على الرغم من أن الشعار الاقتصادي، ممثلاً في مساعي تحويل مشروع منطقة التجارة الحرة الأفريقية إلى واقع، كان العنوان الأبرز لقمة الاتحاد الأفريقي السادسة والثلاثين، فإن القضايا السياسية والأمنية زاحمت، كالمعتاد، الشواغل الاقتصادية للقارة التي تشتهر بثرواتها الطبيعية، لكنها تعاني تفشياً للفقر والصراعات المسلحة.
وبينما شدد موسى فقي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في ختام مشاورات القمة، الأحد، على أولوية مشروع منطقة التجارة الحرة، مؤكداً أن عدداً من الدول بدأ بالفعل مرحلة التنفيذ، إلا أنه عاد إلى التحذير من أن البنية التحتية اللازمة لنجاحها «ما زالت مفقودة»، لافتاً إلى أن «600 مليون أفريقي لا يحصلون على الكهرباء».
وتوصف «اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية» بأنها الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، حيث تضم 54 دولة من أصل 55 دولة في قارة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.
ولا تتجاوز التجارة البينية الأفريقية حتى الآن 15 في المائة فقط من إجمالي تجارة القارة مع العالم، وتستهدف منطقة التجارة الحرة الوصول بالتبادل التجاري القاري إلى 60 في المائة بحلول عام 2034 من خلال إلغاء متدرج لجميع التعريفات الجمركية.
ويرى جورج ديفيز، الباحث الاقتصادي في الشؤون الأفريقية، وزميل مركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية في باريس، أن تركيز القمة على إقامة منطقة تجارة حرة، يعكس إدراكاً لأهمية هذا المشروع، إلا أن الإجراءات التنفيذية «تسير بوتيرة بطيئة بشكل مقلق»، لافتاً إلى أن الوصول إلى نتائج على الأرض «يتطلب أكثر من حسن النية».
يقول ديفيز لـ«الشرق الأوسط»، إن اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية دخلت حيز التنفيذ قبل عامين بعد التوقيع عليها، لكن الإجراءات التنفيذية واجهت تحديات نتيجة تأثير الأزمات العالمية، مشيراً إلى «صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها دول القارة، فأكثر من 22 دولة أفريقية إما مدينون أو معرضون لخطر كبير، بسبب عدم تمكنهم من معالجة الهزات الارتدادية للأزمات الاقتصادية التي يعانيها العالم حالياً».
ويشدد الباحث الاقتصادي على أن منطقة التجارة الحرة «يمكن أن تساعد القارة في مواجهة تحدياتها الملحة وتحقيق تطلعات أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، إذ يمكن أن يزيد الدخل الحقيقي بمقدار 571 مليار دولار إضافية، مما يخلق 17.9 مليون وظيفة جديدة وينتشل 50 مليوناً من الفقر المدقع بحلول عام 2035».
لكن ديفيز يستدرك أن «الأمر يتطلب إصلاحات جوهرية وعملاً مشتركاً بين دول القارة، في مقدمتها تسهيل التجارة بين الأقاليم وحرية تنقل الأشخاص، وتعزيز الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين ممارسة الأعمال التجارية، وتبسيط متطلبات التجارة، ورقمنة الإجراءات الإدارية».
كذلك، حازت قضايا السلم والأمن في القارة أولوية في مناقشات القادة الأفارقة وفي نتائج القمة، إذ أظهر الاتحاد الأفريقي تشدداً واضحاً إزاء مواجهة «التغييرات غير الدستورية»، وجدد تأكيد «عدم تسامحه المطلق» في هذا الشأن.
وأبقى الاتحاد على تعليق عضوية بوركينا فاسو ومالي وغينيا والسودان، في وقت كانت تسعى فيه تلك الدول إلى استعادة عضويتها. وكان الاتحاد علق عضوية مالي وغينيا والسودان عام 2021، ثم عضوية بوركينا فاسو بعد عام على خلفية استيلاء الجيش على السلطة. كما تم استمرار تعليق عضوية مالي وبوركينا فاسو وغينيا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). وطلبت الدول الثلاث في العاشر من فبراير (شباط) الحالي، إلغاء تعليق عضويتها في المجموعة وكذلك في الاتحاد الأفريقي، مبدية أسفها إزاء «العقوبات المفروضة».
ومن المتوقع أن تجرى انتخابات عامة لاستعادة المسار الدستوري عام 2024 في مالي وبوركينا فاسو، وعام 2025 في غينيا، فيما لا يزال المشهد «غائماً» في السودان.
وحظيت القضية الفلسطينية بدعم واضح في ختام قمة الاتحاد الأفريقي، إذ أكد بيان القادة الأفارقة «الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي».
واستهجن الاتحاد الأفريقي، في بيانه الختامي، استمرار التعنت الإسرائيلي، والحكومات المتعاقبة برفض المبادرات والدعوات المتكررة من القيادة الفلسطينية ومن المجتمع الدولي، للانخراط في مفاوضات سلمية.
وزاد الموقف الأفريقي الداعم للحق الفلسطيني بروزاً بعد دعوة محمد أشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، لمخاطبة الجلسة الافتتاحية للقمة، وهي ذاتها الجلسة التي شهدت واقعة طرد مبعوثة إسرائيلية، حاولت الحضور رغم قرار سابق من الاتحاد بتعليق منح إسرائيل صفة «عضو مراقب» لديه.
وأعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي إجراء تحقيق لمعرفة كيفية دخول الوفد الإسرائيلي، الذي تقوده شارون بارلي، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية المكلفة بأفريقيا، إلى قاعة المؤتمر.
وقال فقي، في ختام أعمال القمة: «لم توجه أي دعوة إلى رسميين إسرائيليين للقمة، وطلبنا من المسؤول الإسرائيلي الذي دخل إلى القاعة المغادرة... نحن بصدد إجراء التحريات اللازمة (لمعرفة كيفية دخول) الشخصية الإسرائيلية التي لا تقيم في إثيوبيا وقدمت من إسرائيل».
وكانت القمة التي عقدت في فبراير (شباط) 2022، كلفت لجنة تضم 7 رؤساء دول أفريقية بدراسة منح إسرائيل صفة مراقب من عدمه، ولم تصدر اللجنة قرارها بعد، وهو ما يعني استمرار «تعليق» قرار العضوية لأجل غير مسمى حتى الآن.
ويؤكد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن نتائج القمة سعت إلى مواكبة أبرز التحديات التي تواجهها القارة، لا سيما في ملفات الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن المائي، مشيراً إلى أن تداعيات ما وصفه بـ«ثالوث الأزمات» (جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وتغير المناخ) «فاقمت من تأثير تلك التحديات».
وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط»، أن عمليات التنمية المستدامة تتطلب تنسيقاً أفريقياً، وكذلك ترتيبات مع الشركاء الدوليين للقارة، سواء من الدول أو الجهات المانحة، فعمليات التنمية في القارة «تحتاج إلى استثمارات هائلة لا تستطيع الدول الأفريقية وحدها الوفاء بها».
وشدد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، على ضرورة أن تتحرك أفريقياً بشكل جماعي للاستفادة من التنافس الدولي على القارة، وإقناع القوى الكبرى بأهمية مد يد العون لمساعدة القارة في مواجهة تحدياتها، لافتاً إلى أن القوى الإقليمية والدولية لديها فرصة لتعزيز حضورها في القارة عبر المساعدة في تجاوز هذه الأزمات، بدلاً من محاولات الاستقطاب.
القمة الأفريقية... تمسّك بالاستقرار ودفع لـ«التجارة الحرة»
القمة الأفريقية... تمسّك بالاستقرار ودفع لـ«التجارة الحرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة