تقويم المدارس خطوة لعلاج فقر التعلم

معظم الخطط التنموية استهدفت التعليم باعتباره محركاً للاقتصاد (غيتي)
معظم الخطط التنموية استهدفت التعليم باعتباره محركاً للاقتصاد (غيتي)
TT

تقويم المدارس خطوة لعلاج فقر التعلم

معظم الخطط التنموية استهدفت التعليم باعتباره محركاً للاقتصاد (غيتي)
معظم الخطط التنموية استهدفت التعليم باعتباره محركاً للاقتصاد (غيتي)

في عام 2015، أطلقت الأمم المتحدة «خطة التنمية المستدامة (2030)»، التي وعدت فيها بالقضاء على الفقر في العالم. وكان هدفها الرابع «ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع».
وتبعاً لذلك، أطلقت العديد من دول العالم (من بينها السعودية) خططها التنموية للوصول إلى عام 2030. معظم هذه الخطط استهدف التعليم باعتباره محركاً للاقتصاد، فعدَّته السعودية محوراً وركيزة أساسية نحو تقليل الاعتماد على النفط. وفي سبيل ذلك، وضعت العديد من الأهداف التي تمكّن التعليم السعودي من أن يكون رافداً للاقتصاد.
ومع انطلاق هذه الجهود واجهت دول العالم أزمة «كوفيد - 19» التي أصبحت فيما بعد أزمة التعليم، وفقاً لما أشار إليه تقرير الأمم المتحدة الصادر عن «قمة التحول في التعليم (2022)»، الذي نُشر الشهر الماضي، وكشف أن فقر التعلم الذي كان قد وصل إلى نسبة 57 في المائة عام 2019، عاود الارتفاع إلى 70 في المائة بسبب الجائحة.
هذه الأخبار المقلقة تصبح أكثر من محزنة عندما نتحدث عن أطفال العالم العربي، ونجد أنهم من أكثر الأطفال في العالم معاناة من فقر التعلم، حيث تصل النسبة عربياً إلى 63 في المائة (38 في المائة في السعودية)، في مقابل 4 في المائة في بريطانيا على سبيل المثال. والمقصود بفقر التعلم عدم قدرة الأطفال في سن العاشرة على فهم نص قصير يتكون من 80 كلمة.
ويشير التقرير إلى أن هؤلاء الأطفال سيخسرون - إذا لم تُحَل مشكلتهم - ما قيمته 17 تريليون دولار من دخلهم السنوي، ولن يتمكنوا من الالتحاق بوظائف جيدة؛ كون فهم المقروء يساهم في فهم بقية المواد الدراسية، مما يؤثر في اكتسابهم المهارات والقدرات التي تجعلهم منافسين لأقرانهم في الحصول على مستقبل بعيد عن شبح الفقر المادي.
كما أشارت دراسة أُجريت العام الماضي، وأشار إليها «صندوق النقد الدولي» (Gust, Hanushek & Ludger; 2022) إلى أن 70 في المائة من الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يستطيعون الوصول إلى مستوى المهارات الأساسية، وهي المهارات اللازمة للمشاركة المنتجة في الاقتصادات الحديثة.
وتشير الدراسة نفسها إلى أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذا تمكنت من ردم هذه الفجوة في المهارات، فإنها ستستطيع أن تضيف إلى دخلها المحلي ما يساوي 886 في المائة، مما يعني تحقيق نمو اقتصادي كبير وواعد، والرفاه للمجتمعات العربية.
إن هذه الأرقام المبشرة بالحلول نتاج دراسات امتدت لعشرات السنين قام بها العديد من الباحثين، ومنها دراسة لإريك هانوشك ولودجر ووزمان في 2015، رصدت الارتباط بين نواتج التعلم وزيادة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة منذ 1960 وحتى سنة 2000. وللتوضيح، يُقصَد بنواتج التعلم المهارات المعرفية والسلوكية والقيم التي يكتسبها الفرد من التعلُّم وتظهر في تصرفاته وسلوكه وأدائه العملي. لذلك تشير المنظمات العالمية المهتمة بالاقتصاد والتعليم إلى أهمية اعتبار نواتج التعلم أولوية، وأن يستهدفها إصلاح التعليم وسياساته. كما أشارت إلى ضرورة المشاركة في الاختبارات الدولية التي تُعدّ نتائجها مؤشراً على تحسُّن نواتج التعلم، وبالتالي اكتساب الأفراد للمهارات التي سترتبط مستقبلاً بزيادة دخلهم، ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي.
كما تظهر الدراسات أن تحسين نواتج التعلم يحتاج إلى جهود كبيرة؛ فدولة مثل إندونيسيا - بحسب ورقة «البنك الدولي» - ستحتاج إلى 74 سنة حتى تصل إلى كفاءة أداء دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» (OECD)، مثل بريطانيا في نتائج القراءة، و48 سنة للرياضيات.
وتعلق شويلتنا سابراوال، وهي «خبير اقتصادي أول» في «البنك الدولي»، ومسؤولة عن ممارسات التعليم، بأن أول الجهود لتحقيق تحسن في نواتج التعلم - وبالتالي النمو الاقتصادي - تعريض هذه النواتج للقياس بشكل دوري حتى تكون نتائج هذا القياس القائدَ والموجه لسياسات التعليم. وينسجم هذا مع دعوة «البنك الدولي» دول العالم إلى بناء نظام تقويم لمهارات الأطفال بصفة دورية.
في السعودية، أنشأ النظام التعليمي هيئة تقويم التعليم والتدريب، التي تقود أهم مبادرتين تتعلقان بالمهارات واكتسابها في برنامج تنمية القدرات البشرية، وهي إطار المهارات الوطني ونظام التعرف على المهارات، وتستهدف تحديد المهارات المطلوبة لمختلف الوظائف، ووضع نظام لتقويم مهارات الأفراد. كما أنها تقود أيضاً مبادرة البحث والتطوير والابتكار في مهارات المستقبل؛ لتحديد المهارات التي يحتاج إليها سوق العمل، وسد الفجوات بين العرض والطلب.
وتجري الهيئة حزمة من الاختبارات التي تقيس جودة أداء الطلاب والطالبات في مواد الرياضيات والعلوم والقراءة، وهي المواد التي تعكس المهارات التي يحتاج إليها الاقتصاد لنموه، إضافة إلى اختبارات رُخَص المعلمين وأعمال تقويم أداء المدارس الحكومية واعتماد المدارس الأهلية والعالمية.
ويستخدم برنامج «تنمية القدرات البشرية» نتائج كل ما سبق كمؤشرات لجودة التعليم في السعودية. كما تُنشر هذه البيانات لتحقيق الشفافية ودفع أهل المصلحة من الآباء والأمهات والباحثين والإعلاميين والاقتصاديين، لمعرفة درجة تحسُّن فرص اكتساب المهارات التي يساهم بها التعليم السعودي من جهة، أو حتى دعم قرار إبقاء التلميذ في هذه المدرسة أو نقله لأخرى، وكذلك مراجعة مساحة مشاركة الأهل في رحلة أبنائهم التعليمية، خصوصاً أن «البنك الدولي» في تقريره عن حالة التعليم سنة 2021، أشار بوضوح إلى أن مساهمة الأسرة في منح أبنائها فرص التعلم تقارب 70 في المائة.
ويحتوي «مؤشر ترتيب» الذي أُطلقت النسخة الثانية منه، مطلع الشهر الحالي، على قوائم عدة تضم إدارات التعليم ومكاتب التعليم والمدارس، وترتب فيها هذه المؤسسات حسب أداء الطلاب والطالبات في الاختبارات التحصيلية واختبار القدرات العامة، على أن تُضاف نتائج الاختبارات الوطنية في النسخ المقبلة، وتليها الرخص وتقويم واعتماد المدارس.
وإضافة إلى السماح بالرقابة المجتمعية على التعليم لتحسينه، تمكِّن البيانات والمعلومات التي يقدمها «المؤشر» من رصد تطور القضاء على فقر التعلُّم الذي وضعت الأمم المتحدة تقليله إلى النصف هدفاً لدول العالم بحلول 2030. هذا بخلاف دعم تحسين فرص نمو الاقتصاد، عبر تحسُّن نواتج التعليم التي قدرتها دراسة «هانوشك» في حالة السعودية بزيادة تصل إلى 965 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

- باحثة سعودية في مجال التعليم


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

6 ساعات تحت الأحكام العرفية... ما الذي حدث في كوريا الجنوبية؟

كوريون جنوبيون يحملون لافتات مكتوباً عليها «اعتقلوا يون سوك يول» خلال تجمع جماهيري في سيول اليوم (أ.ب)
كوريون جنوبيون يحملون لافتات مكتوباً عليها «اعتقلوا يون سوك يول» خلال تجمع جماهيري في سيول اليوم (أ.ب)
TT

6 ساعات تحت الأحكام العرفية... ما الذي حدث في كوريا الجنوبية؟

كوريون جنوبيون يحملون لافتات مكتوباً عليها «اعتقلوا يون سوك يول» خلال تجمع جماهيري في سيول اليوم (أ.ب)
كوريون جنوبيون يحملون لافتات مكتوباً عليها «اعتقلوا يون سوك يول» خلال تجمع جماهيري في سيول اليوم (أ.ب)

أمضت كوريا الجنوبية نحو 6 ساعات تحت الأحكام العرفية، بعد أن أصدر الرئيس يون سوك يول إعلاناً مفاجئاً ومثيراً للصدمة في البلاد أمس.

وحاصرت القوات البرلمان، بعد أن اتهم يون القوات الموالية لكوريا الشمالية بالتخطيط للإطاحة بواحدة من أكثر الديمقراطيات حيوية في العالم. وأعرب المشرعون عن غضبهم، وصوّتوا لإنهاء الإعلان، وتحرك الرئيس لرفع الأحكام العرفية قبل فجر الأربعاء، بعد تصويت البرلمان ضد الإجراء، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية.

وأثارت هذه الإجراءات الجدل لزعيم كافح من أجل تمرير أجندته، من خلال برلمان تُهيمن عليه المعارضة، في حين تورّط هو وزوجته في فضائح فساد، وفق تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

ولم يقدم يون أي دليل مباشر عندما أثار شبح كوريا الشمالية بوصفها قوة مزعزعة للاستقرار. ولطالما أكد يون أن الخط الصارم ضد الشمال هو الطريق الوحيد لمنع بيونغ يانغ من تنفيذ تهديداتها النووية ضد سيول.

تفاصيل المؤامرة «المناهضة للدولة» غامضة

وبعد إعلان يون مباشرة، استدعى رئيس الجيش كبار القادة لإجراء محادثات، وأقامت القوات الكورية الجنوبية حواجز، ثم شقّت طريقها إلى البرلمان.

وأمر زعيم المعارضة الرئيسة، التي تُسيطر على البرلمان، المشرعين بالعودة إلى المبنى؛ حيث صوّتوا في النهاية على رفع إعلان الأحكام العرفية.

مظاهرات طلابية حاشدة في كوريا تطالب برفع الأحكام العرفية واستقالة رئيس الوزراء شين هيون هواك ورئيس المخابرات المركزية تشون دو هوان في مايو 1980 (أ.ب)

ورفع يون مرسوم الأحكام العرفية نحو الساعة 4:30 صباحاً فجر الأربعاء، أثناء اجتماع لمجلس الوزراء. وكان إعلان يون مصحوباً باتهام المعارضة بأنها منخرطة في «أنشطة مناهضة للدولة والتخطيط للتمرد»، لكنه لم يشرح ماذا يعني ذلك، ولم يُقدم أي دليل محدد.

وفي أواخر الثمانينات، كان لدى كوريا الجنوبية سلسلة من الزعماء الأقوياء الذين استدعوا خطر كوريا الشمالية مراراً وتكراراً عندما كانوا يكافحون للسيطرة على المنشقين المحليين والمعارضين السياسيين.

معارضة المشرعين من كلا الجانبين

وانتقدت المعارضة تحرك يون، ووصفته بأنه غير ديمقراطي. ووصف زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ، الذي خسر بفارق ضئيل أمام يون في الانتخابات الرئاسية عام 2022، إعلان يون بأنه «غير قانوني وغير دستوري».

لكن الإعلان المفاجئ عارضه أيضاً زعيم حزب يون «المحافظ»، هان دونغ هون، الذي وصف القرار بأنه «خاطئ» وتعهد «بوقفه مع الشعب».

وكتب كيم دونغ يون، حاكم حزب «المعارضة» في مقاطعة غيونغ جي، التي تُحيط بسيول، على موقع «إكس»: «سيمنع الشعب خطوة الرئيس المناهضة للدستور. يجب أن يكون الجيش إلى جانب الجمهور في كل الأحوال. دعونا نعارضها بحزم».

موظف في الجمعية الوطنية يقوم بالرش بطفايات الحريق لمنع الجنود من دخول القاعة الرئيسة للجمعية الوطنية في سيول (أ.ب)

وكان الكوريون الجنوبيون العاديون في حالة صدمة غمرت وسائل التواصل الاجتماعي برسائل تُعبر عن المفاجأة والقلق بشأن إعلان يون.

وقال «الحزب الديمقراطي» في بيان: «سنرفع دعوى بتهمة التمرّد» ضدّ كل من رئيس الجمهورية ووزيري الدفاع والداخلية و«شخصيات رئيسة في الجيش والشرطة متورطة» في إعلان حالة الأحكام العرفية، مشيراً إلى أن المعارضة ستسعى كذلك إلى عزل الرئيس عبر محاكمته برلمانياً.

وتقدّمت أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية، الأربعاء، باقتراح لاتخاذ إجراءات لعزل الرئيس، الذي يواجه ضغوطاً للاستقالة من منصبه أو عزله. ويتطلب اتخاذ إجراءات لعزل يون دعم ثلثي البرلمان للاقتراح، وبعد ذلك دعم ما لا يقل عن 6 من قضاة المحكمة الدستورية.

يون يكافح سياسياً

كانت هناك مزاعم سريعة بأن إعلان الطوارئ مرتبط بما يواجهه يون في عالم السياسة، فوفقاً لتقرير وكالة «أسوشييتد برس»، فقد انخفضت شعبية الرئيس الكوري الجنوبي، ولم يُحقق سوى نجاح ضئيل في جعل البرلمان، الذي تُسيطر عليه المعارضة، يعتمد سياساته منذ توليه السلطة في عام 2022.

وهذا الشهر، نفى يون ارتكاب أي مخالفات في فضيحة استغلال النفوذ التي تورط فيها هو وزوجته. وقد أدّت هذه المزاعم إلى تقويض معدلات تأييده، وأثارت هجمات من قِبَل منافسيه.

وتتركز الفضيحة على مزاعم مفادها أن يون والسيدة الأولى كيم كيون هي مارسا نفوذاً غير مناسب على حزب «قوة الشعب» الحاكم المحافظ لاختيار مرشح معين للترشح في انتخابات برلمانية فرعية في عام 2022 بناءً على طلب ميونغ تاي كيون، وسيط الانتخابات ومؤسس وكالة استطلاعات الرأي التي أجرت استطلاعات رأي مجانية ليون قبل أن يصبح رئيساً. وقال يون إنه لم يفعل شيئاً غير لائق.

الأحكام العرفية حساسة للغاية في كوريا الجنوبية

لم تصبح كوريا الجنوبية دولة ديمقراطية إلا في أواخر ثمانينات القرن العشرين، ولا يزال التدخل العسكري في الشؤون المدنية موضوعاً حساساً.

وخلال الأنظمة التي نشأت مع إعادة بناء البلاد بعد الدمار الذي خلّفته الحرب الكورية في الفترة من 1950 إلى 1953، أعلن القادة من حين لآخر الأحكام العرفية التي سمحت لهم بنشر جنود ودبابات ومركبات مدرعة في الشوارع أو في الأماكن العامة لمنع المظاهرات المناهضة للحكومة، كما أن مثل هذه المشاهد لا يمكن تصورها بالنسبة لكثيرين اليوم، وفقاً لـ«أسوشييتد برس».

قوات مسلحة تابعة للحكومة الكورية الجنوبية تحرس المتمردين الذين تم القبض عليهم في غوانغجو بكوريا الجنوبية 27 مايو 1980 (أ.ب)

وقاد بارك تشونغ هي، الذي حكم كوريا الجنوبية لنحو عشرين عاماً قبل أن يغتاله رئيس أجهزته الاستخباراتية عام 1979، عدة آلاف من القوات إلى سيول في الساعات الأولى من صباح السادس عشر من مايو (أيار) 1961، في أول انقلاب ناجح في البلاد. وخلال حكمه، أعلن الأحكام العرفية من حين لآخر لقمع الاحتجاجات وسجن المنتقدين.

وبعد أقل من شهرين من وفاة بارك تشونغ هي، قاد اللواء تشون دو هوان الدبابات والقوات إلى سيول في ديسمبر (كانون الأول) 1979 في ثاني انقلاب ناجح في البلاد. وفي العام التالي، نظّم حملة عسكرية وحشية على انتفاضة مؤيدة للديمقراطية في مدينة غوانغجو الجنوبية، ما أسفر عن مقتل 200 شخص على الأقل.

وفي صيف عام 1987، أجبرت الاحتجاجات الضخمة في الشوارع حكومة تشون على قبول الانتخابات الرئاسية المباشرة. وفاز زميله في الجيش روه تاي وو، الذي انضم إلى انقلاب تشون عام 1979، بالانتخابات التي عقدت في وقت لاحق من عام 1987، بفضل الأصوات المنقسمة بين مرشحي المعارضة الليبرالية.