زلزال جديد يوقع ضحايا ويثير رعباً في تركيا

بعد مباشرة إزالة الأنقاض ووعد إردوغان بمساكن آمنة وتحديد مواعيد بدء الدراسة

الرئيس إردوغان وإلى جانبه دولت بهشلي في هاتاي (رويترز)
الرئيس إردوغان وإلى جانبه دولت بهشلي في هاتاي (رويترز)
TT

زلزال جديد يوقع ضحايا ويثير رعباً في تركيا

الرئيس إردوغان وإلى جانبه دولت بهشلي في هاتاي (رويترز)
الرئيس إردوغان وإلى جانبه دولت بهشلي في هاتاي (رويترز)

في اليوم الخامس عشر على الزلزالين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سوريا، وفيما أعلن في أنقرة رسمياً عن انتهاء أعمال الانقاذ وبدء مرحلة ازالة الركام وبعدها اعادة الإعمار، ضرب زلزال جديد بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر في منطقة دفنة بولاية هاتاي مساء أمس (الاثنين)، ما أدى إلى سقوط ضحايا وأبنية، وسط حالة من الرعب بين السكان.
وسُمع صوت انفجار شديد وأصوات انهيار مبانٍ في مدينة أنطاكيا بالتزامن مع الزلزال الجديد.
وشعر سكان سوريا ولبنان وفلسطين والعراق بالزلزال الذي أعقبته هزة شديدة بقوة 5.8 ريختر في منطقة صامان يولو في هاتاي أيضاً.
وغادر نزلاء بعض الفنادق في مركز هاتاي إلى الشوارع بعد أن شعروا بهزة قوية كما تحطّم بعض واجهات المنازل. وشوهد مسعفون ينقلون بعض المصابين. وحوصر بعض الأشخاص تحت أنقاض مبانٍ انهارت نتيجة للزلزال والهزة التي أعقبته.
وأكدت إدارة الكوارث والزلازل أن الزلزال وصلت قوته إلى 6.4 درجة ووقع في تمام الساعة 20:04 بالتوقيت المحلي (تغ 3)، في ولاية هاتاي، إحدى الولايات العشر التي ضربها زلزالان قويان مركزهما كهرمان ماراش في 6 فبراير (شباط) الحالي، بقوة 7.7 و7.6 أديا إلى مقتل 41 ألفاً و156 شخصاً، وانهيار 118 ألف مبنى، مع إصابة أكثر من 800 ألف مبنى بأضرار متفاوتة.
وأفيد من الشمال السوري بأن الزلزال الجديد أدى إلى سقوط عدد من الأبنية السكنية في مناطق الأتارب وسلقين وجنديرس وأعزاز بريفي حلب وإدلب، وعلق مدنيون تحت الأنقاض، فيما شهد معظم المدن والمناطق في شمال غربي سوريا، خروج المواطنين إلى الشوارع خشية تساقط الأبنية عليهم، وسط حالة من الخوف والرعب، الذي ترافق مع سماع دوي سيارات الإسعاف واستنفار القوى الأمنية على الطرق ومداخل المدن الرئيسية في الباب وأعزاز وسرمدا وجنديرس وسلقين وحارم والدانا شمال غربي سوريا.
وكانت الولايات المنكوبة بزلزالي 6 فبراير (شباط) في تركيا في اليوم الخامس عشر لوقوع الكارثة شهدت تسارعاً في حركة إزالة الركام والمباني التي تحتاج إلى إزالة. وتواصلت على نحو سريع أيضاً إقامة تجمعات الحاويات في كهرمان ماراش وهاتاي وولايات أخرى، وتزويدها بالكهرباء والتدفئة عبر وحدات الطاقة الشمسية، وتوزيعها على الأسر المتضررة مع إعطاء الأولوية لكبار السن والمعاقين، وتوفير الخدمات الطبية والاحتياجات الأساسية فيها. واستؤنفت الدراسة، الاثنين، في 71 ولاية تركية بعد انتهاء إجازة نصف العام الدراسي التي تم تمديدها من 6 إلى 20 فبراير بسبب وقوع الزلزال، بينما ستستأنف الدراسة في 10 ولايات منكوبة في مواعيد مختلفة خلال شهر مارس (آذار) المقبل حسب الوضع في كل ولاية.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي زار هاتاي ومعه شريكه في «تحالف الشعب» رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي الذي يزور للمرة الأولى إحدى الولايات المنكوبة، أن زلزالي 6 فبراير «تسببا في انهيار 118 ألف مبنى، وتم إخلاء 412 ألف وحدة مستقلة (شقة) على وجه السرعة، كما تمت إزالة حطام أكثر من 71 ألف وحدة مستقلة، كما تم نقل مواطنينا في أكثر من 133 ألف وحدة مستقلة في أكثر من 24 ألف بناية ذات أضرار متوسطة إلى ملاجئ مؤقتة أو أماكن آمنة».
وأضاف إردوغان «أنه تم تحديد 3 ملايين و108 آلاف وحدة مستقلة على أنها متضررة بشكل طفيف أو غير تالفة»، مشيراً إلى أن «عملية تقييم الأضرار التي تجريها وزارة البيئة والتطوير العمراني والتحضر، على وشك الانتهاء، ويمكن لمواطنينا الوصول إلى معلوماتهم حول حالة الأضرار التي لحقت بمنازلهم من خلال موقع الحكومة الإلكتروني».
وذكر إردوغان، أن حصيلة القتلى بلغت 41 ألفاً و156 مواطناً، وبلغ عدد المصابين 114 ألفاً و834 شخصاً، وسيتم إعلان الأرقام النهائية بعد الانتهاء من إزالة الركام.
وتابع، أن عملية البناء ستبدأ قريباً جداً، وسيكون ارتفاع المباني من 3 إلى 4 طوابق فقط. ومع تقييم الأضرار سيزداد عدد المساكن في كل ولاية، ويتم تحديد نوعية الأرض والمسافة من خطوط الصدع بواسطة المتخصصين والأكاديميين، لتحديد أفضل المناطق لبناء المساكن الجديدة.
وبينما تسعى الحكومة التركية إلى الإسراع بالبدء في أعمال إعادة البناء، حذر العضو المؤسس لأكاديمية العلوم عالم الجيولوجيا ناجي غورور، «من البدء سريعاً في إقامة منشآت خرسانية في المناطق التي تعرضت لأضرار كبيرة جراء الزلزالين العنيفين».
ومع بدء عملية إزالة الأنقاض على قدم وساق في الولايات المنكوبة تمهيداً للبدء بإعادة البناء، قال غورور، وهو خبير بارز في علم الزلازل في تركيا، إنه «إذا لم تستخدم الخرسانة المسلحة مسبقة الصب، والمعدة منذ فترة، فلا تلجأوا لصب الخرسانة في الإنشاءات إلا بعد فترة من الوقت؛ لأن توابع الزلزال الصغيرة والكبيرة لا تزال تحدث في كثير من الأحيان». وأعلن وزير البيئة والتطوير العمراني والتحضر مراد كوروم، الاثنين «أن أكبر عملية بناء للمساكن في تاريخ البلاد ستجري في عام واحد، في الولايات المتضررة».
وحول مواعيد استئناف الدراسة بالولايات المنكوبة، قال إردوغان «قمنا بتقييم حالة كل من مدارسنا الابتدائية والثانوية، وحددنا موعد استئناف الدراسة في 1 مارس في أضنة وديار بكر وكيليس وشانلي أورفا، و13 مارس في غازي عنتاب وعثمانية، و27 مارس في هاتاي وكهرمان ماراش، ونقدم جميع سبل الراحة لطلابنا الذين يرغبون في الانتقال إلى ولايات أخرى، حيث سيكون بمقدورهم التحويل إلى المدارس الداخلية لمواصلة تعليمهم».
واستؤنفت الدراسة، أمس (الاثنين)، في 71 ولاية بعد أن تأجل استئناف الدراسة في النصف الثاني للعام الدراسي من 6 فبراير إلى 20 فبراير بسبب وقوع كارثة الزلزال.
ولا يأبه بعض المواطنين بخطر الانهيارات، ويتدافعون لنقل محتويات منازلهم إلى منازل أخرى استأجروها في ولايات أخرى، أو إلى مخازن حتى يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم بعد بنائها من جديد.
ويستمر نزوح المواطنين من الولايات المنكوبة إلى ولايات أخرى، حيث قرروا العيش مع أقاربهم، أو استئجار منازل في ولايات بعيدة عن موطنهم الأصلي، إلى حين الانتهاء من بناء بيوتهم.
في الوقت ذاته، أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، انطلاق سفينة من إيطاليا تحمل دفعة أولى من منازل متنقلة (حاويات السكن) خصصها الحلف للإسهام في إيواء المتضررين من الزلزال في تركيا.
وبحسب بيان لحلف «الناتو»، ليل الأحد، انطلقت السفينة من ميناء تارانتو الإيطالي، وعلى متنها 600 منزل متنقل من أصل أكثر من ألف منزل مجهز، قرر الحلف إرسالها إلى تركيا، في سياق هدفه توفير مأوى مؤقت لنحو 4 آلاف شخص على الأقل.
وبدوره، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «أن الولايات المتحدة ستواصل دعم حليفتها تركيا طالما اقتضى الأمر، في أعقاب كارثة الزلزالين المدمرين»، معلناً دعماً بمبلغ 100 مليون دولار للمساعدة في مواجهة آثار الكارثة.
وقال بلينكن، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو عقب مباحثاتهما في أنقرة الاثنين، إنه شاهد «مأساة في المناطق المنكوبة خلال جولة فيها بالطائرة مع نظيره التركي، فقد دمرت آلاف المباني، وفقد المواطنون منازلهم وعائلاتهم وسيطرت مأساة كبيرة في تلك المناطق».
وأضاف، أنه تمكن بالكاد من الدخول من باب السفارة الأميركية في أنقرة «بسبب تكدس المساعدات التي سترسل إلى المناطق المنكوبة بالزلزال».


مقالات ذات صلة

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية سكان مالاطيا غادروا منازلهم وبقوا في الشوارع بسبب الهلع من الزلزال (إعلام تركي)

زلزال بقوة 5.9 درجة ضرب شمال تركيا وأعاد ذكريات «كهرمان ماراش»

ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة على مقياس ريختر ولاية مالاطيا في شرق تركيا تأثرت به بعض المناطق في جنوب شرقي البلاد وفي شمال سوريا ولم يسفر عن ضحايا أو إصابات خطيرة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية لآثار الزلزال الذي ضرب ملاطية العام الماضي (غيتي)

شعر به سكان مدن سورية... زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب شرق تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.9 درجة هز إقليم ملاطية في جنوب شرق تركيا، اليوم الأربعاء، وشعر به سكان مدن سورية.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.