أحمد الشهاوي: لست بعيداً عن الرواية ولديّ شغف بالسرد والأساطير

الشاعر المصري يقول إن هدفه من «حجاب الساحر» إمتاع نفسه أولاً ومن بعده القرَّاء

أحمد الشهاوي
أحمد الشهاوي
TT

أحمد الشهاوي: لست بعيداً عن الرواية ولديّ شغف بالسرد والأساطير

أحمد الشهاوي
أحمد الشهاوي

«حجاب الساحر» للشاعر أحمد الشهاوي هي النص الروائي الأول له، حيث بدأ الشهاوي مسيرته مع الشعر قبل 35 عاماً حين نشر ديوانه الأول عام 1988. ولا تنفصل أجواء الرواية عن أعماله السابقة، التي تتنوع ما بين الشعر والأدب الصوفي؛ ومنها دواوينه: «أحوال العاشق»، و«الأحاديث»، و«كتاب الموت»، و«قل هي»، و«الوصايا في عشق النساء»، و«لسان النار»، و«لا أراني»، و«ما أنا فيه»، وغيرها. وكان الشهاوي قد حصل على جائزتي «اليونيسكو في الآداب» عام 1995، و«كفافيس الدولية في الشعر» من اليونان عام 1998. في هذا الحوار نتعرف على مبررات التحول نحو الرواية وإلى أي مدى تضيف لتجربته الشعرية.

> بعد سنوات ممتدة من حضورك على ساحة الشعر، فاجأت الجميع بروايتك الأولى «حجاب الساحر»، ما كواليس ومبررات تلك الخطوة الجديدة في مشروعك الإبداعي؟
- لا يوجد مبررٌ ما للكتابة ولا قصدية متعمَّدة تسبق فعل الإبداع، سوى أن يريد المرء أن يكتب، وأن يعبّر بالطريقة التي يستحسنها. المهم أن تكون لديه الرغبة والأدوات التي تدعم وتساند موهبته وتجربته. منذ عام 1990 وأنا أنشرُ وأكتبُ النثر، فلديَّ شغفٌ بـ«أدب التصوف» و«أدب العشق» و«فلسفة الدين»، وقد أنجزتُ فيها تسعة كُتب، غير ما لم يُنشَر بعد.
ولم أكن يوماً بعيداً عن الرواية، ومَن يعرفني شخصياً يدرك شغفي بالسَّرد وولعي بالحكي والسِّحر والأساطير، وقبل عشر سنوات أو أكثر كتبت رواية، لكنَّ ستين صفحة منها أفسدتها مياه «الشغّيلة»، خلال تنظيف بيتي، ولم أفلح في استعادتها، ولم أكُن ساعتها أكتبُ على الكمبيوتر، فقفلتُ منها، وقلت في نفسي: سأعودُ إليها وأنشرها بالطبع، وبدأتُ روايةً أخرى هي «حجاب الساحر» في أجواء ليست بعيدة عن تجاربي ومعارفي وخبراتي، لكنَّني مستمر في كتابة عدد من الروايات ستظهر في السنوات المقبلة.
وربَّما نكون نحن العرب الذين يفصلون بين الفنون والأجناس الأدبية، في حين نجد أغلب روائيي العالم لهم شعرٌ كثير، أو العكس. وكان أسلافُنا يشتغلون في الأدب والكيمياء والفلسفة والطب والفلك، ولم يقل لهم أحدٌ: ما دمتم كيميائيين فلماذا تشتغلون بعلوم الصيدلة والفلك مثلاً.
> بطلة الرواية الأساسية هي «شمس حمدي» التي تتجلى كأسطورة بين نساء الأرض، حتى إنها تتوحد مع ربات مصر القديمة مثل «سخمت» و«إيزيس» وتجمع بين الطابع الحسي والآفاق الروحانية في مزيج فريد. هل يمنح الواقع المعيش مثل هذا النموذج، أم أنه شغف مطاردة المستحيل لدى الشعراء والأدباء؟
- الكاتب عادةً يراود المستحيل ويبحث عن المُطلق والحُلم الذي يبتغيه، لكن الواقع الذي عشتُه في مصر وخارجها ملآن بنماذج غريبة وفريدة، أسطورية ونادرة، وكل امرأة لا تتشابه مع أخرى، ولها قصةٌ مغايرة وحياةٌ مختلفة، لكن النساء يكتُمن ولا يبُحن، إذ كل امرأة - بل كل إنسان - لديه سرٌّ أو أسرارٌ يضمرها ولا يبوح بها لأحد، لكنَّني وجدتُ «شمس حمدي» أو أنشأتُها، وهى نموذج يمكن أن نجدَه بسهولة في أي بلد عربي أو غير عربي؛ لأن النفس الإنسانية ملأى بالغريب والعجيب، والسِّحري، وقد حاولتُ الإمساك به في روايتي «حجاب الساحر».

> الخطاب السردي في العمل جاء مشحوناً بطاقة شعرية لافتة، إلى أي حد تدخّل الشاعر بداخلك في «هندسة» النص لغة وروحاً وخيالاً؟
- عندما أخوض تجربةَ الرسم فأنا هنا الذي يرسم، لكنَّني لا أنسى أنني شاعر بالأساس، وكذا في كل كتاباتي، فأنا الشاعر الذي يكتب الرواية، ومن الطبيعي أن تكون لغة السرد عندي تمتحُ من الشعر وتأخذ منه، فقد حافظتُ على طقوس عملي في الكتابة، وهي المُراجعة الدقيقة والحذف (لقد حذفتُ ستة آلاف كلمة من الرواية)، وكنتُ سعيداً بذلك؛ فالكتابة ليست وحياً مُرسلاً، وتحتملُ الحذف والإضافة والمساءلة، لكنَّني كنتُ واعياً لفكرة الفصل بين القصيدة والرواية، وحاولتُ أن أتفادى أخطاء الشعراء عندما يكتبون نصوصاً روائية. لقد سعيتُ، وابتعدت عما لا أحبُّه في الكتابة الروائية، إذ كان هدفي إمتاع نفسي أولاً، ومن بعدي القرَّاء، فلم أكتب روايةً لتكون الأكثر مبيعاً أو أسلِّي الناس، ولكنَّني هدفتُ إلى إمتاع الروح بالأساس.
> ثمة غوص مدهش في عالم السحر بطلاسمه وتمائمه وتعاويذه، فهل كانت مرحلة البحث والتحضير حاسمة في مثل هذه الرواية؟ وهل هي السبب الرئيس في استغراق العمل خمس سنوات كاملة كي يخرج إلى النور، كما يشير التنويه في نهاية النص؟
- استغرقتْ كتابة روايتي «حجاب الساحر» خمس سنوات، لكنَّني نشرتُ، خلال هذه السنوات، أربعة كتب أخرى، وما تأخُّري إلا بسبب الخوف من الإخفاق، فأنا لا أحبُّ الفشل، أنا ابنٌ للدَّأب والسعي والمحاولة والتروّي والمراجعة، وبالأساس أنا بحثتُ داخلي، فقد عشتُ طفولتي وصباي مع السِّحر ومسكُونًا به، وأمره ليس غريباً عليَّ، لكنَّني قرأتُ آلاف الصفحات وأنا أكتب «حجاب الساحر». وبشكلٍ عام، لكي أكتب جُملة واحدة فبالمقابل لا بد أن أقرأ كتاباً، وهي عادتي، قارئ محترفٌ وكاتبٌ هاوٍ، وإن لم تكن الرواية بجانب التشويق والإمتاع في السرد تحقق معرفةً، فهي عندي لا لزومَ لها أو لا تحقق «شروط» الكتابة التي أحبُّها.
> ما السبب في الاستشهاد المتكرر بآيات من القرآن الكريم في الرواية؟
-لا أتعاملُ مع القرآن على أنه كتابٌ مقدَّسٌ سماويٌّ إلهيٌّ فقط، ولكنَّني أراه أيضاً كتابَ إعجاز في اللغة والتصوير الفني، وقد تربيتُ عليه، ودائماً ما أوظّفه وأستلهمه في شعري ونثري، فأنا ابنُ بيت أزهريّ، كما أنه يفيدني لغويّاً؛ لما فيه من البلاغة والبيان والفصاحة. إنه كتاب واضح لي، وأنا أحبُّ الوضوح والإبانة في الكتابة، وفي كل شيء.
السِّحر عند العرب هو «كلّ أمر يخفى سببُه، ويُتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، وكل ما لطف مأخذه ودقّ، وإخراج الباطل في صورة الحق، واستخدام القوى الخارقة بواسطة الأرواح»، وتاريخ السحر قديم بقدم الإنسان على هـذه الأرض. وعموماً السحر ثابت بنصّ القرآن والسنة؛ ولذا كثر استشهادي في «حجاب الساحر» بآيات من القرآن الكريم.
> هل يُعدّ خوضك تجربة الكتابة الروائية اعترافاً غير مباشر منك بصحة مقولة الدكتور جابر عصفور بأننا نعيش «زمن الرواية» التي صارت «ديوان العرب» الحديث؟
- الشعر يحتاج إلى قارئ مدرَّب على القراءة وخاص في تلقِّيه، وعلى درجة من المعرفة بالآداب والفنون؛ لأنه لم يتلقّ تعليماً حقيقياً يؤهله لتلقّي الشِّعر، والشعر بطبيعته نخبويٌّ منذ الجاهلية إلى الآن، والشعر موجود ما دام هناك كونٌ وبشرٌ يحيون فيه؛ لأنه من دُون الشعر نصبح إزاء موت الروح، وقتل القلب، والاستغناء عن الموسيقى والأغنية، بينما الرواية تحظى بقرَّاء أكثر، ومن ثم توزيع أكثر، وهُنا يفضِّل الناشرُ العربيُّ أو الأجنبي الرواية على الشعر؛ لأن نشرَ الشعر الآن صار مُغامرةً ماليةً له. أذكرُ أن كُتباً شعرية لي طبع منها في «مكتبة الأسرة» خمسةٌ وعشرون ألف نسخة، ونفدت جميعها في أقل من شهر، وكان أقل عدد يُطبع لكتبي هو ثلاثة آلاف نسخة، الآن صارت الطبعة ألف نسخة فقط.
لو أتيح لديوان الشعر توزيعٌ جيدٌ وسعرٌ زهيد، سينتشر بشكلٍ مُرضٍ، ولنا في مشروع «مكتبة الأسرة» مثالٌ وقدوة.
ولا يوجد جنسٌ أدبيٌّ يسود على جنس آخر؛ لأن السيادة للجودة والتفرُّد في أيّ فنّ، والصحيح أن نقول إننا ينبغي أن نكون في زمن الفن والأدب الجيدين على مستوى الموسيقى واللوحة والمنحوتة والقصيدة والرواية والفيلم والمسرحية والقصة القصيرة.
> تنوع إنتاجك ما بين الشعر وأدب العشق وفلسفة الأديان والأدب الصوفي، ما الذي يربط بين هذه المجالات من وحي تجربتك؟ وما أقربها إليك؟
- أنا شاعرٌ مشغولٌ بالتصوُّف وأعتبرُه أهم روافدي، كما أنَّني ابنٌ لأدب العشق، وأحبُّ الكتابة فيه وعنه وحوله؛ وبشكل عام أحبُّ أن أكتب عما أعرفُ ولي فيه تجاربُ وخبراتٌ، ولا أحبُّ أن أكتب من الوضع جالساً في بيتي، لا بد من أن تكون النارُ في أيدينا وأرواحنا ونحن نكتب.
ومن ثم أسعد بكثرة روافدي ومراجعي ومصادري في الكتابة، فهي تتيح لي التنوع، وأحاول في كل كتاب أن آتي بجديد، وأنا مع تداخل النصوص والأنواع والأجناس، فلا يوجد جنسٌ أدبيٌّ لا يستفيد من آخر، المهم كيف نكتب ونحقق أنفسَنا في متن النص، ويظلُّ الشعر نصِّي الأوَّل والأساسي، وكل ما أكتب هو لخدمة الشاعر فيَّ؛ بمعنى أن الشاعر موجود ومتحقِّق في كل ما كتبتُ في غير الشعر.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).