وما هو موجود مقاومة شعبية انضم إيها قيادات وضباط من الجيش، وهذه الكتلة البشرية من مقاتلين في خطوط التماس من شباب الجامعة والثانوية العامة والمهندسين، الركيزة الأساسية للمقاومة والجيش في مرحلة قادمة.
واستبعد قائد المنطقة العسكرية الرابعة، عودة من اشترك في الحرب من القوات المسلحة وشارك في الانقلاب على الشرعية وسار وفق أوامر الرئيس المخلوع علي صالح، للانخراط في الجيش، وستكون هناك إجراءات حازمة ورادعة، يصعب التكهن بها الآن لأنها ستخضع لعدة عوامل تتضمن إجراءات عسكرية وسياسية، موضحًا أن «الإعداد للجيش الحديث جارٍ، وبعد التحرير سيكون الخيار متاحًا لأفراد المقاومة للانخراط في الجيش الجديد».
وحول ما يمكن عمله لإعادة الألوية في المنطقة الرابعة، قال اللواء أحمد إن «عدد الألوية التي كانت موجودة في المنطقة العسكرية الرابعة قبل الانقلاب على الشرعية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، قرابة 15 لواء، والآن لا توجد ألوية فعلية، توجد عناصر مقاتلة بتشكيلات ألوية، ولكن لم يتم اعتمادها بعد، وما نعمل عليه توحيد هذه الخطوات لتكوين الجيش الجديد».
وحول احتياج المرحلة للجيش، أكد اللواء أحمد، أن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، قدمت الكثير لوحدة اليمن وسلامة المواطنين، وما قامت به هذه الدول أنقذ البلاد من الاضطهاد ومن القتل والتدمير للبنية التحتية للبلاد على يد الحوثيين وحليفهم علي صالح، وهناك بعض النقص في الأسلحة النوعية التي ستعالج خلال الأيام القادمة، وهنا لا بد أن أقدم الشكر لجميع الدول المشاركة في «عاصفة الحزم» وعلى رأسها السعودية التي قدمت وما زالت تقدم لأبناء اليمن الدعم في جميع القطاعات بما في ذلك القطاع العسكري.
وسبق هذا التوجه في إعادة هيكلة الجيش، جمع عدد من القيادات العسكرية التي غادرت مراكز القيادة في القطاعات، والتدريب لأعداد كبيرة من الجنود والمنتسبين للمقاومة في مواقع آمنة في اليمن، التي أدارت قبل انطلاق ساعة الصفر المواقع الحيوية التي تسيطر عليها المقاومة الشعبية في عدن وبقية المدن والقرى الجنوبية، ونسقت هذه القوة بحسب مصادر عسكرية مع قيادة التحالف لمعرفة بعض الأمور الحالية حول المواجهات العسكرية، تمهيدًا لقدومها بعد أن أخذت حصتها من التدريب الميداني، الأمر الذي سهل عليها إدارة المعارك.
وهنا يقول العميد عبد الله الصبيحي قائد اللواء «15» قائد عملية تحرير عدن لـ«الشرق الأوسط»، إن كل من شارك من الجيش في حربه على الوطن سيقالون من مواقعهم بعد تحرير كل المدن من قبضة الحوثيين، كخطوة أولى ضمن عملية إعادة البناء للجيش، لتمكين القيادة الجديدة من ملاحقتهم قانونيًا.
وأكد العميد الصبيحي، أنه «لن يكون هناك فراغ عسكري مع خروج هؤلاء؛ إذ سيدفع بالشباب من المقاومة الشعبية الذين أثبتوا قدرتهم العسكرية، لسد أي عجز عسكري من ناحية الأفراد، وسيكونون النواة في انطلاق الجيش الوطني الحديث»، مشددًا أن «هذه الخطوات سيسبقها إعادة هيكلة للجيش وتنظيمه بشكل أشمل أوسع بحيث لا يكون جيشًا مناطقيًا، والموازنة الحالية في إعادة هيكلة الجيش هم الشباب، والاستغناء عن القيادة القديمة والمهترئة».
وأضاف قائد عملية تحرير عدن أن «من أبرز قواعد التحديث للجيش التي سينطلق منها الجيش بحلة جديدة، أن يكون مستقلاً بعيدًا عن أي ولاءات لشخصيات أو قيادات عسكرية، وسيكون تحت إمرة الوطن»، موضحًا أن «النواة الأولى قد تشكلت في عدن مع انطلاق عملية التحرير التي من خلالها سيتم العمل على تجميع وتوحيد الجيش غير المشاركين في أعمال إجرامية ضد البلاد».
وأشار العميد الصبيحي إلى أن «غالبية من يقاتل اليوم على الأرض مع ميليشيات الحوثي وعلي صالح، هم من أبناء قبائله أو بعض مشايخهم الذي قام صالح بدعمهم طوال مسيرة حكمه التي امتدت إلى 33 عامًا، وقلة من الجيش لا يشكلون رقمًا حقيقيًا في المواجهات العسكرية»، موضحًا أنه ومن خلال تواصله مع شيوخ جولان وسمحان وعدد من المحافظات شددوا على رفضهم فيما ذهب إليه الرئيس السابق علي صالح».
وحول إعادة تأسيس الألوية في عدن، قال العميد الصبيحي إن «العمل بدأ فعليًا في إعادة هيكلة الألوية وبدأ في تأسيس اللواء مدرع، واللواء 131، واللواء الصبيحة، وهي ألوية سيعتمد عليها مستقبلاً في تكوين الجيش، بالإضافة للمقاومة الشعبية التي يزيد تعدادها عن 8 آلاف فرد من أبناء عدن، الذين سيشكلون مع انضمامهم للجيش رافدًا أساسيًا في تحرير المحافظات الجنوبية، وسيكون لها الدور الفاعل في المستقبل حين الانضمام للقوات المسلحة».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.