تشبه سفرة «أم علي» تلك الموائد التي تحضّرها أمهاتنا مع رشة حنان وكثير من الحب. فابتهاج هاشم انطلقت في مهنة الطبخ منذ جائحة «كوفيد - 19». فكانت تمضي وقتها مثل كثير من ربات المنازل في الطهي وتحضير أطباق شهية لأولادها. واليوم تحولت إلى طاهية تعطي دروساً في الطبخ لكل من يرغب في تعلم أسلوبها.
طلاب جامعات من ألمانيا، وربات منازل من الصين وفرنسا وغيرها من البلدان، إضافة إلى لبنانيات يقصدن «مطبخ أم علي» في برج البراجنة. هناك يتأملنها كيف تحضّر مكونات كل طبق بتأنٍ. وتنقل إليهن خبراتها في هذا المجال الذي بدأته منذ الثانية عشرة من عمرها.
«غالبية طلابي أجانب يعملون في لبنان وأحياناً يقدم بعض الأبناء لأمهاتهم وآبائهم حصص طبخ معي باعتبارها نشاطاً سياحياً يمارسونه خلال زيارتهم لبنان».
ومن ناحية ثانية اتخذت «أم علي» من مطبخها مورد رزق، بحيث تحضر 4 أيام في الأسبوع «أطباق الدليفري».
زبائنها أمهات عاملات، ومن موظفي المصارف ومكاتب سفر ومؤسسات على اختلافها. وعلى الرغم من أنها تمارس هوايتها هذه منذ نعومة أظافرها فإنها لا تزال تنتظر بحماس رأي الآخرين في أكلاتها.
تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يتصلون ويثنون على طعم هذا الطبق أو ذاك، أشعر بفرح في داخلي وكأني ربحت الجائزة الكبرى».
بدأت قصة ابتهاج مع «مطبخ أم علي» بالصدفة عندما دعا ابنها علي، صديقته الألمانية إلى الغداء. «حضرتُ يومها أطباقاً لبنانية أصيلة كون الزائرة، التي تحولت فيما بعد إلى كنّتي، أجنبية وتعمل في السفارة الألمانية في بيروت. وبعد تذوقها الكبة والتبولة وطبق المغربية وغيرها من المازات، عبرت لي عن إعجابها الكبير بنكهات أطباقي».
ولشدة إعجاب الزائرة بأكلات «أم علي» راحت تخبر صديقاتها بتميز والدة علي في تحضير الطعام. فهي سبق وارتادت مطاعم عدة في لبنان ودعيت إلى بيوت كثير من الأصدقاء، ولكنها لم تتذوق يوماً أطيب من أطباق «أم علي».
ومن هنا كرت السبحة، وكبر عمل ابتهاج التي تقيم في منطقة برج البراجنة، وتحول مع الوقت منزلها إلى ورشة عمل «مطبخ أم علي».
وتشير ابتهاج هاشم إلى أن للطبخ أسراره «أهمها أن يحضّر بحب وبفن؛ لأن مفتاح الشهية لقمة ومنظر».
كانت ابتهاج تراقب والدتها وهي تحضر الطعام، وتعود وتدخل المطبخ لتقليدها ولكن بأسلوبها الخاص. «أحب استحداث نكهات خاصة تعيدني بالذاكرة إلى أطباق أيام زمان التي كانت تعدها أمي وجدتي. ومع الوقت صرت أخترع أطباقاً بعد أن أضيف إليها مكونات جديدة في إمكانها أن تجذب متذوقها. واليوم وإذا ما تذوقت طبق (مغربية أم علي) أو (ورق العنب) مع لحم الكستلاتة و(كبة البطاطس) وغيرها من أطباقنا المشهورة لا بد أن تلاحظ طعمها الأصيل».
تؤكد ابتهاج أنها لا تبالغ في اختراعاتها، ولكنها في الوقت نفسه تحاول أن تطبعها بهويتها الخاصة في المطبخ. وبرأيها أن هناك قواعد ذهبية للنجاح في عملية تجهيز أي طبق سهلاً كان تحضيره أو العكس. «من يهوى ممارسة الطبخ عليه أن يتحلى بطول البال والنظافة. وكذلك يجب ألا يستخف بالمكونات التي يستعملها، فكلما كانت طازجة (فريش)، أصابت الهدف الذي تتمنينه. فإرضاء الآخر هو العنوان العريض الذي يجب أن تتمثل به ربة المنزل كي تنجح. فأنا شخصياً عندما أرى هذه الابتسامة العريضة على ثغر ضيفي، وهذا البريق في عينيه، وكأنه يتلذذ بالطبق قبل تذوقه، أعرف أني نجحت في جذب انتباهه».
حولت ابتهاج عملها هذا إلى «بيزنس فاميلي»، بحيث يشارك فيه أفراد عائلتها. «ابني علي يهتم بطلبات الدليفري من مكان إقامته في ألمانيا. فهو يدرس الطب في إحدى جامعاتها. يدون الطلبات ويرسلها إلي كي أحضرها في أقصر وقت ممكن بمساعدة ابنتي التي تساعدني في المطبخ».
الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة هي الأيام التي تتوفر بها أطباق «أم علي» لتوصيلها إلى أصحاب طلباتها. وتهتم في الأيام الأخرى بإعطاء دروس طبخ لمجموعة نساء يتم تسجيلهن مسبقاً عندها لمتابعة حصص الطبخ التي تنظمها.
ومن أطباقها الجبلية المعروفة بها «الزنكل» و«الفول بالأرز» و«المعكرونة باللبن» و«العدس بالحامض».
وتقول: «هذه الأكلات تلقى تهافتاً كبيراً من قبل الزبائن، لا سيما من سكان بيروت. فهم لم يسبق لهم تذوقها؛ لأنها أكلات تنبع من القرى اللبنانية. وكذلك يستسيغها الأجانب؛ لأنها تشكل سابقة بالنسبة لهم».
وتعلق على مورد رزقها هذا: «إن أيام الجائحة كانت صعبة، وتوقفت أشغال أبنائي، ولذلك كان (مطبخ أم علي) منقذي. فعندما أقف فيه، ولو لساعات طويلة، لا أملّ ويمر الوقت بسرعة. وعندما أحضّر أطباقي أحرص على رسمها كأنها لوحة تشكيلية. وعند الانتهاء منها أقف تماماً كالرسام المتشوق لمعرفة آراء الناس في فنه».
وتواكب «أم علي» وسائل التواصل الاجتماعي وتقف على آراء زبائنها من خلالها. كما تنشر على صفحتها عبر موقع «إنستغرام» صوراً عن أطباقها والسفرات الشهية التي تمدها في مناسبات مختلفة لأهل بيتها.
وتقول: «أحضر الأطباق على اختلافها من يخنات البامية والبطاطس والبازلاء والملوخية والمتبلات وغيرها. كما ألبي طلبات الأشخاص النباتيين، لأن لدي لائحة طعام طويلة ترضي أذواقهم».
الطعام اللبناني الأصيل بكل مكوناته التقليدية، الذي يذكرنا بأطباق قرى كثيرة، تختص به «أم علي».
وتختم لـ«الشرق الأوسط»: «أنا من بلدة اللويزة، الواقعة في منطقة جزين، وأحرص أثناء تحضير أطباقي هنا وسط برج البراجنة حيث أُقيم، على أن تتسلل إلى أنفي الروائح الشهية نفسها التي علقت في ذاكرتي منذ الطفولة».