واشنطن تتهم الصين وروسيا وإيران وليبيا بعدم مكافحة الاتجار بالبشر

كيري يدعو إلى «النضال الشامل ضد العبودية الحديثة»

وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال إطلاقه تقرير الاتجار بالبشر في مقر وزارة الخارجية الأميركية أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال إطلاقه تقرير الاتجار بالبشر في مقر وزارة الخارجية الأميركية أمس (إ.ب.أ)
TT

واشنطن تتهم الصين وروسيا وإيران وليبيا بعدم مكافحة الاتجار بالبشر

وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال إطلاقه تقرير الاتجار بالبشر في مقر وزارة الخارجية الأميركية أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال إطلاقه تقرير الاتجار بالبشر في مقر وزارة الخارجية الأميركية أمس (إ.ب.أ)

اتهمت الولايات المتحدة، أمس، تايلاند وروسيا وإيران وليبيا بعدم بذل جهود كافية لمكافحة الاتجار بالبشر، وذلك في تقرير سنوي حول ما يوصف بـ«العبودية الحديثة».
وهذه الدول مدرجة على غرار فنزويلا والجزائر وسوريا واليمن وكوريا الشمالية وزيمبابوي على أدنى لائحة تعدها وزارة الخارجية الأميركية سنويًا، وأعلنها وزير الخارجية جون كيري داعيًا إلى خوض «المعركة ضد العبودية الحديثة».
والدول المدرجة في الفئة الثالثة التي تأتي في أسفل القائمة، متهمة بعدم احترام المعايير والقوانين الدولية الخاصة بالاتجار بالبشر «ولا تبذل جهودًا كافية للقيام بذلك»، طبقًا للتقرير المؤلف من 382 صفحة.
وبقيت روسيا في الفئة الثالثة منذ عام 2013، وهو ما أثار غضب موسكو حينذاك، وتظهر الإحصاءات وجود ما بين 5 و12 مليون عامل أجنبي في روسيا.
وكشف التقرير أن «الكثير من هؤلاء العمال المهاجرين يعانون من ظروف العمل الاستغلالية التي تتسم بها حالات الاتجار مثل حجز وثائق الهوية وعدم تلقي أجر مقابل الخدمات التي يقدمونها، والتعرض للإساءة الجسدية، أو العيش في ظروف صعبة للغاية».
وأفاد التقرير السنوي أن روسيا ليست لديها خطة عمل وطنية أو أموال لمنع الاتجار بالبشر، و«عمليات المحاسبة القضائية لا تزال متدنية مقارنة مع حجم مشكلة الاتجار التي تعاني منها روسيا».
وفي المقابل، سجلت ماليزيا التي تراجع ترتيبها العام الماضي إلى آخر اللائحة، تحسنًا كبيرًا هذه السنة، وأصبحت في الفئة الثانية للدول «الخاضعة للمراقبة» بفضل «الجهود الكبيرة» التي بذلتها كوالالمبور في هذا المجال.
إلا أن ائتلافًا غير ربحي مؤلفًا يضم جمعيات حقوقية مقرها الولايات المتحدة، قال إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حسنت مركز ماليزيا في اللائحة «بشكل غير منصف»، لأن واشنطن تتفاوض على اتفاق تجارة كبير مع دول آسيا ومنها ماليزيا.
وقالت مديرة «التحالف لإنهاء العبودية والاتجار بالبشر»، ميليسا سبربر، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «السماح للمصالح السياسية بالتأثير على كيفية محاسبة الحكومات على هذه الجريمة البشعة، يشكك في نزاهة تقرير الاتجار بالبشر والتزام الولايات المتحدة بمنع الاتجار بالبشر».
وأما الصين التي انتقلت في 2014 إلى الدول «الخاضعة للمراقبة» فقد بقيت في هذه الفئة.
وكوبا التي بقيت في الفئة الثالثة لمدة 12 عامًا، انتقلت إلى قائمة «الدول الخاضعة للمراقبة» هذا العام، حيث تحدث التقرير عن «الجهود المستمرة لتطبيق القانون» وملاحقة وإدانة المتهمين بالاتجار بالبشر لأغراض الجنس.
ومعظم الدول الغربية في أوروبا، وكذلك الولايات المتحدة وأستراليا إلى جانب إسرائيل وتايوان وتشيلي وأرمينيا، مدرجة في الفئة الأولى وتلقى إشادة لمكافحتها الاتجار بالبشر والاحترام الكامل للمعايير الدولية.
وتقول منظمة العمل الدولية إن «الاتجار بالبشر يدر أرباحًا سنوية تقدر بـ150 مليار دولار يأتي 99 مليارًا منها من قطاع المتاجرة بالجنس».
وتقدر الولايات المتحدة عدد ضحايا الاتجار بالبشر بنحو عشرين مليون شخص.
وأعرب كيري في مقدمة التقرير عن أن «الاتجار بالبشر إهانة للكرامة البشرية واعتداء على الحرية». ودعا إلى «النضال الشامل ضد العبودية الحديثة». وأكد أن «الاتجار بالبشر ليس مشكلة يتعين معالجتها، بل هي جريمة يجب وقفها».
وأشار التقرير إلى أن مشكلة الاتجار بالبشر في تايلاند تتركز على تجارة الجنس في هذا البلد، ومن بين ضحاياها أشخاص من بورما ولاوس وكمبوديا المجاورة. كما وردت تقارير عن عمليات استغلال وإساءة في تجارة صيد السمك. وأضاف التقرير أن «بعض المسؤولين التايلانديين يتساهلون مع جرائم الاتجار، ولا يزال الفساد يقوض جهود مكافحة الاتجار بالبشر».
وأصدرت سفارة تايلاند لدى واشنطن بيانًا قالت فيه إن «تايلاند تعارض بشدة التقييم الأحادي الوارد في التقرير الذي لا يعكس بدقة الحقيقة، ولا يأخذ في الاعتبار الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة التايلاندية على جميع الجبهات خلال العام الماضي».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.