من المقرر أن تعرض دار مزادات «سوذبيز» واحدة من أعظم لوحات الفنان العالمي كاندينسكي التي ستصل إلى السوق خلال فصل مارس (آذار) المقبل في لندن. توجز تلك اللوحة، التي تحمل اسم «مورناو ميت كيرشيه II» (مورناو مع الكنيسة) (1910)، التي يعود تاريخها إلى لحظة تحول في حياة كاندينسكي المهنية، بدايات اللغة التجريدية الثورية التي سوف تمثل دعامة باقي حياته المهنية، وتضع الجيل الجديد من الفنانين على مسار جديد. لهذه اللوحة التي تم تنفيذها على مقياس مبهر، وفي شكل مقارب للشكل المربع الذي يفضله الفنانون المعاصرون الطليعيون من مونيه إلى كليمت، وباستخدام مجموعة غنية من درجات الألوان المتناقضة المتقابلة، والتي تم استرجاعها مؤخراً، تاريخ مذهل ولافت للنظر.
بعد فترة قصيرة من رسم تلك اللوحة، حصلت عليها يوهانا مارغريت ستيرن (ني ليبمان، 1874 - 1944)، وسيغبيرت صاموئيل ستيرن (1864 - 1935). كانت يوهانا وسيغبيرت، وهما شريكان مؤسسان لمشروع ناجح في صناعة النسيج، في قلب الحياة الثقافية الزاهرة المتوهجة خلال حقبة العشرينيات في برلين، وكان لديهما دائرة اجتماعية من المعارف من بينهم توماس مان، وفرانز كافكا، وألبرت أينشتاين، وكونا معاً مجموعة رائعة مبهرة من الأعمال الفنية.
لوحة كاندينسكي على جدار غرفة الطعام بفيلا ستيرن (سوذبيز)
تجلت من خلال نطاق تلك المجموعة، التي ضمت أكثر من مائة لوحة، الأذواق والاهتمامات المتنوعة التي تتباين بين روائع الفن الهولندي القديم وأعمال أحدث رائدة من إبداع بيير أوغست رينوار، ولوفيس كورنث، وأوديلون ريدون، وماكس ليبرمان، وإدفارد مونش، وماكس بيخشتاين.
مع ذلك تغير كل شيء بعد تنامي سلطة النازيين، فرغم وفاة سيغبيرت لأسباب طبيعية عام 1935، اضطرت يوهانا مارغريت في النهاية إلى الهروب من ألمانيا، ورغم ذلك لم تتمكن من الهروب من الهولوكوست (المحرقة). في خضم تلك الأحداث المريعة، تشتتت وتفرقت مجموعة «ستيرن» الفنية، وتم التعرف على تلك الأعمال منذ نحو عشرة أعوام على جدران متحف «فان آب» في آيندهوفن بهولندا، حيث كانت معلقة منذ عام 1951. وتمت إعادة لوحة «مورناو ميت كيرشيه II» مؤخراً إلى ورثة عائلة ستيرن. وسوف يتم عرض اللوحة للبيع بمبلغ يقدر بنحو 45 مليون دولار، ومن المقرر أن يتم تقسيم الأرباح بين ثلاثين فردا من ورثة ستيرن الذين لا يزالوا على قيد الحياة. كذلك سوف تمول عملية بيع ذلك العمل الفني المزيد من الأبحاث المتعلقة بمصير المجموعة الفنية المملوكة للعائلة.
ومن جانبها قالت هيلينا نيومان، رئيسة دار «سوذبيز» في أوروبا: «حددت فترة لوحة مورناو لكاندينسكي الفن التجريدي للأجيال التالية، ويعد ظهور تلك اللوحة المهمة، وهي من آخر اللوحات التي تنتمي إلى تلك الفترة وذلك المقياس، والتي لا تزال مملوكة لأشخاص، لحظة مميزة بالنسبة إلى السوق وجامعي اللوحات الفنية. ويسمح لنا استرجاعها بعد تلك السنوات الطويلة بإعادة الاتصال أخيراً بين هذه اللوحة المذهلة وتاريخها، وإعادة استكشاف موضع عائلة ستيرن ومجموعتهم الفنية في البيئة الثقافية الزاهرة في برلين خلال حقبة العشرينيات».
من النادر أن يتم عرض الأعمال الفنية المبكرة لكاندينسكي في السوق، حيث تحظى المجموعات التي تمتلكها المتاحف الكبرى حول العالم بنصيب الأسد من تلك الأعمال. قبيل عملية البيع المقررة في لندن في الأول من مارس (آذار)، سيتم عرض اللوحة في دار «سوذبيز» بهونغ كونغ خلال الفترة من 5 حتى 7 فبراير (شباط)، وفي نيويورك خلال الفترة من 11 حتى 15 فبراير، وفي لندن خلال الفترة من 22 فبراير حتى 1 مارس.
لوحة «مورناو» والطريق نحو التعبير التجريدي
زار كل من كاندينسكي، وغابرييل مونتر (وهو من محبيه ومن زملائه الفنانين) قرية مورناو بجبل بافاريا خلال صيف 1908. سرعان ما وقعا في حب المكان، واشتريا سوياً منزلا في المنطقة خلال العام التالي، حيث قضيا هناك فصول صيف سعيدة، كانت في كثير من الأحوال بصحبة الصديقين الفنانين أليكسي جاولينسكي، وماريان فون فيرفكين. قدمت القرية ومحيطها مجموعة ثرية من الموضوعات التي أصبحت مركزية في أعمال كاندينسكي خلال تلك السنوات المهمة، التي شهدت اتخاذه خطواته الأولى نحو التجريد، ومثلت بداية تغير جذري كبير في مسار الفن الغربي.
قدم كاندينسكي من خلال لوحة «مورناو ميت كيرشيه II » كل التأثيرات التي امتصها واستوعبها خلال الفترة التي قضاها في باريس من 1906 حتى 1907 (تفكيك الشكل لبول سيزان: والألوان الزاهية النابضة بالحياة لأتباع المدرسة الوحشية، والمشاهد الفريدة لفينسنت فان غوخ)، مكوناً شيئاً مختلفاً كلياً ومميز له تماماً، من انفجار لوني وشكلي، أكثر ابتعاداً وانفصالا عن التصوير الطبيعي، أثر على مشاهدي اللوحات من خلال الطريقة الانفعالية والروحانية التي عبر عنها كاندينسكي بعد ذلك بعام في نصه الأصيل «بشأن العنصر الروحاني في الفن».
ويعد إرث الأعمال النهائية لكاندينسكي مثل «مورناو ميت كيرشيه II» مميزا وجليا في أعمال الفنانين التعبيريين التجريديين الذين كانوا يعملون في أميركا خلال فترة ما بعد الحرب العالمية مثل جاكسون بولوك، وويليم دي كوننغ، الذين يدينون بالفضل إلى كاندينسكي، ولفنه الرائد الطليعي لاتخاذ الخطوات الأولى على طريق التجريد.