قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الجمعة، إن جهود الغرب لعزل بلاده «فشلت تماماً»، وإن موسكو «تبني علاقات أقوى مع دول في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، وأماكن أخرى».
تصريحات لافروف جاءت في أعقاب جولة استمرت قرابة أسبوع، جاب خلالها عدداً من دول القارة الأفريقية، شملت مالي وموريتانيا والسودان، بالإضافة إلى العراق من خارج القارة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن لافروف قوله لدبلوماسيين روس بمقر وزارة الخارجية، عقب عودته من جولته الأخيرة: «اليوم يمكننا أن نؤكد أن خطط الغرب لعزل روسيا أخفقت تماماً»، مضيفاً: «على الرغم من الأعمال المعادية لروسيا التي نظمتها واشنطن ولندن وبروكسل، فإننا نعزز علاقات حسن الجوار بالمعنى الواسع لهذا المفهوم مع الأغلبية الدولية».
وهذه الجولة هي الثالثة لوزير الخارجية الروسي في أفريقيا خلال أقل من عام؛ إذ زار مؤخراً جنوب أفريقيا وإسواتيني وأنغولا وإريتريا، وسبقتها جولة في منتصف العام الماضي، ضمت مصر وإثيوبيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية.
وامتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت على قرار يدين روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مارس (آذار) الماضي، على خلفية العملية العسكرية التي تخوضها في أوكرانيا، ومثلت الدول الأفريقية نصف عدد الدول التي امتنعت عن التصويت آنذاك، وهو ما اعتبره مراقبون تجسيداً لتنامي الحضور الروسي في القارة الأفريقية.
ويرى إبراهيم إدريس، الباحث في الشؤون الأفريقية، أن أفريقيا «ساهمت بالفعل في إفشال محاولات الغرب لمحاصرة روسيا على خلفية الصراع في أوكرانيا»؛ مشيراً إلى أن كثيراً من الدول الأفريقية أعلنت مواقف متوازنة في هذا الصدد، برفضها الاعتداء على أوكرانيا، وفي الوقت ذاته التأكيد على رفضها العقوبات الغربية القاسية ضد روسيا ومحاولات حصارها.
وأوضح إدريس لـ«الشرق الأوسط» أن لافروف خلال جولاته بالقارة استطاع استقطاب كثير من الدول الأفريقية، وتحييد دول أخرى، وأنه استخدم مدخلاً مقبولاً لدى معظم تلك الدول، سواء بالتركيز على الدعم الاقتصادي، أو التأكيد على رفض سياسة الأقطاب، والدعوة إلى تمثيل متوازن لكل دول العالم في مجلس الأمن، وهي مواقف تلقى تجاوباً من جانب الدول الأفريقية.
وأشار الباحث في الشؤون الأفريقية، إلى أن الدبلوماسية الروسية تتحرك بفاعلية في دوائر أكثر تقبلاً لها في أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها، وتقدم نفسها فاعلاً رئيسياً في ملفات ذات أهمية استراتيجية، وهو ما يعزز حضورها دولياً، ويصعب بالفعل من محاولات محاصرتها؛ خصوصاً أنها تستعد لاستضافة القمة الروسية الأفريقية الثانية منتصف العام الحالي، وهو ما يثير حفيظة الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة التي بدأت حملات مضادة لتثبيت نتائج القمة الأميركية الأفريقية العام الماضي، وتحجيم تأثير النشاط الروسي في دول القارة، فأوفدت واشنطن مؤخراً وزيرة الخزانة، وتقوم مولي في، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية بجولة حالياً في القارة.
وكانت روسيا قد استضافت أول قمة مع دول القارة في سوتشي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ووقَّع القادة الروس والأفارقة خلالها أكثر من 50 وثيقة للتعاون في مختلف المجالات، بقيمة تتجاوز 12.5 مليار دولار. كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة شطب ديون بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على الدول الأفريقية لصالح روسيا، في خطوة تهدف لتخفيف أعباء الديون عن كاهل الدول الأفريقية.
من جانبه، يرى السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن روسيا نجحت خلال السنوات الأخيرة في تطوير علاقات اقتصادية وأمنية وعسكرية متنامية مع الدول الأفريقية، وقد ارتفع حجم تبادلها التجاري بين دول القارة بنسبة تجاوزت 34 في المائة خلال العام الماضي.
وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط» أن روسيا تنظر إلى أفريقيا وفق منظور استراتيجي منذ سنوات، حتى قبل اندلاع الحرب مع أوكرانيا، وأنها تحركت في شرق القارة وغربها بصورة نشطة خلال السنوات الأخيرة، مضيفاً أن موسكو استطاعت بالفعل بناء تحالفات قوية تمكنها من تجاوز أي محاولات لعزلها، فضلاً عن وجودها العسكري القوي، وخصوصاً في دول الساحل والصحراء، سواء عبر الاتفاقيات الدفاعية الرسمية، أو من خلال الدور الذي تلعبه شركة «فاغنر» الروسية.
ويعتقد نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن التنافس الدولي الواضح على القارة الأفريقية، يمكن توظيفه بشكل إيجابي من خلال تقديم القوى الكبرى دعماً ومساندة واضحة تحتاجها دول القارة؛ لكنه حذر أيضاً من خطورة تحويل أفريقيا إلى ساحة للحرب الباردة والمواجهة بين نفوذ القوى العالمية، والتي يمكن أن تؤدي لمزيد من الأزمات مستقبلاً.
كيف أنقذت أفريقيا روسيا من محاولات «العزل» الغربية؟
بعد جولات سيرغي لافروف بالقارة السمراء
كيف أنقذت أفريقيا روسيا من محاولات «العزل» الغربية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة