السفارديم والمورسكيون.. رحلة التهجير والتوطين في بلاد المغرب

السفارديم والمورسكيون.. رحلة التهجير والتوطين في بلاد المغرب
TT

السفارديم والمورسكيون.. رحلة التهجير والتوطين في بلاد المغرب

السفارديم والمورسكيون.. رحلة التهجير والتوطين في بلاد المغرب

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت بالتعاون مع دار السويدي في أبوظبي، كتاب جديد في أدب الرحلة من تأليف الدكتور حسام الدين شاشية صدر في جزأين، الجزء الأول يتناول الروايات والمسارات، أما الجزء الثاني فيتناول الملاحق والفهارس. يقع الكتاب في «572 صفحة - الجزء الأول» و«192 صفحة - الجزء الثاني».
الكتاب حصل على جائزة ابن بطوطة للدراسات 2014 - 2015.
يقول محرر «ارتياد الآفاق» عن الكتاب: «هذه أول دراسة تاريخية مقارنة من نوعها ينجزها باحث عربي حول الموضوعين السفارديمي والموريسكي، اعتمدت المصادر الأصلية باللغات العربية والإسبانية والعبرية ولغات أخرى، لتحيط بواقعة طرد وتهجير المنتمين إلى الفئتين الموريسكية والسفارديمية من الأندلس. تمكن الباحث من الوصول إلى الأرشيفات ومراكز البحث المختلفة، خصوصا في إسبانيا، وأفاد من الوثائق الضرورية، وقام بالكثير من الزيارات الميدانية لمسرح دراسته، بين عالمي الطرد والتوطين».
وتذهب الدراسة إلى التأكيد على أن الملكين الكاثوليكيين وإن فتحا الباب للطرد على أساس فكر استئصالي ديني، فإنهما سرعان ما حولا سياستهما عبر القارات الملحقة التي تخير السفارديم بين اعتناق المسيحية والطرد، إلى عملية صهر قسري للأقلية.
وتبرهن الدراسة في إطار المقارنة بين مجتمعي الطرد والتوطين على أن الاختلاف الأساسي المفسر لفشل عملية دمج الأقليتين في المجتمع الإسباني ونجاحه في المجتمعات المغاربية مرتبط بعاملين جوهريين يتعلقان بالهوية وعامل الزمن.
وتخلص إلى أن قلق الهوية الذي عاشه المجتمع الإسباني خصوصا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر يعتبر سببا رئيسيا في تراجيديا الطرد، قلق عاشته المجتمعات المعاصرة وكان سببا في كثير من المآسي التاريخية المشابهة، كمأساة الأرمن مع بداية القرن العشرين، والتوتسي سنة 1994، أو مسلمي سربرنيتسا سنة 1995، وهو إلى حد اليوم يمثل مشكلا مؤرقا للمجتمعات غير القادرة على إدارة اختلافاتها الإثنية، اللغوية والدينية.



رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح

رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح
TT

رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح

رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح

بعد النجاح الذي حققته روايته «تغريبة القافر»، والتي تُوجت بجائزة «البوكر العربية»، صدرت عن دار «مسكيلياني» للروائي العماني زهران القاسمي روايته الجديدة «الرَّوع» التي تدور في عالمه الأثير، وهو البيئة العمانية الريفية من خلال القرى والجبال والمنحدرات والسهول وما يكتنفها من مفارقات ودراما خلف هدوء الطبيعة الخادع.

ويشير عنوان الرواية إلى تلك الفزاعة أو التمثال المزيف الذي ينتصب في الحقول وحول المزارع في المناطق المفتوحة غير الآمنة، بهدف إخافة الطيور والحيوانات نهاراً واللصوص ليلاً، حيث أبدع بطل النص «محجان» في تشييد «الرَّوع» الخاص به من أجود أنواع الأخشاب وغطاه بالأقمشة على نحو متقن وبارع، حتى إنه هو نفسه يندهش مما صنعته يداه: «وقف مطوَّلاً أمام عمله البديع متأملاً التفاصيل التي ساعدت في اكتماله، شيء لا يُصدّق؛ كيف استطاع أخيراً صنعه، وبذلك الكمال لدرجة أن الحياةَ ستدبّ في أوصالهِ؛ سَيجْري الدم في العروق، وينتشر الدفءُ فيه؟ شعَر بفخرٍ ونشوةٍ خرجتْ على شكل نفَسٍ عميقٍ وزفرةٍ طويلةٍ حتى كادَت رئتاه تخرجان مع الهواء».

تتطور الأحداث سريعاً لتصاب القرية بلعنة الجفاف وغيرها من المصائب الموسمية، فتكون المفاجأة أن أهاليها يلقون باللائمة على روع «محجان» وقد تحول في نظرهم إلى أصل كل الشرور، لكن الأكثر غرابة هو انتفاء الحد الفاصل بين الواقع والخيال في علاقة «محجان» بتمثاله؛ إذ يسكنه خوف مقيم ورعب حقيقي من «الرَّوع» وقد بدا له أنه لعنة تطارده في الصحو والمنام.

و«محجان» هو لقب بطل الرواية؛ إذ إن اسمه «عبيد بن ربيع»، لكنه لُقِّب بـ«محجان»؛ لأنه «يشبه (محجان) الراعيات، تلك العصا الطويلة التي يخبِطنَ بها أوراقَ الأشجارِ العاليةِ لتتساقط إطعاماً للماشية. فما إن أكملَ سنواتِ طفولته حتى صار أطولَ مَن في القريةِ».

ومن أجواء الرواية، نقرأ:

«جثّةٌ بلا رأس، بلا كفَّيْن أو قدمَيْن، تَمْثُلُ مصلوبةً على روع الحقل. كانت تستقبلُ بصدرها الغربَ، عاريةً إلّا من خرقةٍ ممزّقةٍ تستر وسطَها وقد نزَّ الدمُ من رقبتها وسالَ على صدرِها وتخثّر. رجلاها مربوطتان على الجذع دونَ أن تلامسَ أصابعُهما التراب. لمن هذه الجثّة يا إلهي؟ من أين جاءت؟ كيف وصلَتْ إلى المكان؟ ومن أتى بها؟

سقَطَ محجان لهول المفاجأة، وظلَّ في إغماءته تلك زمناً قبل أن يستيقظ ثانيةً ليُشاهدَ ذلك الجسدَ الممزّق بالطعنِ والجروح في كلِّ جزءٍ منه. ازدادَ جحوظُ عينَيه وتشنُّجُ قسماتِ وجهه. وأخذت أصابعُه تنبشُ في التّرابِ عميقاً لعلّه يحفرُ مخبأً يقيه من الموت الجاثم أمامه؛ إذ لَمْ يسبق له أن رأى شيئاً كهذا في حياته. اسودّت الدنيا في عينَيه، وكأنّ جاثوماً يضغطُ عليه ويُكبّل حركتَه وهو يحاولُ جاهداً الخروجَ من الكابوس، يحاولُ أن يقفز أو يهوي، وبعدَها يصحو، وليَكُنْ ما يكون.

ورغم ذلك، فإنّ الخوف الذي امتلأتْ به تلك اللّحظة، وجسدُهُ مُلقًى على التراب، لم يمنَعْ ضحكةً سمجةً من التجاوب في صدرِه؛ إذ سخرَ فجأةً من الموقف كلّه، ووصَفه بالكذبة. فلطالما سمعَ الأكاذيب وعاشَ في متاهاتها. ألَمْ يكن كُلُّ مَنْ حَوْلَهُ يكذب؟ والدموعُ التي فاضت ذاتَ يومٍ على فقيدٍ في القرية، ألَمْ تسبقها لعناتٌ كثيرةٌ عليه؟ وماذا يخفي الحبّ، خلفَ أقنعة الوجوه، غير الكراهية والحقد؟ والطّاعةُ؟ ألا يتوارى بين طيّاتها عصيانٌ بغيض؟

رفعَ عينَيه إلى السماء مُستجدياً، فلمحَ قبيلةً من الغربان. ركضَ وتعثّر، قامَ وسقط، إلّا أنّه لم يجرؤ على الاستسلام. تعثّر مرّةً أخيرةً قُبيلَ خروجِه من مزرعته. تلقّفَ الأرض براحتَي يدَيه كي لا يرتطمَ وجهُه بالطمي، وأحسّ بالمكان يجتذبُه إليه ليعيقَه عن الذهاب، وشعرَ بكائناتٍ سوداء تسحبُه محاوِلةً إرجاعَه إلى الروع.

- حسّيت كأنّي أنا المصلوب.

تلك هي الجملة الّتي سيظلّ يُردّدُها وهو يحكي الحكايةَ مرّاتٍ عديدةً لزوجته وأهل قريته المشدوهين».