واشنطن تعين مبعوثًا جديدًا للملف السوري يتقن العربية والتواصل مع الصحافة

تحد أمام راتني للحصول على الدعم الكامل من البيت الأبيض

مايكل راتني
مايكل راتني
TT

واشنطن تعين مبعوثًا جديدًا للملف السوري يتقن العربية والتواصل مع الصحافة

مايكل راتني
مايكل راتني

في وقت تشهد فيه السياسة الأميركية تغيرا جزئيا مع دعم الخطة التركية لفرض منطقة «آمنة» داخل الحدود السورية - التركية، أعلن مساء أول من أمس عن تعيين مندوب جديد أميركي لسوريا، وهو الثالث منذ بدء الأزمة السورية قبل أربع سنوات. ويأتي قرار تعيين مايكل راتني، القنصل الأميركي العام السابق في القدس، وكان قد عمل دبلوماسيا في العراق ولبنان والمغرب وقطر، مع تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري «إننا ما زلنا ملتزمين بالتوصل إلى انتقال سياسي مبني على التفاوض من (حكم الرئيس السوري) بشار الأسد والعمل على ردع التهديد المشترك للإرهاب ودعم المعارضة المعتدلة ومعالجة الأزمة الإنسانية وتأثيرها على دول جوار سوريا».
وأعلن كيري في بيان تعيين راتني وهو يتقن اللغة العربية وكان مسؤول الخارجية الأميركية عن التواصل مع الإعلام المختص في شؤون الشرق الأوسط «مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى سوريا».
وراتني يخلف في منصبه الدبلوماسي دانييل روبنشتاين الذي عين سفيرا في تونس والذي كان خلف بدوره روبرت فورد الذي كان سفيرا في دمشق قبل محاولته تجميع المعارضة السورية «المعتدلة» وقبل أن يستقيل عام 2014. وشجع كيري الموفد الأميركي الجديد على «مواصلة العمل المهم الذي بدأه سلفه ليوضح رؤيتنا للنزاع المعقد والمدمر في سوريا».
وأشاد السفير الأميركي المتقاعد والزميل في معهد «المجلس الأطلسي» فريد هوف باختيار راتني، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن راتني خيار ممتاز، لديه خبرة عميقة في المنطقة وقدرات تواصل ممتازة». وأضاف: «إنه من الناس الذين يجب أن يحظوا بحرية تحرك واسعة من البيت الأبيض ووزير الخارجية (جون كيري)، ولكن هذا سيكون تحديه: أن يدخل سياسة صلبة في دوائر قد لا تقدر كليا ما يطرحه على طاولة النقاش».
ويذكر أن أوباما كان قد عين هوف المستشار الخاص للانتقال في سوريا في مارس (آذار) 2012 بمرتبه سفير بعد أن كان «المنسق الخاص للشؤون الإقليمية» في مكتب المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام حينها جورج ميتشال. وعبر هوف عن الحيرة التي شعر بها عدد من الدبلوماسيين والمتمرسين في شؤون الشرق الأوسط من إدارة أوباما، في حديثه عن هذا التحدي، معتبرا أن هذا كان التحدي الذي واجه المبعوثين السابقين دانيال روبنستاين وروبرت فورد. وشرح أن «كي ينجح المبعوث الخاص، يجب تقديره كليا ودعمه من قبل مديره في الخارجية الأميركية (أي كيري) وممن البيت الأبيض». وأضاف: «إنه بكل تأكيد يستأهل أن يعامل كمسؤول رفيع المستوى والمصدر الرئيسي للنصائح السياسية حول سوريا». ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011. والإدارة الأميركية تواجه مشاكل داخلية في كيفية معالجة الملف السوري مع اختلاف وجهات نظر داخل الأوساط السياسية الأميركية وحذر داخل البيت الأبيض من التدخل في سوريا.
يذكر أن راتني من الدبلوماسيين الأميركيين المدركين لأوضاع المنطقة والحريص على التواصل مع أوساط عربية مختلفة. ومتزوج كارين ساساهارا، وهي نائبة رئيسة البعثة الأميركية لليمن، وكانت في صنعاء حتى إغلاق السفارة هناك. وساساهارا من المختصين في الشؤون الشرق الأوسطية في وزارة الخارجية الأميركية وعملت دبلوماسية في سفارات أميركية عدة، من بينها بغداد والقاهرة ولندن بالإضافة إلى القنصلية الأميركية في جدة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.