واشنطن أخفقت بفنزويلا ومادورو بقي في السلطة

بسبب حسابات خاطئة وتبدّل الأولويات بعد غزو أوكرانيا

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (إ.ب.أ)
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (إ.ب.أ)
TT

واشنطن أخفقت بفنزويلا ومادورو بقي في السلطة

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (إ.ب.أ)
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (إ.ب.أ)

بعد أربعة أعوام على اعتراف الولايات المتحدة مع معظم حلفائها بالمُعارض الفنزويلي خوان غوايدو رئيسا مؤقتا لبلده وشنّها حملة لإطاحة الرئيس اليساري نيكولاس مادورو، فشلت خطة واشنطن بسبب حسابات خاطئة في إدارتَي ترمب وبايدن، حسبما قال صناع قرار حاليون وسابقون لوكالة الصحافة الفرنسية.
يمثّل بقاء مادورو على رأس السلطة في فنزويلا فشاً للسياسة الأميركية الهادفة إلى إسقاطه، خصوصا بعد حل الحكومة التي نصّبت نفسها والمدعومة من واشنطن. وتؤكد الولايات المتحدة أنها لا تزال تعتبر مادورو غير شرعي، لكن حتى أشدّ خصومه يعترفون بأن المعادلة تغيّرت.
في مقابلات أجرتها وكالة الصحافة الفرنسية، تحدث صناع قرار حاليون وسابقون عن حسابات خاطئة أجرتها إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب بشأن قوة مادورو وفعالية المعارضة، ثمّ إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن التي تغيّرت أولوياتها بعد بدء غزو روسيا لأوكرانيا.
وقال فريدي غيفارا الذي كان عضوًا في الفريق المُعارض الذي تفاوض مع الحكومة اليسارية في مكسيكو، إن نقطة تحول حدثت في مارس (آذار) عندما سافر ممثلو بايدن إلى كراكاس والتقوا مادورو وليس خوان غوايدو.
وأضاف «نحن ندرك طبعًا أننا لسنا محور العالم ونفهم المشاكل التي تنجم عن الحرب في أوكرانيا. لكن أعتقد أن القيام بذلك كان خطأ كبيرًا جدًا وفادحا». وأضاف بشأن انهيار حكومة غوايدو «لن أقول إن ذلك حدث بناء على سياسة أميركية، لكن أعتقد أنه كان هناك أشخاص ضمن الحكومة الأميركية أرادوا أن يحصل ذلك». واعتبر أن «البعض يعتقدون ببساطة أن المشكلة الفنزويلية معقدة جدًا وأنه من الأسهل التعامل معها على هذا الأساس».
في أكتوبر (تشرين الأول)، تبادل مادورو والولايات المتحدة سجناء، وفي الشهر التالي خففت إدارة بايدن العقوبات للسماح لمجموعة «شيفرون» باستئناف الاستخراج المحدود للنفط في فنزويلا، كجزء من محاولة لإبقاء الأسعار العالمية منخفضة مع ضغط الغرب لفرض عقوبات على روسيا.
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)
جدير بالذكر، انه بعد ثلاثة أسابيع على اعتبار ترمب مادورو غير شرعي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة النفط الحكومية الفنزويلية مع توجيه عائدات فرعها الأميركي «سيتغو» إلى حكومة غوايدو المؤقتة.
وقالت كاري فيليبيتي المسؤولة الكبيرة حول شؤون فنزويلا في وزارة الخارجية الأميركية خلال عهد ترمب، إن صناع القرار الأميركيين كانوا يعتقدون أن التغيير كان سيأتي في غضون أسابيع أو أشهر. وأوضحت أن «هذا يعني أن تأثيرنا رغم قوته الشديدة بسبب تلك العقوبات، لا يمكن زيادته لأنه وصل فورًا إلى الذروة... في بعض النواحي، نتج عن الخطأ في التوقيت خطأ في الإستراتيجية».
وحذّر ترمب من أن «جميع الاحتمالات مطروحة على الطاولة»، ما اعتبره بعض الفنزويليين تهديدًا بشنّ غزو لكن كان هناك القليل من الأدلة على أي تفكير جدي في استخدام القوة.
وفرّ أكثر من سبعة ملايين شخص من فنزويلا حيث الاقتصاد متدهور. لكن حتى مع السخط الشعبي، قالت فيليبيتي إن الولايات المتحدة أساءت تقدير المدة التي يمكن أن يحكم فيها مادورو بفضل مؤيديه. وأضافت «بما أنهم علموا أن بإمكانهم التعامل مع نظام العقوبات، تمكنوا من القيام بذلك ولم يعد بإمكاننا تهديدهم لإجبارهم على تغيير سلوكهم».
وسبق لمادورو، الذي كان سائق حافلة ونقابياً تولى الرئاسة خلفا لهوغو تشافيز الذي توفي قبل عشرة أعوام، أن أعرب عن حرصه على إصلاح العلاقات مع واشنطن.
وقال النائب الديمقراطي جيم ماكغوفرن «فكرة أن الولايات المتحدة كانت قادرة بضغط زرّ أن تغيّر الواقع في فنزويلا لم تكن واقعية بالأساس».
واعتبر أن سجلّ مادورو في مجال حقوق الإنسان «مروّع»، لكن حملة العقوبات «تبدو كأنها تعاقب الفنزويليين العاديين بطريقة شديدة القسوة».
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
في المقابل، يلاحظ مؤيدو العقوبات أن فنزويلا كانت تعاني أساسا من نقص السلع الأساسية قبل العام 2019.
وقال الموفد الأميركي الخاص إلى فنزويلا خلال عهد ترمب إليوت أبرامز إن بايدن «تخلّى ببساطة» عن المعارضة. واعترف بأن مادورو المدعوم من كوبا والصين وروسيا لا يزال صامدًا. وقال «لا أرى فرصة على المدى القصير لإقالته».
منذ العام 2019، تبدّل المشهد الإقليمي بشكل كبير مع ابتعاد بعض أعداء مادورو، خصوصاً في كولومبيا والبرازيل المجاورتين حيث تولى منصبَي الرئاسة يساريان.
وقبل عامين، غيّر الاتحاد الأوروبي، بقيادة مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل، موقفه بشأن الاعتراف بغوايدو.
وقال رئيس قسم دراسات أميركا اللاتينية في جامعة «رايس» مارك ب. جونز إن الحاجة للنفط بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير» بشأن السياسة الأميركية حول فنزويلا والتي كان بايدن بالأساس فاترًا تجاهها.
وتوجّه المعارضة حاليًا تركيزها إلى انتخابات العام 2024 وتضغط من أجل إجراء تصويت عادل. لكن قلة هم الذين يتوقعون أن يتخلى مادورو عن السلطة.
وحذر غيفارا من أنه بدون استراتيجية أكبر، يمكن أن يكون العام 2024 تكرارًا للعام 2019، موضحًا «يبقى زعيم المعارضة غوايدو مدعومًا من الناس في الشوارع ومعترفًا به من دول كثيرة. مادورو غير معترف به، ويبقى في السلطة».


مقالات ذات صلة

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول في بورصة نيويورك يرتدي قبعة دعماً للجمهوري دونالد ترمب بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية (رويترز)

سوق السندات الأميركية تُطلِق إنذاراً بشأن خطط خفض الضرائب

يلوح في الأفق تحذير شديد من سوق ديون الخزانة الأميركية، التي تبلغ 28 تريليون دولار، ضد إضافة مزيد من العبء على الدين الذي ينمو بمقدار تريليونَي دولار سنوياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
مشاة في إحدى الطرقات بالحي المالي وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ب)

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

قالت غرفة التجارة الأميركية في الصين إن مجموعة من المسؤولين التنفيذيين من الشركات الأجنبية والصينية التقت رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في بكين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة 100 دولار أميركي (رويترز)

الدولار الأميركي ينخفض بعد ترشيح ترمب بيسنت وزيراً للخزانة

انخفض الدولار الأميركي، يوم الاثنين، بعد أن رشح الرئيس المنتخب دونالد ترمب، سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة، مما أوقف الارتفاع الحاد للعملة بعد الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لولا يفرش السجاد الأحمر احتفاءً بالرئيس الصيني في برازيليا

شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

لولا يفرش السجاد الأحمر احتفاءً بالرئيس الصيني في برازيليا

شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

استقبل الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس الصيني، شي جينبينغ، الذي يجري زيارة دولة إلى البرازيل، الأربعاء، احتفاءً بالتقارب بين بلديهما، على خلفية «الاضطرابات» المتوقعة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض. واستُقبل شي بفرش السجاد الأحمر وبالتشريفات العسكرية والنشيد الوطني. فبعد لقائهما بقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو، خصّ لولا، برفقة زوجته روزانجيلا دا سيلفا، نظيره الصيني باحتفاء مهيب قبل اجتماعهما في ألفورادا؛ مقر إقامته الرئاسي في العاصمة برازيليا، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وكتب الرئيس الصيني، في مقال نشر بالصحافة البرازيلية قبل الزيارة، إن «الجنوب العالمي يشهد حركة صعود جماعي».

سياق دولي معقّد

شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

ويتبع اجتماعهما في ألفورادا إعلان مشترك في سياق دولي مشحون كما اتضح خلال قمة «مجموعة العشرين»، التي هيمنت عليها أزمة المناخ والحرب في أوكرانيا. وتُنذر عودة دونالد ترمب بتحول انعزالي من جانب واشنطن؛ القوة العظمى في العالم، فضلاً عن موقف أكثر تشدداً تجاه الصين، خصوصاً في المسائل التجارية. وقال شي، على هامش اجتماع أكبر اقتصادات العالم، إن «العالم يدخل مرحلة جديدة من الاضطرابات والتغيير». وكما حدث في «قمة آسيا والمحيط الهادئ» قبل أيام قليلة في ليما، ظهر الرئيس الصيني بوصفه الرجل القوي في اجتماع ريو، حيث عقد لقاءات ثنائية عدّة في مقابل تراجع هالة جو بايدن المنتهية ولايته.

جانب من الاستقبال الرسمي الذي حظي به شي في برازيليا يوم 20 نوفمبر (د.ب.أ)

ويريد شي ولولا مزيداً من توطيد العلاقة القوية بين الصين والبرازيل؛ الدولتين الناشئتين الكبيرتين اللتين تحتلان المرتبتين الثانية والسابعة على التوالي من حيث عدد السكان عالمياً. ويعتزم الرئيس الصيني مناقشة «تحسين العلاقات التي تعزز التآزر بين استراتيجيات التنمية في البلدين»، وفق «وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)».

أما البرازيل، فتسعى إلى تنويع صادراتها بـ«منتجات برازيلية ذات قيمة مضافة أعلى»، وفق ما قال أمين شؤون آسيا بوزارة الخارجية البرازيلية، إدواردو بايس. ويُعدّ العملاق الآسيوي أكبر شريك تجاري للبرازيل التي تزوده بالمنتجات الزراعية. وتُصدّر القوة الزراعية في أميركا الجنوبية فول الصويا والمواد الأولية الأخرى إلى الصين، وتشتري من الدولة الآسيوية أشباه الموصلات والهواتف والسيارات والأدوية.

طرق الحرير

لولا وشي يصلان إلى المؤتمر الصحافي المشترك في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

مع ذلك، كانت حكومة لولا حذرة حيال محاولات الصين إدخال البرازيل في مشروع «طرق الحرير الجديدة» الضخم للبنى التحتية. وانضمّت دول عدة من أميركا الجنوبية إلى هذه المبادرة التي انطلقت في عام 2013، وتُشكّل محوراً مركزياً في استراتيجية بكين لزيادة نفوذها في الخارج.

أما الإدارة الديمقراطية في واشنطن، فتراقب ما يحدث بين برازيليا وبكين من كثب. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ناتاليا مولانو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن واشنطن تنصح البرازيل بأن «تُبقي أعينها مفتوحة لدى تقييم مخاطر التقارب مع الصين وفوائده». وعقّب مصدر دبلوماسي صيني على ذلك بقوله إن «لدى الصين وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي القول الفصل في تطوير العلاقات بينهما». أما لولا، فهو يهدف إلى اتخاذ موقف دقيق متوازن، فيما يتعلق بهذه القضية كما هي الحال مع قضايا أخرى، وهذا ما عبر عنه قبل بضعة أشهر بقوله: «لا تظنوا أنني من خلال التحدث مع الصين أريد أن أتشاجر مع الولايات المتحدة. على العكس من ذلك؛ أريد أن يكون الاثنان إلى جانبنا».