القفطان الأزرق ****
تفاصيل فنية مهمّة
لفيلم مريم توزياني الجديد
من بين ما قيل في فيلم مريم توزياني الجديد «القفطان الأزرق»، هو أنه فيلم يُروّج للمثليَّة. لكن فعل ترويج أي شيء ينضوي على بيع فكرة ما لجمهور راغب، أو تحبيذ لمفهوم معين على نحو تسويقي بحيث يمكن حينها أن نقول إن هذا الفيلم أو ذاك هو دعاية مباشرة للمثلية أو لأي موضوع ساخن آخر.
ليس كل فيلم فيه شخصية مثليَّة هو فيلم يروج لها. وما يُحسب لهذا الفيلم المغربي الذي تم إرساله للأوسكار ممثلاً بلاده. هي أن المخرجة تتحدث في وضع وليس في غاية. هو مشغول بتفاصيل فنية تشابه تلك التفاصيل الفنية التي تميّز ما تعمل بطلة الفيلم كخياطة تصنع القفاطين بكل دقة وحرفية.
«القفطان الأزرق» هو ثاني فيلم للمخرجة توزياني. الأول كان «آدم» وفيه قارنت بين حياة امرأة عاملة (لديها محل صغير تبيع فيه المعجنات المغربية) تضطر إلى استقبال امرأة حبلى طردتها عائلتها ووجدت نفسها في أزقة المدينة. بطلة هذا الفيلم، مينا (لبنة أزابال) هي أيضاً امرأة عاملة والمخرجة تنتقي بطلاتها بعناية. في «آدم» هي أرملة ولديها فتاة صغيرة. في «القفطان الأزرق»، هي متزوّجة بلا إنجاب. المحل الذي تملكه وتديره هو محل خياطة متخصص في القفطانات المغربية. شغل اليد. يعاونها فيه زوجها حليم (صالح بكري) كذلك شاب اسمه يوسف (أيوب ميساوي).
المخرجة مريم توزياني (أ.ف.ب)
تخط المخرجة حكايتها بعناية فائقة. لا تريد أن تضم للفيلم مشهداً مبنياً على رد فعل عاطفي. مينا امرأة تعيش بثدي واحد نتيجة إصابتها بالسرطان. زوجها مثلي يكتم عواطفه. هناك مشهد مبكر يشي بذلك يقع في حمام الرجال. لكن لاحقاً التوتر الجنسي يقوم بينه وبين يوسف. هناك العديد من المشاهد، التي نفّذتها المخرجة بنجاح. لديها موهبة تأطير مشاهد معينة بما يناسب الوضع الذي تتحدث فيه. بذلك يبدو الفيلم وبطلته توأمان كاملان.
اختيارات المخرجة من الكادرات يلتصق بالجو المطلوب لمهنة فنية تشابه ما تقوم به المخرجة توزياني. هي وبطلتها تطرّزان. المخرجة تطرّز الفيلم بإيقاع هادئ وبطلتها تطرز الملابس النسائية التقليدية وتدافع عن مهنتها التي تحبها.
مع حلول الذكرى الثامنة لرحيل الفنان المصري محمود عبد العزيز الشهير بـ«الساحر»، احتفل محبوه على «السوشيال ميديا»، الثلاثاء، بتداول مشاهد من أعماله الفنية.
يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.
كريستين حبيب (بيروت)
كيف عبرت سينما لبنان عن حروبه وأزماته؟https://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7/5069781-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%B9%D8%A8%D8%B1%D8%AA-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%87-%D9%88%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%9F
بينما تقصف الطائرات الإسرائيلية مناطق لبنانية عدّة وتدمّر بلدات وضواحي، وتُغير على المدن صغيرة وكبيرة، لا يسعُ المرء إلا ضمّ هذه الفترة الحاسمة التي يمر بها لبنان إلى فترات ومراحلَ عاشها هذا الوطن المكبّل منذ نحو نصف قرن. هذا إذا ما عفونا عما سبق ذلك من مراحل صعبة أخرى وإن لم تكن بهذه الحدّة.
أفلام أولى
انطلقت الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975 وازدادت شراسة بعد أشهر قبل أن تتحوّل إلى منوال حياة لنحو 16 سنة. خلالها وبعدها كان من الطبيعي للسينما أن تصوّر تلك الحرب من زوايا مختلفة. هي مجرد تسجيل وتوثيق في أفلام، ودراميات منتشرة على جانبي خط التماس في أفلام أخرى. بطبيعة الحال انتمى معظمها للتعبير عن الأسى والمُصاب وكيف أن شعب بلدٍ واحد تشرذم سياسياً وعمد إلى السّلاح لإثبات أن الآخر يجب أن يُمحى.
المخرج جورج شمشوم أنجز فيلماً وثائقياً طويلاً بعنوان «لبنان لماذا». العنوان نفسه يحمل حزناً أكبر من السؤال المطروح عبره. صُوّر على جانبي الخط الفاصل بين الفُرقاء وجاء، في نسخته الأولى غير المعدّلة، عاكساً لرغبة المخرج تسجيلَ الحقائق بحياد.
على بُعدٍ يسير حقّق الرّاحل رفيق حجّار «الملجأ» (في مطلع الثمانينات) ليصفَ وقعَ الحربِ على أبرياء مسلمين ومسيحيين. نظرة حيادية أخرى تحميها الغاية الإنسانية التي تبنّاها الفيلم.
بعد ذلك ازداد عددُ الأفلام التي تداولت تلك الحرب حتى - وربما خصوصاً - من بعد نهاية سنواتها المريرة. من أبرز أعمال تلك الفترة «زنّار النار» لبهيج حجيج تدور قصّة حول أستاذ مدرسة يواجه أزمتين حادتين، واحدة شخصية وعاطفية، والأخرى أزمة الحرب الواقعة.
الأزمة تتبدّى كذلك عبر تطلّعات فتاة تعيش جوّ عائلتها المسيحية في الفيلم الأول لدانيال عربيد «معارك حب»، تناولتها من زوايا مختلفة المخرجة مي المصري في «يوميات بيروت»، و«أحلام المنفى»، و«أطفال شاتيلا»، وهي مجموعة من أعمال حققتها وزوجها الراحل جان شمعون، تناولت الوضع اللبناني من خلال المأساة الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية التي، للحقيقة، قلّما تباعدت فعلياً خلال نصف قرن من الزمان بدءاً بعمليات اغتيال شخصيات لبنانية وفلسطينية عدّة في الستينات وما بعد.
بين بغدادي وعلوية
قبل ذلك بأعوام، قاد مخرجان لبنانيان قطار الحديث عن لبنان كأزمة عيش وأزمة حرب. المخرجان هما برهان علوية، ومارون بغدادي. كلاهما رحل. الأول في المنفى، والثاني خلال زيارة لبيروت آتٍ من فرنسا حيث كان انتمى إلى هيكل أعمالها.
في «بيروت اللقاء» لعلوية (1982)، حكاية لقاءٍ لا يتم بين مسلم ومسيحية. الظروف المانعة هي تلك الحرب المجنونة. وجهة نظر الفيلم هي ما تعنيه الحرب من انكسارات نفسية وعاطفية. ليس أن حيدر (هيثم الأمين)، وزينة (نادين عاقوري)، عاشقان قبل أو خلال تلك الحرب، بل كلاهما ينشد معرفة الآخر لعله يعرف نفسه أكثر.
الرغبة في المعرفة قادت مارون بغدادي لتحقيق فيلمين عن هذا الموضوع هما، «بيروت يا بيروت» (1975)، و«حروب صغيرة» (1982). الأول تعبيرٌ عن الشعور الداخلي الذي كان ينتاب المخرج حيال التركيبة الطائفية والاجتماعية. بطلته (ميراي معلوف) تسعى لمعرفة الآخر، في حين صديقها المثقف (جوزيف بو نصّار)، محافظٌ يؤمن بالتباعد وليس مهتماً بمعرفة ذلك لآخر. كلاهما من عائلتين مسيحيّتين، والآخر لا بد أن يكون الطّرف المسلم الذي يؤيد القضية الفلسطينية والعدالة الاجتماعية والعروبة.
في فيلمه اللاحق «حروب صغيرة» (الأفضل حرفياً من سابقه)، نقل بغدادي المعادلات نفسها إلى وطيس الحرب الأهلية. النماذج التي تعبّر عن مواقف هي ثابتة: المرأة التي تنشد المعرفة. المسلم الذي يبحث عن مستقبل، والمسيحي الملتزم.
سجل حساب
من الأفلام التي طَرحت إفرازات الموقف بعد الحرب وعلى نحو جيد ومحسوب، فيلم زياد الدويري «القضية 23» (2017). أحداثه تقع بعد الحرب بسنوات، بيد أن بعض أسبابها لا تزال قائمة: طوني (عادل كرم)، رجل من المهجَّرين منذ أن اكتسح المقاتلون الفلسطينيون واليساريون منطقة الدامور خلال الحرب الأهلية، يعيش الآن في بيروت (الشرقية)، ويعمل في كاراجه ويشحن بطارياته السياسية بخطب زعماء اليمين اللبناني حاملاً ضغينة ضد الفلسطينيين. لذلك، ما إن سمِع لهجة رجل فلسطيني يقف تحت شُرفة منزله حتى رمى عليه الماء.
الفلسطيني هو ياسر (كامل الباشا)، يعمل وكيلَ عمّالٍ في البلدية، ويشرف على تنفيذ إصلاحات في الشارع حيث يعيش طوني، الذي يُخبر ياسر في مطلع المشادة بينهما «يا ليت شارون قضى عليكم جميعاً». التجاذب يُدلي إلى مشادة، والقضية تُرفع إلى المحكمة بين شخصين؛ الأول ما زال يحمل مبادئه السياسية، والآخر يحاول أن يحافظ على موقعه ليعيش. في مرافعات طوني حديثٌ عن أن الفلسطيني يُعامَل في لبنان أفضل من معاملة اللبناني في بلده. لكن المحكمة حكمت لصالح الفلسطيني، خصوصاً أنه مُتعاقد رسمياً مع مؤسسة الحكومة للقيام بما عُهد إليه من أعمال.
هذا واحد من سجلِّ الحسابات المفتوحة التي ما زال الوضع السياسي يعجّ بها إلى اليوم. لكنه ليس السجِّل الوحيد. على سبيل المثال حظت قضية المخطوفين والمفقودين ببعض الأفلام التي عالجت ذلك الجرح الغائر. ربما دفنته لدى بعضهم الأيام وصولاً إلى الحال الراهن، لكنّ الأحياء الذين عانوا من غياب أفراد عائلاتهم ما زالوا يتذكرون ويتألمون.
أفضلُ تصوير لذلك ورد في فيلم «طرس... الصعود إلى المرئي» لغسان حلواني (2019). تسجيلي مشغول بوصفه نبشاً فنياً وموضوعياً فريداً في جدار الذاكرة.
في صميمها، هذه نماذج من كثير من الأفلام التي صاحبت تلك الحرب الأهلية، ومن ثَمّ تابعتها أو أتت بجديد مُستنتج منها وصولاً إلى وضع جديد حاضر سيُنتج بدوره أفلاماً أخرى.