تدفق المساعدات من الدول العربية.. وتقدير الخسائر بنحو 84 مليار دولار

أعمال الإنقاذ تتواصل بمناطق الزلزال في تركيا لليوم الثامن.. والحكومة تدعو لاستمرار التبرعات

عاملون يشحنون طائرة مساعدات من ليبيا إلى تركيا (أ.ف.ب)
عاملون يشحنون طائرة مساعدات من ليبيا إلى تركيا (أ.ف.ب)
TT

تدفق المساعدات من الدول العربية.. وتقدير الخسائر بنحو 84 مليار دولار

عاملون يشحنون طائرة مساعدات من ليبيا إلى تركيا (أ.ف.ب)
عاملون يشحنون طائرة مساعدات من ليبيا إلى تركيا (أ.ف.ب)

اليوم الثامن لزلزال تركيا.. خفتت الأصوات رويداً رويداً. ضرب الإرهاق الشديد فِرق البحث والإنقاذ، لكنها لا تزال تواصل العمل رغم تلاشي الآمال في العثور على ناجين تحت الأنقاض، بينما يتشبث المواطنون في المناطق المنكوبة بإمكانية حدوث معجزة تعيد إليهم بعض أحبائهم المفقودين.
صرخات تعلو من التقصير وعدم وصول الدولة إلى الكثير من المناطق ووجود آلاف تحت الأنقاض في كل ولاية من الولايات العشر التي ضربها الزلزال الذي خلف حتى الآن 29 ألفاً و605 قتلى، و80 ألفاً و278 مصاباً، وتضرَّر بسببه نحو 15 مليون شخص في تلك الولايات وبات العراء مأواهم.
وخلال الساعات الماضية، تمكنت فِرق الإنقاذ من انتشال سيبال كايا (40 عاماً) من تحت أنقاض مبنى مكون من 5 طوابق دمّره الزلزال في بلدة إصلاحية في غازي عنتاب جنوب شرقي البلاد، وإخراج طفل عمره 7 سنوات من تحت الأنقاض بولاية هطاي (جنوب)، بعد 163 ساعة من وقوع الزلزال.
كما نجح فريق إنقاذ في إخراج سعادة جوشكون من تحت أنقاض أحد المباني المنهارة في غازي عنتاب بعد 163 ساعة، ونجح فريق إطفاء من ولاية كوجا إيلي شمال غربي تركيا في انتشال حفصة داغجي، التي تبلغ من العمر (63 عاماً) التي أمضت 158 ساعة تحت الأنقاض.
وكشفت فِرق البحث والإنقاذ عن مصرع جميع أعضاء فريق كرة الطائرة المكون من 36 شخصاً، والتابع لكلية «معارف غازي فاماغوستا» التركية للفتيات والفتيان، تحت أنقاض فندق «غراند إيزياس»، في مدينة أديامان جنوب تركيا، وجرى انتشال جثث أعضاء الفريق الذي يتكون من 28 لاعباً من طلاب إحدى المدارس تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، فضلاً عن 8 إداريين ومدربين.
في الوقت نفسه، كشف مساعد المدير الفني لفرق هطاي سبور لكرة القدم، جوكان زان، الذي يعمل مع فِرق الإنقاذ في إسكندرون بولاية هطاي، أن هناك أكثر من ألف شخص لا يزالون تحت الأنقاض في إسكندرون، لكن فِرق الإنقاذ لم تأتِ للمنطقة بسبب غياب التنسيق.
وأكد أن هناك حاجة شديدة للخيام والحاويات ودورات المياه والأدوية والملابس الداخلية؛ بسبب الظروف التي يعيش فيها الناس، ليس في إسكندرون فحسب، وإنما في أنطاكيا وغيرها من المناطق المتضررة.
في الوقت نفسه، تَواصل تدفق المساعدات من الدول العربية على تركيا لدعمها في مواجهة كارثة الزلزال.
ووصل عدد المشاركين في حملة التبرعات الشعبية في السعودية لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، إلى مليون و23 ألفاً و406 متبرعين، بحصيلة أولية تجاوزت 311 مليوناً و841 ألفاً و204 ريالات (نحو 83 مليون دولار)، وذلك عبر منصة «ساهم» التي أنشئت بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كما وصلت إلى أضنة في جنوب تركيا طائرة الإغاثة السابعة القادمة من السعودية، ليل الأحد، محملة بتجهيزات طبية متنوعة بقيمة تزيد على 36 مليون ريال سعودي تشمل مساعدات طبية.
وأعلنت الخطوط الجوية التركية، في بيان، أنها نقلت، الأحد، 46 طناً من المساعدات الإنسانية القطرية إلى ولاية أضنة؛ لتوزيعها على ضحايا الزلزال في الولايات التركية المنكوبة.
وأجرى وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، الأحد، زيارة إلى المناطق المتضررة من الزلزال في جنوب تركيا، تفقَّد خلالها المناطق المتضررة في ولاية كهرمان مرعش، التي كانت هي مركز الزلزالين اللذين ضربا البلاد فجر 6 فبراير، كما زار مقر الفريق الإماراتي للبحث والإنقاذ في الولاية، والتقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وأكد استمرار دعم الإمارات ووقوفها إلى جانب الشعب التركي في مواجهة هذه المحنة، وتقديم الدعم والمساعدة المطلوبة لإغاثة المنكوبين جراء هذه الكارثة الإنسانية.
وأعلنت حملة «جسور الخير» في الإمارات جمع أكثر من 30 ألف طرد غذائي وكميات كبيرة من الملابس الشتوية والأغطية والاحتياجات الإنسانية، لصالح المتأثرين من الزلزال في سوريا وتركيا.
وأسلت الأردن طائرتين عسكريتين إلى مطار أضنة في جنوب تركيا، وعلى متنهما 480 خيمة عائلية من أصل 10 آلاف؛ لمساعدة المتضررين من الزلزال.
وكانت الأردن قد أرسلت، خلال الأيام الماضية، عدداً من طائرات المساعدة إلى تركيا، ومستشفى عسكرياً ميدانياً مجهزاً بالكامل إلى كهرمان مرعش.
كما وصلت طائرات من مصر والسودان وموريتانيا محمَّلة بآلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية والأغطية.
ومنذ وقوع زلزاليْ 6 فبراير، أعلنت 16 دولة عربية رسمياً إنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة لدعم تركيا، هي السعودية، ومصر، وقطر، والكويت، والإمارات، ولبنان، والجزائر، والأردن، والبحرين، وسلطنة عمان، وليبيا، وتونس، وفلسطين، والعراق، والسودان، وموريتانيا.
ودعا وزير الداخلية التركي سليمان صويلو المواطنين والبلديات والمنظمات المدنية إلى عدم التوقف عن التبرع، وإرسال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، قائلاً إن الوضع في هذه المناطق لن يستقرّ قبل عام؛ لأن هناك ملايين المتضررين من كارثة الزلزال.
وقال صويلو، في تصريحات في مركز تنسيق الكوارث في كهرمان مرعش، في ساعة مبكرة، الاثنين، إن 10 آلاف و194 شخصاً لقوا حتفهم في المدينة، وجرى إنقاذ 11 شخصاً يوم السبت، مشيراً إلى أن هناك 25 مجموعة عمل في مكتب تنسيق إدارة الطوارئ والكوارث في كهرمان مرعش وحدها.
وشدد صويلو على الحاجة إلى استمرار تقديم المساعدات؛ لأن هناك ملايين الأشخاص بحاجة إلى الطعام والخيام والتدفئة، وسيستمر الوضع لمدة عام حتى يجري بدء تسليم المساكن لمن فقدوا بيوتهم في الكارثة، مشيراً إلى أن هناك نحو 300 ألف شخص يعملون في تقديم المساعدة للمتضررين بتنسيق بين الدولة والمنظمات المدنية.
في الوقت نفسه، قدَّر اتحاد الشركات والأعمال في تركيا حجم خسائر الزلزال بنحو 84 مليار دولار منذ وقوعه حتى الآن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟