«الدوما» يقر قانون تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية

قتال عنيف في باخموت... وموسكو «تراقب» تصرفات الغرب

جندي أوكراني يظهر وحيداً في أحد شوارع باخموت التي تشهد قتالاً عنيفاً وقصفاً روسياً (رويترز)
جندي أوكراني يظهر وحيداً في أحد شوارع باخموت التي تشهد قتالاً عنيفاً وقصفاً روسياً (رويترز)
TT

«الدوما» يقر قانون تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية

جندي أوكراني يظهر وحيداً في أحد شوارع باخموت التي تشهد قتالاً عنيفاً وقصفاً روسياً (رويترز)
جندي أوكراني يظهر وحيداً في أحد شوارع باخموت التي تشهد قتالاً عنيفاً وقصفاً روسياً (رويترز)

بالتزامن مع احتدام المعارك في محيط باخموت، وانتقال الاشتباكات إلى داخل المدينة الاستراتيجية؛ وفقاً لتأكيد مصادر عسكرية روسية، سرّع مجلس الدوما (النواب) الأربعاء آلية إقرار قانون تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية في خطوة تطلق يد الروس لتجميد آخر قنوات التنسيق مع الولايات المتحدة، وتكثيف وتيرة الصناعات العسكرية التي كانت المعاهدة تفرض قيوداً عليها.
وتبنى مجلس الدوما الروسي الأربعاء قانوناً بشأن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة «ستارت»؛ التزاماً بأمر رئاسي وجهه الرئيس فلاديمير بوتين خلال خطابه أمام المشرعين الروس الثلاثاء. وأقر المجلس القانون بقراءات سريعة، وتم تحويله فوراً إلى مجلس الاتحاد (الشيوخ) لإقراره بصيغته النهائية قبل عرضه على الرئيس الروسي لتوقيعه. ويعتبر القانون سارياً فور نشره في الجريدة الرسمية. وبحسب بيان مجلس الدوما «نص مشروع القانون على أن يعلق الاتحاد الروسي المعاهدة المبرمة بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية بشأن التدابير الرامية إلى مواصلة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية الموقعة في براغ في 8 أبريل (نيسان) 2010». ولفت البيان إلى أن استئناف مشاركة روسيا في المعاهدة يمكن أن يتم بناء على قرار رئاسي خاص.
وكانت روسيا رفضت ردود الفعل الغربية التي انتقدت قرار بوتين، وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن «الغرب قام بتدمير نظام الأمن الدولي القائم على المساواة». وزادت الدبلوماسية: «لقد بدأوا بوعي تام وبدم بارد واستخفاف في تدمير نظام الأمن الراهن في العالم، لمجرد أنه يفترض المساواة، وتوازن المصالح، والمعاملة بالمثل في عدد من المجالات. شعروا كما لو كانوا قد أهينوا بسبب تساويهم مع كيانات أخرى، أو مع أولئك الذين يرتبطون معهم بعلاقات تعاقدية، ولا سيما معنا، لأنهم كانوا يرتبطون بالتزامات معنا».
ويطلق تعليق روسيا مشاركتها في المعاهدة مرحلة جديدة في التعامل بين موسكو وواشنطن في مجال التسلح؛ كون معاهدة «ستارت» كانت قد حددت التزامات الطرفين بشأن تقليص عدد الرؤوس النووية، وحاملات الرؤوس النووية من الطائرات والصواريخ والغواصات، كما أن الخطوة تزيد من تعقيد الاتصالات المتوقفة أصلاً بين الطرفين إلا عبر قنوات محدودة للغاية، وكمثال فإن روسيا كانت أبلغت واشنطن بقيامها بتجربة صاروخ استراتيجي جديد من طراز «سمارت» قبل وقت قصير على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كييف أخيراً. وجاء هذا التبليغ التزاماً بأحد بنود المعاهدة التي فرضت على الجانبين إجراءات لتبادل المعلومات وتنسيق المخاطر. ويعني تعليق المشاركة الروسية حالياً أن موسكو وواشنطن لن يتبادل كلاهما لاحقا أي معلومات حول التجارب العسكرية للأسلحة الاستراتيجية، أو معطيات لتنسيق المواقف لتجنب المخاطر غير المقصودة.
في غضون ذلك، وجهت الخارجية الروسية تحذيراً جديداً لواشنطن، عكس مضمونه أن خطوة تعليق المشاركة في معاهدة «ستارت» ليست الوحيدة في جعبة موسكو، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن «بإمكان موسكو، إذا لزم الأمر، اتخاذ إجراءات مضادة استناداً إلى تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها». وأوضح المسؤول الروسي في حديث مع الصحافيين «بالتأكيد، نراقب عن كثب تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها، بما يتبع ذلك من اتخاذ مزيد من الإجراءات المضادة إذا لزم الأمر».
جاء الحديث تعليقاً على معطيات وسائل إعلام أميركية تحدثت عن فشل تجربة صاروخ «سمارت» الأخيرة، وقال نائب الوزير: «لا داعي لتصديق البيانات المزعومة لشبكة (سي إن إن)... المعلومات التي تستحق التغطية هي المعلومات التي يتم توفيرها من خلال قنوات وزارة الدفاع».
بدوره تجنب الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف التعليق على التقارير الغربية حول إطلاق الصواريخ الباليستية «سارمات»، واكتفى بالقول إنه «لا يمكن الإجابة عن أسئلة تتعلق بالموضوع، لأنه يدخل ضمن اختصاص وزارة الدفاع».
على صعيد آخر، سارت موسكو وبكين خطوة إضافية لتأكيد متانة العلاقات بين البلدين، وعزمهما على مواصلة تعزيز التنسيق في خطوات مشتركة لمواجهة ما وصف بأنه «تهديدات معاصرة». وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية الصينية وانغ يي، خلال جولة محادثات الأربعاء على «متانة العلاقات بين البلدين، وتطورها بشكل ديناميكي رغم الاضطرابات والوضع العالمي». وقال لافروف، خلال اللقاء مع وانغ يي، إن «موسكو وبكين على استعداد للدفاع عن مصالح بعضهما بعضاً». وأضاف «علاقاتنا تتطور بثقة وديناميكية، وعلى الرغم من الاضطرابات الشديدة على المسرح العالمي، فإننا نظهر التضامن والاستعداد للدفاع عن مصالح بعضنا البعض على أساس احترام القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة». بدوره قال وانغ يي، إن بكين وموسكو تفتحان باستمرار إمكانيات للتنمية والتعاون. كما أشار إلى أن بكين تنتهج سياسة خارجية مستقلة، مؤكداً أنه سيستمر من خلال أي منصب يشغله في بذل الجهود لتعميق العلاقات بين الصين وروسيا الاتحادية.
وينتظر أن يقوم الرئيس الصيني خلال الأيام المقبلة بزيارة عمل إلى روسيا، ترددت معطيات حول أنها تشكل مقدمة لقيام بكين بطرح مبادرة للتسوية السياسية حول أوكرانيا.
ميدانياً، بدا الأربعاء أن موسكو تحاول تسريع وتيرة تقدمها العسكري في باخموت بعد أسابيع من المواجهات الضارية التي أسفرت عن إحكام الطوق حول المدينة الاستراتيجية. ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية عن يان غاغين، مستشار حاكم دونيتسك المعين من جانب موسكو أن «قتالاً عنيفاً يدور داخل المدينة بعدما تمكنت القوات المهاجمة من خرق دفاعات العدو». ولم تؤكد المصادر الأوكرانية هذه المعطيات. ووفقاً للمسؤول الانفصالي فإن «القتال في أرتيموفسك (باخموت) يدور بالفعل في وسط المدينة تقريباً». وأوضح أن «المبادرة الآن في أيدي مقاتلينا، لقد دخلت قواتنا منذ فترة من الجانب الشمالي من أرتيموفسك. الآن يقاتلون بالفعل في وسط المدينة». وبحسب غاغين، فإن «استسلام الوحدات الأوكرانية في المدينة هو مسألة وقت وسيحدث قريباً جداً». وكانت نائبة رئيس وزراء أوكرانيا إيرينا فيريشوك دعت في وقت سابق سكان باخموت إلى مغادرة المدينة «في أقرب وقت ممكن». وتحدثت عن وجود نحو 6 آلاف مدني قالت إن كييف تسعى إلى تأمين انتقالهم للحفاظ على أرواحهم. فيما كتبت وسائل إعلام أوكرانية أن كييف قامت بنقل وثائق الأرشيف الأوكراني التابع لمؤسسات الدولة من المدينة.
قال مسؤولان محليان إن مدنيين أصيبا في ضربة صاروخية روسية أمس الأربعاء على منشآت صناعية في خاركيف أكبر مدينة بشرق أوكرانيا. وقال إيهور تيريخوف رئيس بلدية المدينة عبر «تليغرام»: «حسب البيانات الأولية تعرضت منطقة كييف التابعة لخاركيف لأربع ضربات. يستهدف العدو المنشآت الصناعية». وأوضح المسؤول المحلي أوليه سينيهوبوف في تصريح منفصل أن اثنين من المدنيين أصيبا بجروح طفيفة، لكنه لم يذكر مزيداً من التفاصيل.
ويشهد شرق أوكرانيا بعضاً من أشرس معارك الحرب، ويتوقع مسؤولون أوكرانيون أن تكثف روسيا هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة في الأيام المقبلة مع حلول الذكرى الأولى للحرب غداً الجمعة. وتقع خاركيف، وهي ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا على بعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود مع روسيا، وتتعرض لقصف متكرر.


مقالات ذات صلة

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».