رواية «حدائق النور» لأمين معلوف.. العالم ليس أبيض ولا أسود

لا أحد يحتكر التطرف ولا أحد يحتكر النزعة الإنسانية أيضًا

أمين معلوف، وغلاف «حدائق النور»
أمين معلوف، وغلاف «حدائق النور»
TT

رواية «حدائق النور» لأمين معلوف.. العالم ليس أبيض ولا أسود

أمين معلوف، وغلاف «حدائق النور»
أمين معلوف، وغلاف «حدائق النور»

سئل روائي لماذا تكتب؟ فأجاب ساخرا: «لأن أبطالي في حاجة إليّ.. إنهم لا يملكون غيري على وجه الأرض». لكن ماذا لو كان أحد هؤلاء الأبطال ليس من إنجاب خيال الروائي، بل واحد من أولئك الذين مروا يوما على وجه البسيطة تاركين خدوشا في وجه الزمن؟ ماذا لو اختار الروائي ترميم واحد من معالم الحضارات الغابرة، وتقديمه للقارئ في قالب روائي مصقول؟ أعتقد أن حاجة الروائي لعصر الإرث الحضاري الذي خلفه واحد من أبطال التاريخ، ستكون في هذه الحالة أشد إلحاحا من حاجة ذلك البطل إلى نفض ما علق به من أوهام ألفها المخيال الجمعي على مر السنين.
يصير هذا الاعتقاد أكثر رسوخا، مع قراءة رصينة لرواية «حدائق النور» الصادرة سنة 1991، للكاتب اللبناني أمين معلوف (ترجمة الدكتور عفيف دمشقية)، الذي جعل منها لوحة ألوانها ليست إلا الحكم التي خلفها مؤسس الرسم الشرقي «ماني»، الرسول، سليل البابليين الذي سخر حكمته يوما لإرشاد الإنسانية إلى دين الجمال، مستنكفا عن كل ثروة وسلطة. لم يملك «ماني» أكثر من الثوب الذي يرتدي، مميزا نفسه بذلك عن الأتقياء المزيفين بائعي المعتقدات.
«أنتمي إلى جميع الأديان ولا أنتمي إلى أي منها. لقد لقن الناس أن عليهم أن ينتسبوا إلى عقيدة، كما ينتسبون إلى عرق أو قبيلة. وأنا أقول لهم إنهم كذبوا عليكم. اعرفوا أن تجدوا في كل عقيدة، وفي كل فكرة، المادة المنيرة، وأزيحوا القشور. ومن يتبع سبيلي يستطيع أن يبتهل إلى (اهورا – مازدا)، وإلى (ميترا)، وإلى المسيح وبوذا. وسوف يأتي كل إنسان إلى المعابد التي سأشيدها».. بهذه العبارات يقدم ماني نفسه في «حدائق النور». وهو بذلك يقدم درسا حقيقيا في التسامح الديني يضعه أمين معلوف بين يدي قارئ يكتوي يوميا بنيران التعصب للمعتقد. هي نفسها النيران التي لفحت سليل البابليين على ضفاف دجلة، حيث ولد هناك في عام 527 من التقويم الفلكي البابلي، 216 ميلاديا. «بيد أن ماني لم يكن ابن أحد، لم يكن إلا ابن الجماعة» التي فطمته عنوة عن أمه لترضعه التعصب للمعتقد والكره للمختلف حتى في اللباس. فمن يرتدي غير الأبيض كافر في شريعة الجماعة التي تربى في كنفها واحد من أفضل من مزجت ريشتهم الألوان في رسومات منقطعة النظير، على الرغم من أن بياض الجماعة كان نفيا لكل ألوان الحياة.
«كان القوم هنا بعيدين عن مآدب (نب) و(ديونيزوس) و(ميترا)، هذه المقاصف المجونية التي كان الجسد يتحول فيها إلى هيكل للاحتفال بكل ملذات الحياة» (حدائق النور). كانوا كغيرهم من الجماعات، على ضفاف دجلة والفرات والأردن.. يدعون أنهم نصارى ويهودا في الوقت نفسه، لكنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة ويمثلون المعتقد الصحيح. تلك الضفاف لا تخلو، حتى اليوم، من جماعات، وإن اختارت الأسود لباسا لأشياعها، فإنها لم تختلف عن سابقاتها في إعدام الحياة باسم المعتقد. فسواء كان الأبيض أو الأسود لباسا لها، فإن التعصب يبقى هو الوسيلة الأساسية التي تغذي لدى تلك الجماعات وهم القدرة المطلقة التي تبعث بالأمان والطمأنينة لدى الأتباع. فيصير العنف سلوكا مشروعا بمباركة قائد (الأمير، الخليفة..) الجماعة، للحفاظ على المعتقد من الآخرين المعادين للعقيدة. فيغدو القتل في أسوأ الحالات، التعبير المكثف عن الاعتقاد بأحقية السيادة على الجميع. لهؤلاء قال ماني يوما «إن الشرارة الإلهية موجودة فينا جميعا، لا تنتمي إلى أي عرق، ولا إلى أي طائفة. إنها ليست ذكرا ولا أنثى. وعلى كل واحد أن يغذيها بالجمال والمعرفة، وبهذا تتمكن من التألق. ولا يكون الإنسان عظيما إلا بالنور الذي فيه فحسب» (حدائق النور).
لو أنصتنا اليوم لكلمات هذا الحكيم سنجد لها وقعا أكثر من رصاص القتلة. سندرك أن الدين عندما يخرج من القلب ويتجاوز باب المعبد، ينقطع الخيط الرفيع الذي يفصله عن السياسة، فيصبح بذلك مطية سهلة للسياسي تضفي القداسة على نزوعه للسيادة التي لا تتحقق إلا بإقصاء المختلف عقائديا. وهذا ما يؤشر على تورط المقدس - بتعبير عبد الصمد الكباص - سلفا، في التاريخ، وتمزقه وغرقه في صراعاته العمياء.. «وإن حالة من النسيان هي التي جعلته مقدسا» (الورطة التاريخية للمقدس). في هذه الحالة فقط، يغدو التسامح واحترام الاختلاف جريمة. «إن أسوأ موقف توضع فيه الدولة» كما يقول اسبينوزا «هو ذلك الذي تبعث فيه إلى المنفى بالشرفاء من رعاياها على أنهم مجرمون، لا لشيء إلا لأنهم اعتنقوا آراء مخالفة لا يستطيعون إخفاءها» (رسالة في اللاهوت والسياسة). كانت هي نفسها الجريمة التي دفع «ماني» حياته ثمنا لها، حيث يعترف قائلا: «إني أجل جميع المعتقدات، وتلك هي جريمتي. فالمسيحيون لا يسمعون ما أقول من خير عن الناصري. ويأخذون علي عدم الكلام بالسوء عن اليهود وزرادشت. ولا يسمعني المجوس حين أمجد نبيهم، ويريدون أن يسمعوني ألعن المسيح وبوذا. ذلك أنهم عندما يجمعون القطيع لا يجمعونه على الحب بل على الحقد. ويجدون أنفسهم متضامنين فقط في مواجهة الآخرين. ولا يعترف بعضهم بأخوة البعض إلا في المحظورات وأعمال الحرام» (حدائق النور).
فعلا، الحقد هو ما يغذي، إلى يومنا هذا، التعصب للمعتقد. فالتسامح الديني يقوم في جوهره على مبدأ احترام الآخر وقبول في مغايرته الكلية. وهو بذلك كالحب، يتطلب التبادل. لكن المأساة هي أن هناك دائما جماعات، بحكم تكونها العقائدي، غير مستعدة تماما لأن تخالف نفسها وتكون متسامحة مع غيرها. يقول كارل بوبر «ما دامت هذه الأقليات اللامتسامحة ظلت تناقش نظرياتها وتنشرها باعتبارها مقترحات عقلانية، يتوجب علينا أن نتركها تفعل هذا بكل حرية. بيد أن علينا أن نلفت انتباهها إلى واقع أن التسامح لا يمكنه أن يوجد إلا على أسس التبادل، وأن واجبنا الذي يقتضي منا التسامح مع أقلية من الأقليات ينتهي حين تبدأ الأقلية أعمال العنف». لكن بعض الدول غالبا ما تجعل من عنف بعض الأقليات ذريعة للتملص، بشكل كلي، من واجب التسامح. حتى مع تلك الأقليات التي، وإن كانت منغلقة على ذاتها، كمحاولة لتحصين هويتها، فإنها تبقى مسالمة في سلوكها. لذلك ومن دون مزايدات حضارية، كما يقول أمين معلوف: «لا أحد يحتكر التطرف، وبالعكس لا أحد يحتكر النزعة الإنسانية» (الهويات القاتلة).
بغض النظر عن الاعتبارات التي تقف وراء تأليف أي رواية، فإن الفعل يبقى له دلالة حضارية عظيمة. «أن نكتب.. يعني أن نهجر معسكر القتلة»، يقول فرانز كافكا. فليس لنا من حصن غير كلمات الحكماء حين يلعلع الرصاص في سماء العالم، لأنه «عندما يتخلى العالم عن الحكماء فإن الحكماء يتخلون عنه، عندها يبقى العالم وحيدا يأسى لوحدته» (حدائق النور).



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.