نصري شمس الدين بعيون مَن أحبّوه

شهادات تروي سيرته عرضتها «الجزيرة الوثائقية»

نصري شمس الدين بطربوشه وحنجرته كتب تاريخ الفن اللبناني (أرشيفية)
نصري شمس الدين بطربوشه وحنجرته كتب تاريخ الفن اللبناني (أرشيفية)
TT

نصري شمس الدين بعيون مَن أحبّوه

نصري شمس الدين بطربوشه وحنجرته كتب تاريخ الفن اللبناني (أرشيفية)
نصري شمس الدين بطربوشه وحنجرته كتب تاريخ الفن اللبناني (أرشيفية)

«بُعدكن بالبال»، عنوان شهادات ضمّها شريط يروي سيرة أحد عظماء الفن اللبناني، نصري شمس الدين، عرضته «الجزيرة الوثائقية». بطربوشه الأحمر وصلابة حنجرته، يحضر مَن أعطى الموسيقى قيمة ألحقته بالكبار. يشهد العود على عذوبة النغم المتصاعد من أوتاره، بينما تعزفه أنامل ابن بلدة جون الجنوبية الممتد عطره في كل مكان يأتي على ذكر أسماء لا تموت.
يُسمع صوته وهو يتحدث عن بلدته خلال زيارات يقول إنها لا تبعد الواحدة منها عن الأخرى. تظهر صنوبرات تحاول معانقة السماء لولا الفارق في الارتفاعات، لِتلاقي طيوراً تعبر الغيوم في سرب متّحد يزاحم لوحة على جمالها. ورق قديم يأكل الاصفرار وجهه، يقلّبه ابن الفنان الراحل (1927 - 1983) مصطفى شمس الدين، بين أصابعه. نحو عشر شخصيات مُقرّبة ومتابِعة تطل في شريط من إعداد باميلا رزق الله وإخراج رولى بروش، في استعادة لمحطات من البداية إلى الانطفاء على المسرح السوري.
ذُهل أهل قريته من صوت بدا لهم فريداً. كان نصري في الثامنة حين شدّ الأنظار إلى حنجرته. يُخبر الناقد محمد حجازي أنّ الأم لمست موهبة ابن يهرع نحو الراديو ويُلصق أذنه به لمتعة الإصغاء إلى أغنية. خبأت بعض القروش واشترت له العود.

يُكمل ابن الفنان سرد الخطوات الأولى لوالد أكمل دراسته في صيدا وتخرّج أستاذاً في الأدب العربي. لكن «مشاعر الفنان طغت»، بوصف حجازي، فتسبب عزفه داخل المدرسة بطرده منها حين لم يَرُقْ للناظر السكوت عن «التجاوز».
انتقال نصري إلى مصر كاد، لولا الفرص العاثرة، أن يحوّله «أقرب إلى فريد الأطرش»، وفق حجازي. يعدّد نجل الفنان تنقلات والده في القاهرة ودراسته في كونسرفتوارها لثلاث سنوات. شاء الظرف أن ينال الشهادة ويعود إلى لبنان، ليُكمل غدي الرحباني سرد مآلات قدره على درب الأخوين.
كان العام 1952 حين صدر إعلان في «إذاعة الشرق الأدنى» المعروفة فيما بعد باسم «إذاعة بيروت»، يسأل المواهب التقدّم لاختبار أداء. نصري الموظّف في «مصلحة الهاتف»، قرأ في الجريدة أنّ فرصة تلوح، فلم يفوّتها. تألّفت لجنة التحكيم من عاصي ومنصور الرحباني، وعبد الغني شعبان وحليم الرومي. إعجاب الأخوين بصوته جعلهما يضمّانه إليهما رغم أنّ متجاوزي الاختبار نادتهم فرص الالتحاق بالكورال، لا أكثر.
انضمّ إلى تركيبة ذهبية مكوّنة من الأخوين وفيروز مع فيلمون وهبي. يجيب جورج الصافي على سؤال أُثير لسنوات: لِمَ اختار الأخوان نصري، لا والده وديع؟ وهو من الأسئلة غير المُحببة لديهما لما فيه من انجرار نحو الثرثرة. يردّ بالقول إنّ بين نصري ووديع لم تكن صداقة دائمة، بل احترام وتقدير متبادل للفن والعمل. غير ذلك، لا كلام في الصغائر.
يفسّر غسان صليبا علاقة نصري بالأخوين: «أعتقد أنهما أرادا شخصاً يقف بدور البطولة أمام فيروز. مَن غير نصري؟ هو قامة وصوت واسع جبار، ويمتلك إمكانات الممثل». ذلك ما عده هنري زغيب «فرصة حياته»، وهو يكشف أنّ فيروز في جلساتها الخاصة أبدت تقديراً حيال نصري، «كأنها تقول إنّ أي عمل من دونه ما كان ليبلغ الوَقْع ذاته».
لم تكن شهادات أصدقاء فقط، فضمّت أيضاً متخصّصين في الموسيقى وخبراء في حقولها. تحدّث الباحث هشام مشرفية عن صوت «غنّى النوتات الأعلى من الجواب وامتلك معرفة ممتازة بالمقامات الشرقية». وتوقف الموسيقيّ أسعد سرور عند «البراعة بأداء المقامات، مما جعله زائراً مقدّساً على القلوب».
لكلٍّ ما يقوله عن المُكرّم في شريط يحاول الإحاطة بأبرز فصول الحكاية. ومن مجموع الشهادات، تتكوّن دقائقه. يتمهّل غديّ الرحباني أمام قدرة نصري شمس الدين على الفصل بين كونه فناناً وممثلاً، «وهنا براعته». محمد حجازي يحسم بالأرقام: «كان نصف المسرح الرحباني».

يدخل جوزيف عازار إحدى غرف بيته، فيختار من أشرطة الذاكرة مسرحية «بياع الخواتم» ويعيد تشغيلها. يسمّي نصري «رفيق درب الأخوين»، وهو يتحدّث عن «المُتوَّج على مسرحهما». عنه كوَّن غسان صليبا الانطباع الأول: «خفيف الدم، مَرِح، وطيّب. كان قدوتي في المسرح الغنائي».
يمرّ الإعلامي نبيل غصن (الإذاعة اللبنانية) على هوايات صاحب السيرة: «أحبَّ الصيد وكان يناكف فيلمون إن تفوّقت غلّته. وأحبَّ أيضاً لعب الطاولة. كلما جمعتنا جلسة، راح يغنّي على سجيّته». لا تفوّت الشهادات «سوء التفاهم» بين نصري والأخوين، وما سجّله من عتب. بالنسبة إلى غديّ الرحباني، «هذه الخلافات تحصل، وفي العام 1980 عُقدت مصالحة في منزلنا». أغنيته «دقّينا ماردّوش»، بلاغة الملامة.
شبّهه منصور الرحباني بأساطير التاريخ وهو يحضر جنازته: «شو بِنا كلما إجانا فخر الدين جديد بفلّ بكير؟». وقع على المسرح ليعلن بهذا الارتماء المُشتهى وداعَ الحياة. يدمع نجله وهو يذكر نقل جثمانه المهين على ظهر سيارة أجرة من سوريا إلى لبنان. كانت المعارك طاحنة، وقلّت جرأة عبور الحواجز. في وداعه، قال فيلمون لمنصور: «السِيْبة (سلالم) تحتاج إلى ثلاث قوائم. بغيابه انكسرت إحدى قوائمها، ولا مفرّ من التعكيز».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.