أقمار صناعية وروّاد وابتكارات يقودون رحلة السعودية إلى الفضاء

الاهتمام بدأ منذ 1977 والهدف بناء القدرات الوطنية وخدمة الإنسانية والأجيال القادمة

من عام 2000 وحتى 2020 تم إطلاق 17 قمراً صناعياً سعودياً كان آخرها «شاهين سات» (واس)
من عام 2000 وحتى 2020 تم إطلاق 17 قمراً صناعياً سعودياً كان آخرها «شاهين سات» (واس)
TT

أقمار صناعية وروّاد وابتكارات يقودون رحلة السعودية إلى الفضاء

من عام 2000 وحتى 2020 تم إطلاق 17 قمراً صناعياً سعودياً كان آخرها «شاهين سات» (واس)
من عام 2000 وحتى 2020 تم إطلاق 17 قمراً صناعياً سعودياً كان آخرها «شاهين سات» (واس)

كانت رحلات الفضاء قبل الستينات الميلادية، أقرب إلى التصورات الخياليّة بالنسبة للبشريّة، حتّى سجل المواطن السوفياتي يوري غاغارين، في منتصف شهر أبريل (نيسان) من عام 1961، أول رحلة بشرية فضائية، وفق مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، مسدلاً الستار بذلك أمام استكشاف البشر للفضاء.
وتأتي الرحلة العلمية التي أعلنت السعودية (الأحد)، عن التحاق أول رائدة فضاء سعودية ورائد فضاء سعودي (ريانة برناوي، وعلي القرني) بطاقم مهمة «AX - 2» الفضائية، إلى محطة الفضاء الدولية خلال الربع الثاني من عام 2023. بالإضافة إلى تدريب رائدة ورائد الفضاء (علي الغامدي، ومريم فردوس) على جميع متطلبات المهمة، لتتوّج جهوداً كبيرة من العمل على تطوير التقنيات المرتبطة بالفضاء وتكشف عن أهمّيتها الفائقة لمستقبل البشرية على عدة صُعُد، حسبما عبّر عنه مختصون علميّون. علاوة على كتابة تاريخ فريد من نوعه للسعودية، بينما يصعد 4 من أبنائها في الوقت نفسه إلى محطة الفضاء الدولية.

أسبقيّة على الصعيد العربي
ووفقاً لمصادر تاريخيّة، كان للسعودية قصب السّبق عربيّاً حينما سجّلت اسمها كأول دولة عربية يصل أحد أبناؤها إلى الفضاء، وهو - نجل خادم الحرمين الشريفين - الأمير سلطان بن سلمان، بمشاركته الأساسيّة في رحلة الفضاء «ديسكفري» عام 1985، تلاه السوريان محمد فارس ومنير حبيب، ثم الإماراتي هزاع المنصوري، وأكّدت مصادر رسميّة هذه المعلومات.

لحظة استقبال خادم الحرمين الشريفين – الأمير آنذاك – سلمان بن عبد العزيز، نجله رائد الفضاء العربي الأمير سلطان، بعد نهاية مهمته في رحلة «ديسكفري» عام 1985. (واس)

تعزيز البحث العلمي والابتكار
ونتيجة للاهتمام السعودي المبكّر بالعلوم التقنية وعلوم الفضاء، أسّست الحكومة السعودية المركز الوطني العربي السعودي للعلوم والتقنية عام 1977. ليكون ملحقاً برئيس مجلس الوزراء، ويضطلع بدوره في إجراء البحوث العلمية التطبيقية في عدة مجالات من ضمنها الفضاء، وبالتزامن مع رحلة الفضاء «ديسكفري» عام 1985، تم تحويل اسم المركز إلى «مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية»، لتعمل المدينة لاحقاً على خطط للنهوض بالقطاع ورسم خطة لنقل وتوطين تقنية الأقمار الصناعية.
وفي عام 1986 أنشأت السعودية «المركز السعودي للاستشعار عن بُعد»، كما أنشأت معهد بحوث الفضاء والطيران في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عام 1997.
وتعزيزاً للتعاون الدولي في هذا الإطار، أسسّت السعودية ممثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية «مركز تميّز الفضاء والأرض» بالتعاون مع «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» و«مركز تميّز أبحاث الفضاء والطيران المشترك» مع جامعة ستانفورد الأميركية.

سلسلة من الأقمار الصناعية
وانطلاقاً من عام 2000 وحتى 2020. تم إطلاق أول قمر صناعي سعودي «سعودي سات بـ1. أ1»، في مقدّمة لإطلاق 16 قمراً صناعيّاً آخرين، كان أبرزها قمر الاتصالات «SGS1» الذي أطلِق في فبراير (شباط) 2019. حاملًا توقيع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وعبارة كتبها بخط اليد «فوق هام السحب»، وانتهاءً بالقمر الصناعي «شاهين سات» في عام 2021 الذي مثّل جيلاً جديداً من الأقمار الصناعية ذات الأحجام الصغيرة.
كما شاركت البلاد بفعالية ضمن الرحلة العلمية المشتركة «تشانغ إي 4» في مايو (أيار) من عام 2018. بالتعاون مع وكالة الفضاء الصينية، في مهمّة نادرة لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر، وجرى حينئذٍ التقاط صور فضائية للقمر باستخدام الأنظمة السعودية لمسح واستكشاف سطح القمر.
وضمن الإشارات اللافتة في جانب تطوير التقنيات السعودية في مجال الفضاء، جاء تطوير وتصنيع القمرين الصناعيين لأغراض الاستطلاع «سعودي سات 5أ»، و«سعودي سات 5»، لتنضم بذلك إلى الجيل الثاني الأعلى دقة من أقمار الاستشعار عن بعد.
ومما يجدر الإشارة إليه أنه يجري تصنيع الأقمار الصناعية السعودية، كأجزاء هيكلية في الورشة الميكانيكية التابعة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، التي باتت اليوم جزءاً من مركز الصناعة الرابعة. حيث يتولّى فريق متخصص في «معهد بحوث الفضاء والطيران» مسؤولية إنتاج الألواح الإلكترونية المطلوبة لتكامل تشغيل القمر الاصطناعي.

مأسسة شؤون الفضاء
وفي الوقت الحالي، تعزز اهتمام البلاد في شؤون وعلوم الفضاء، مع تقدم التقنيات المرتبطة به، عبر إنشاء الهيئة السعودية للفضاء في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2018، بأمر ملكي، وتهدف الهيئة لتنظيم كل ما له صلة بقطاع الفضاء، وتعزيز الأمن والحماية للقطاع من أي مخاطر محتملة، كما تضمن رعاية مصالح السعودية ومكتسباتها في هذا المجال، وتشجع الأنشطة البحثية والصناعية المتصلة بالفضاء، وتنمي الكوادر الوطنية المتخصصة في المجال، وقامت الأمم المتحدة باعتماد الهيئة ممثّلاً رسمياً عن السعودية.

بنية تحتيّة متطوّرة
وتتمتّع السعودية بإمكانيات تقنية عالية، عبر مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي تمتلك بنية تحتية لتجميع واختبار الأقمار الصناعية، ومن ذلك غرف نظيفة وأجهزة اختبار للظروف البيئية الخاصة التي تحاكي الظروف المتوقع أن يتعرض لها القمر الصناعي في الفضاء أو أثناء إرساله بواسطة الصواريخ المخصّصة إلى المدار وتشمل عوامل الاهتزاز، وتفاوت في درجات الحرارة، وانعدام للمجال الجوي، وشدّة الإشعاع الشمسي المسلّط في المدارات الفضائية.
وطبقاً للمدينة، فإن مهام المهندسين السعوديين المسؤولين عن صناعة الأقمار الصناعية تتضمّن، تصميم وبناء واختبار أنظمة الأقمار الصناعية استناداً إلى المعايير الدولية مثل (ECSS) و(IPC)، واكتسبوا خبرة كبيرة في هذا المجال من خلال مجموعة من مشروعات البحث والتطوير في تقنيات الأقمار الصناعية المختلفة، وتغطّي هذه الخبرات المكتسبة مجالات إدارة مشروعات الأقمار الصناعية، وعمليات التصميم والاختبار، وعمليات التحقق والمصادقة، وعمليات المحاكاة، وعمليات معالجة الصور.

تأهيل روّاد الفضاء
وأطلقت الهيئة السعودية للفضاء في وقتٍ سابق «برنامج المملكة لرواد الفضاء»، وتعدّ الرحلة المعلنة مسبقاً بمشاركة روّاد الفضاء السعوديين، أولى مهام هذا البرنامج، حيث تستهدف وفقاً للهيئة السعودية للفضاء، «بناء القدرات الوطنية في مجال الرحلات المأهولة للفضاء، وتعزيز البحث العلمي والابتكار من أجل الإنسانية وإلهام الأجيال القادمة»، كما تأتي ضمن حزمة متكاملة بهدف تأهيل كوادر سعودية متمرّسة لخوض رحلات فضائية والمشاركة في التجارب العلمية والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء.

روّاد الفضاء السعوديّين المشاركين في مهمة «AX-2» الفضائية، إلى محطة الفضاء الدولية (موقع الهيئة السعودية للفضاء)

زيادة اهتمام الخرّيجين بعلوم الفضاء
ونقلاً عن وكالة الأنباء السعودية، أوضح رئيس إدارة مجلس الهيئة السعودية للفضاء، المهندس عبد الله السواحة، أن السعودية تسعى إلى «تفعيل الابتكارات العلمية على مستوى علوم الفضاء، وتعزيز قدرتها على إجراء أبحاثها الخاصة بشكل مستقل بما ينعكس إيجاباً على مستقبل الصناعة والوطن، وزيادة اهتمام الخريجين في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، وتنمية رأس المال البشري، من خلال جذب المواهب وتطوير المهارات اللازمة».

استثمار «تريليوني» في الفضاء
وبالنظر إلى أهمية التقنيات والعلوم المرتبطة بالفضاء، فقد كشفت دراسة أجرتها «مورغان ستانلي» تخطي «اقتصاد الفضاء» تريليون دولار بحلول عام 2040، وذلك بالتركيز على المداخيل الأساسية التي ستكون من عوائد خدمات الأقمار الصناعية والصواريخ، كما توقّعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن تتراوح عوائد الاستثمار - في الفضاء بين قرابة 300 مليار دولار، فيما ذهبت شركة الأبحاث «يوروكونسلت» إلى أنها سوف تصل إلى 360 مليار دولار، كما أبانت بعض التقديرات غير الرسمية عن وجود أكثر من عشرة آلاف شركة حول العالم ونحو خمسة آلاف من كبار المستثمرين يشاركون في صناعة الفضاء، مما يفسّر الأهمية المتصاعدة لهذه الصناعة على مستوى العالم، وفي خطط السعودية التنموية على وجه الخصوص.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».