انقلابيو اليمن يخضعون مسؤولين أمنيين وتربويين لدورات طائفية

مع تنامي السخط المجتمعي جراء فساد قادة الميليشيات

عناصر أمن موالية للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر أمن موالية للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

انقلابيو اليمن يخضعون مسؤولين أمنيين وتربويين لدورات طائفية

عناصر أمن موالية للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر أمن موالية للحوثيين في أحد شوارع صنعاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

مع اتساع حالة السخط المجتمعي في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية جراء فساد قادة الجماعة، ردت الميليشيات بتوسيع عمليات التطييف وتلقين أفكارها في أوساط المسؤولين الأمنيين والقيادات التربوية في كل من صنعاء وإب، وفق ما ذكرته مصادر يمنية مطلعة.
وبحسب المصادر، بدأت الميليشيات منذ أيام إخضاع مسؤولين أمنيين وقيادات تربوية لتلقي دورات فكرية وطائفية، تقام في مراكز مغلقة كانت خصصتها الجماعة في السابق لتدريس ملازم (كتيبات) مؤسسها حسين الحوثي، بغية نشر أفكارها الخمينية وتعميمها على أطياف المجتمع.
في حين زعمت الميليشيات أن هذه الدروس والدورات الطائفية عبارة عن «دورات فكرية وتدريبية وثقافية»، استهدفت بها في أماكن وأوقات مختلفة نواب مديري الإدارات والمناطق والأقسام الأمنية، ومديري المدارس الحكومية ووكلاءها، في كل من صنعاء العاصمة ومحافظة إب الخاضعتين تحت سيطرتها.
ففي العاصمة صنعاء، تحدثت مصادر مطلعة عن إجبار الجماعة منتسبي قطاع الأمن الخاضع للانقلاب على حضور دورات تعبوية تحرض على الطائفية والعنف والاقتتال. وأشارت المصادر إلى اقتياد الميليشيات عشرات الضباط من منتسبي وزارة الداخلية والعاملين في قطاع الأمن العام، وخصوصاً من لديها شكوك بعدم ولائهم لزعيمها، إلى مركزيها السريين، اللذين يقع أحدهما في معسكر تدريبي بمنطقة بلاد الروس جنوب صنعاء، ويقع الآخر في مقر مدرسة الشرطة وسط العاصمة، من أجل استهدافهم بـ«الأفكار الخمينية».
ووفقاً لما أكدته المصادر، تضمنت تلك الدورات برامج ومحاضرات تعبئة فكرية مكثفة، إضافة إلى تقديم شروحات لمناهج إيرانية دخيلة على المجتمع اليمني.
وتوعدت الميليشيات الحوثية منتسبي القطاع الأمني من المتغيبين دون عذر أو رافضي المشاركة في الدورات، بالإقالة من مناصبهم والإحالة إلى المحاسبة... في حين أفادت تقارير محلية باعتقال الجماعة عشرات الضباط نتيجة رفضهم حضور تلك الدورات، بعد أن وجهت لهم تهمتي الخيانة وعدم الاعتراف بما تسميه «الهوية الإيمانية».
‏وعادة ما تعطي الميليشيات الحوثية الأولوية لدوراتها التعبوية لغرض استمرار بث الأفكار ذات الصبغة الطائفية في الأوساط المجتمعية، غير أن دعواتها الطوعية لم تلقَ أخيراً أي استجابة، مما جعلها ترغم السكان ومسؤولي وموظفي المؤسسات الحكومية، الخاضعة لها، على الحضور قسراً لتلقي الأفكار المتطرفة.
وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة بـ«التطييف» ضباط ومنتسبي قطاع الأمن في صنعاء، إذ سبق لها أن فرضت في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، على مديري أقسام الشرطة بالعاصمة حضور دورات طائفية إلزامية.
وأوضحت مصادر أمنية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الميليشيات ألزمت مديري أقسام الشرطة بحضور دورات ثقافية استمرت وقتها نحو أسبوع، كاشفة في الوقت ذاته عن انسحاب عدد من مديري الأقسام في ثالث ورابع الأيام من تلك الدورة، مبررين ذلك بعدم قناعتهم بما تبثه الجماعة من برامج وأفكار طائفية.
وفي ظل ما يشهده قطاع التعليم بمناطق سيطرة الميليشيات من تدهور غير مسبوق، بفعل استمرار فرض كامل سيطرتها عليه وتغيير بنيته كاملة، قالت مصادر تربوية بمحافظة إب لـ«الشرق الأوسط»، إن الانقلابيين مستمرون منذ أيام في إقامة دروس وبرامج تعبوية وطائفية تستهدف نحو 180 معلماً وقيادياً تربوياً بمدارس حكومية عدة في المحافظة.
وركزت الجماعة - بحسب المصادر - على حضور مدرسي مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية والتربية الوطنية واللغة العربية، من أجل إقناعهم بمحتوى مقرراتها، والاستعانة بهم لتغيير فكر التلاميذ وهويتهم اليمنية. وذكر تربويون في إب ممن شاركوا قسراً في الدورات الحوثية، لـ«الشرق الأوسط»، أن دورة أُقيمت أخيراً داخل مجمع حكومي وسط المدينة، أُلزموا خلالها بضرورة إقامة إذاعات في مدارسهم تروّج للطائفية في أوساط الطلاب.
وأوضحوا أن الميليشيات ألزمتهم بتوثيق تلك الإذاعات ورفعها تباعاً إلى قسم الإعلام التربوي، الذي تشرف عليه الجماعة في مركز المحافظة.
وأكد التربويون أن الدورة الحوثية التي جاءت تحت مسمى «ورشة تدريبية»، تركزت أكثر حول التعديلات الطائفية التي أجرتها الميليشيات على المناهج الدراسية.
وكشفت المصادر في إب لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود مساعٍ لدى الميليشيات تهدف في الأيام المقبلة إلى تلقين أفكارها التعبوية في أوساط ما تبقى من موظفي المكاتب والمؤسسات والهيئات الحكومية في تلك المحافظة، ذات الكثافة السكانية العالية، التي لا تزال بفعل ممارسات وجرائم الانقلابيين المتكررة تشهد انفلاتاً أمنياً غير مسبوق.
ويعد ذلك السلوك الانقلابي امتداداً لدورات سابقة أجبرت فيها الجماعة مسؤولي وموظفي المؤسسات، في صنعاء وريفها ومحافظة إب وبقية مدن سيطرتها، على المشاركة قسراً في دورات التلقين الطائفي. ولا يزال السكان القابعون في مناطق سيطرة الميليشيات الانقلابية يتعرّضون بصورة شبه يومية لكثير من الانتهاكات والتعسفات والمضايقات المستمرة، إضافة إلى تعرضهم لاتهامات مباشرة من قبل الميليشيات نتيجة امتناعهم عن حضور الدورات الفكرية التي تعدّها إلزامية على الجميع.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.