برنامج حافل أعد لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي يزور اليوم طهران، في باردة هي الأولى من نوعها منذ 12 عاما كما أن فابيوس هو أول وزير دولة غربية كبرى يحط في العاصمة الإيرانية منذ سنوات. ولإبراز مدى اهتمام الحكومة الإيرانية بالوزير الفرنسي، فإنه لن يكتفي بلقاء نظيره محمد جواد ظريف الذي دعاه رسميا إلى التوجه إلى طهران عدة مرات، بل سيجتمع مع الرئيس حسن روحاني ومع رئيس البرلمان علي لاريجاني ونائبة الرئيس المكلفة شؤون البيئة معصومة ابتكار ووزير الصناعة والتجارة رضا نعمت زاده والأميرال علي شمخاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي. وتبين اللقاءات اتساع المواضيع التي ينوي الوزير فابيوس التداول بشأنها مع الطرف الإيراني حيث إنها تشمل ملفات الطاقة النووية وعلى رأسها تنفيذ إيران بنود الاتفاق المبرم معها في 14 الشهر الجاري والملفات الثنائية والإقليمية والجوانب الأمنية بالإضافة إلى ملف البيئة. ويشكل الملف الأخير أحد اهتمامات الوزير فابيوس شخصيا لأنه المكلف الإعداد لمؤتمر البيئة الذي ستستضيفه باريس أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) القادم وهو حريص على إنجاحه. وحرصت الخارجية الفرنسية أمس، في بيان صادر عنها، على تأكيد أن فابيوس «سيغتنم الفرصة للتباحث في شأن العلاقات الفرنسية - الإيرانية بما فيها القضايا الإقليمية وتحديات قمة المناخ».
بيد أن فرنسا تنتظر الكثير من هذه الزيارة التي تريد أن ترى فيها «اختبارا» لإيران وفق ما قاله الرئيس فرنسوا هولاند ليل الاثنين - الثلاثاء حيث اعتبر أن «الطريقة التي سيستقبل فيها فابيوس ستعد تقويما لأداء إيران» الجديدة أي إيران ما بعد الاتفاق النووي. ولمزيد من الإيضاح، فإن هولاند أعلن أنه «ينتظر من (الرئيس) روحاني أن يبرهن الآن على قدرة إيران على تسهيل تسوية الأزمات الخطيرة التي تضرب المنطقة (الشرق الأوسط) وتحديدا سوريا». وأضاف هولاند أن إيران «يجب أن تكون بلدا يوفر الحلول (لهذه الأزمات) ومنها المسألة اللبنانية وسوريا واليمن والبحرين». وباختصار، فإن باريس بحسب مصادر رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» تريد أن تبرهن طهران أن «إيران ما بعد الاتفاق ليست إيران ما قبل الاتفاق». وبكلام آخر، تسعى باريس للتأكد من أن القادة الإيرانيين، بعد اجتيازهم عتبة الاتفاق، سيكونون أكثر استعدادا لتبريد حرارة الأزمات المشتعلة في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية وأنهم قادرون على الضغط على الأطراف التي دعموها لحملها على سلوك التسويات السياسية.
الواقع أن الوزير فابيوس الذي كان أول من أعلن عن رغبته بزيارة طهران بعد 24 ساعة فقط على توقيع اتفاق فيينا، لم يكن راغبا في الإسراع بالتوجه إلى طهران. لكن عاملين اثنين دفعاه لتقريب موعدها: الأول، مسارعة نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابريل في سلوك طريق إيران والثاني الضغوط التي تعرض لها رئيس الجمهورية وفابيوس من قبل أرباب العمل الذين دفعوه إلى التسريع مخافة أن «يصلوا متأخرين» وأن يحصد الآخرون ثمار الاتفاق. وإحدى الحجج التي لجأ إليها هؤلاء هي أن رجال الأعمال الأميركيين والأوروبيين لم ينتظروا الاتفاق حتى يتوجهوا إلى طهران وأنه يتعين على الحكومة أن تتحرك باكرا خصوصا أن فرنسا، بسبب الدور المتشدد الذي لعبه فابيوس أثناء المفاوضات النووية، ربما ستجد صعوبة أكبر في إقناع الإيرانيين بإعطاء دور مهم للشركات الفرنسية.
كان لافتا أن فابيوس الذي أراد إبعاد شبهة الهرولة وراء العقود الإيرانية الاقتصادية والتجارية رغم أهمية السوق الإيرانية التي يبلغ سكانها نحو 80 مليون نسمة والتي تحتاج لكل شيء بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية، حرص على التركيز على الجوانب السياسية والأمنية في الزيارة. فضلا عن ذلك، فإنه لم يصطحب أي رجل أعمال في الوفد الذي يرافقه إلى العاصمة الإيرانية. وسيتوجه رجال الأعمال إلى طهران بوفد كبير في شهر سبتمبر (أيلول) القادم.
لا تجد باريس «حرجا» في الانفتاح على إيران ولا ترى حاجة في «تبرير» موقفها وموافقتها على الاتفاق النووي لأنها بذلت جهودا كبرى لجعل الاتفاق أكثر تشددا فضلا عنه أنها أخذت بعين الاعتبار «هواجس» أصدقائها الخليجيين وغير الخليجيين الذين يتخوفون من أن تستخدم إيران قوتها الضاربة المالية الجديدة المقدرة بـ150 مليار دولار لزعزعة أمن المنطقة ودعم حلفائها كالنظام السوري والحوثيين وحزب الله.. وقول باريس إنها «وفت بتعهداتها» لأصدقائها وإن انفتاحها على إيران «لن يكون بأي حال على حساب أمن ومصالح بلدان الخليج». وفي أي حال، تبدو باريس مقتنعة بأن الاتفاق النووي هو «لصالح البلدان الخليجية لأنه يقطع الطريق على إيران لبناء قدرات نووية عسكرية» بفضل الشروط القاسية التي يفرضها على طهران كما أنه يقطع الطريق على تنافس خليجي للحصول على القدرات النووية العسكرية.
وتقول المصادر الفرنسية إن ما تسعى باريس إليه في الوقت الحاضر هو «إعادة إطلاق العلاقات الثنائية مع طهران بعد مرحلة جليدية استمرت طيلة عهدي الرئيس السابق أحمدي نجاد». ولذا، فإن الصفحة «الجديدة» التي فتحت بين البلدين هي في الواقع مرحلة «إعادة بناء علاقة» تدهورت كثيرا في السنوات الماضية وتوافر لها اليوم بعد الاتفاق النووي «الأساس» الذي يمكن أن تبنى عليه. بيد أن ما يعوزها هو «بناء الثقة» المفقودة بحيث أن المهمة الأولى للوزير فابيوس في طهران ستكون «النظر في إمكانات التعاون والتلاقي» بين عاصمتين «تباعد بينهما الكثير من المواقف المتضاربة» بشأن الأزمات المستفحلة في الشرق الأوسط. وتصف باريس الخطوة الدبلوماسية التي أقدمت عليها بأنها بالطبع «رهان على المستقبل ولكنه رهان غير مضمون النتائج» بالنظر لتعقيدات المشهد السياسي الداخلي وحروب الأجنحة داخل القيادة الإيرانية.
من هذا المنطلق، تبدو زيارة فابيوس «استكشافية» وغرضها تمهيد الطريق لتعميق التعاون مع إبقاء عينيها مفتوحتين إذ تقول المصادر الفرنسية ما حرفيته: «سنحكم على أفعال إيران وتصرفاتها وليس على أقوالها». وسيتم ذلك «عبر اختبار إيران لمعرفة ما إذا كان يمكن تحويلها إلى عامل استقرار في المنطقة وليس أن تستمر عامل اضطراب وقلق فيها». والترجمة العملية لذلك ستكون عبر «البحث مع المسؤولين الإيرانيين فيما يستطيعون القيام به بشأن الأزمات المستفحلة» من سوريا إلى لبنان واليمن والعراق وأمن الخليج. أما الرهان الفرنسي الآخر فقوامه أن الانفتاح على طهران «سيكون من نتائجه المباشرة تعزيز دور وموقع التيار المعتدل» الذي يمثله الرئيس روحاني. ولذا، فإن «التطبيع» معها سيكون مفيدا على جبهتين: الأولى، الداخلية حيث ستتمكن الحكومة القائمة من حصد ثمار الانفتاح واستثماره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وانتخابيا والثانية، الخارجية حيث «لن تكون طهران قادرة على التصرف بعد الاتفاق والتطبيع والانخراط في الدورة الدولية كما كانت تتصرف عندما كانت معزولة على المسرح الدولي».
مصادر فرنسية: المرحلة الجديدة مع إيران «رهان على المستقبل».. لكنه «غير مضمون»
فابيوس في طهران اليوم وأزمات الشرق الأوسط واليمن على رأس جدول مباحثاته
مصادر فرنسية: المرحلة الجديدة مع إيران «رهان على المستقبل».. لكنه «غير مضمون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة