بعد الحرب... الزلزال يشرد أهالي حلب السورية

خيم لإيواء المتضررين جراء الزلزال في محافظة حلب السورية (أ.ف.ب)
خيم لإيواء المتضررين جراء الزلزال في محافظة حلب السورية (أ.ف.ب)
TT

بعد الحرب... الزلزال يشرد أهالي حلب السورية

خيم لإيواء المتضررين جراء الزلزال في محافظة حلب السورية (أ.ف.ب)
خيم لإيواء المتضررين جراء الزلزال في محافظة حلب السورية (أ.ف.ب)

تتزايد أعداد النازحين عن منازلهم يوميا في مدينة حلب شمال سوريا جراء الزلزال، الذي ضرب المحافظة يوم الاثنين الماضي، مع توسيع فرق السلامة عملها في أحياء المدينة، بشكل يضع المعنيين أمام المزيد من التحديات.
وقد صل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن جريفيث والوفد المرافق له إلى حلب، أمس (الاثنين)، للاطلاع على الوضع فيها، كما التقى بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي أكد على ضرورة إدخال المساعدات إلى كافة المناطق السورية، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا).

وقال رئيس مجلس مدينة حلب معد المدلجي لوكالة الأنباء الألمانية إن أعداد الذين غادروا منازلهم في مدينة حلب أكثر من 55 ألف شخص، وحوالي 13 ألف عائلة يقيمون في مراكز إيواء بلغ عددها 235 مركزاً، يجري تأمينهم بالوجبات الغذائية وفراش النوم.
ووفق المدلجي، بلغ عدد النازحين في عموم المحافظة أكثر من 150 ألف شخص وهذه الأعداد تزداد وتنقص يومياً مع توسع فرق السلامة العامة التي شكلت في محافظة حلب وعددها 80 لجنة في تقييم أوضاع المباني المتصدعة جراء الزلزال، ومنع الأهالي من العودة لمنازلهم خوفاً على حياتهم من انهيار تلك المباني التي تضررت بشكل كبير خلال سنوات الحرب.
وأوضح المدلجي أن عدد الضحايا في مدينة حلب بلغ 470 قتيلا وأكثر من 700 جريح جراء انهيار 56 مبنى، وتم التعامل مع تلك المباني وإزالة الأنقاض فيها بشكل احترافي من قبل فرق سورية وجزائرية وتونسية ولبنانية وأرمينية وروسية، مشيرا إلى هدم 27 بناء آيل للسقوط حفاظاً على سلامة الأهالي.
وأكد المدلجي أن «الحكومة السورية وضعت خطة طوارئ لتأمين السكان النازحين، ولدينا خطط مستقبلية لمدينة حلب في معالجة مشكلة مناطق السكن غير المنظم (العشوائيات) جراء الحرب، تتمثل في إزالة تلك المباني وبناء مناطق سكنية تتوفر فيها كل سبل العيش الكريم، ولدى مجلس مدينة حلب مساحة أرض تبلغ أكثر من 800 دونم وهي جاهزة بمخططاتها للمباشرة بالبناء لإسكان أكثر من 10 آلاف عائلة». وأشار إلى أنه في حال تم تأمين التمويل اللازم والذي يبلغ، بحسب الدراسات، حوالي مليار دولار أميركي، يمكن مضاعفة المساحة وإنجازها في خطة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات، لافتا إلى أن الحصار الاقتصادي الجائر على سوريا أوقف كل الخطط لمواجهة تداعيات الحرب. وقدر المدلجي عدد العائلات التي لا يمكنها العودة إلى منازلها بحدود 2000 عائلة، قائلا: «لدينا الإمكانيات لإيوائهم في سكن بديل ريثما يتم العمل على بناء مساكن لهم».
ويتسابق الأهالي في مراكز الإيواء للوصول إلى لجان السلامة العامة التي تجوب أحياء مدينة حلب للكشف على المباني المتضررة، وفي حال أبلغ السكان من قبل اللجنة بصلاحية السكن يعود أصحابها إليها. وعن عمل لجان السلامة العامة، قال مدير مدينة حلب كمال أبو ردن للوكالة: «تعمل الفرق المشكلة من مهندسين بعدة جهات متخصصة للإشراف على المباني وتقييم وضعها الفني والتي يمكن العمل على ترميمها وتدعيمها، ويسمح للأهالي المباشرة بتلك العمليات، بينما الأبنية الخطرة، والمتصدعة، والمائلة تخلى فوراً من السكان ويتم هدمها، وجرى هدم حوالي 30 مبنى تضررت جراء الزلزال بعد معاينتها».
وفي حي بستان القصر، يتجمع العشرات أمام مبنى مكون من خمسة طوابق بعد وصول لجنة السلامة إليه والكشف على طوابقه، وعندما تنهي اللجنة عملها تعلو صيحات سكان الحي فرحاً بعد السماح لهم بالعودة إلى المبنى، وإجراء عمليات الصيانة للتشققات التي ظهرت فيه.
ويقول المهندس علاء بركات رئيس إحدى لجان السلامة العامة: «يقوم الفريق الهندسي بالكشف على المبنى بكل الشقق وتقييم وضعها وأي مبنى تتفق اللجنة على خطورته يتم إبلاغ الأهالي بالإخلاء إن كانوا قاطنين أو بعدم العودة في حال كانوا خارجه». ويضيف بركات للوكالة: «خلال ثلاثة أيام تم الكشف على أكثر من 150 مبنى، وما تم استبعاده من السكن أكثر من 30 مبنى وباقي المباني تسكن بعد تدعيمها وصيانتها».
وقرب دوار الصاخور شمال شرقي حلب، يتجمع المئات من الأهالي الذين يتنظرون لجان السلامة للكشف عن منازلهم. ويقول محمد أزرق: «أعيش في حي طريق الباب، نعيش منذ فجر اليوم الذي جرى فيه الزلزال في العراء ولا نستطيع العودة إلى منزلنا بسبب التصدعات وننتظر لجان السلامة للكشف». ويضيف: «أغلب الناس الذين يعيشون في أحياء الشعار والميدان وطريق الباب منازلهم متضررة بسبب الحرب ولكن جاء الزلزال ودمر ما بقي منها».
وحول وجودهم تحت جسر وافتراشهم الأرض يقول محمد هلال من سكان الشعار: «المدارس والمساجد مكتظة، وسجلت اسمي وأفراد عائلتي في مدرسة قريبة تضم نازحين حتى نحصل على وجبات الطعام وجلبت من منزلي بعض البطانيات والفراش لكي ننام تحت جسر في سيارتنا».
وتنتشر على طول الطريق الدائري، جنوب غربي حلب، مئات العائلات على الرصيف وهم يجلسون في سياراتهم ويشعلون النار للتدفئة وسط البرد القارس، بعضهم في سيارات والآخرون على الأرض بسبب عدم إمكانية العودة لمنازلهم ورفضهم التوجه إلى مراكز الإيواء.
وينتقد عبدو غراب وضع النازحين في مراكز الإيواء، مشيرا إلى أن «الفوضى التي تشهدها تلك المراكز وعدم قدرة المشرفين على ضبطها دفعه لمغادرة جامع حذيفة الذي توجه إليه في اليوم الأول للزلزال». وأوضح أن لديهم عددا من الحرامات والفراش، والآن يجلسون على طرف الرصيف ريثما تقوم لجان الكشف على المبنى الذي كانوا يعيشون فيه، وعلى الأغلب سيتم هدمه نظراً للتصدعات الكبيرة التي أصابته جراء الزلزال. ويضيف غراب: «أمامنا طريق طويل في حال تم هدم المبنى، أين سوف نعيش أنا وعائلتي، ينطق هذه الكمات ويجهش بالبكاء».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.