وصلت أكياس جثث سوداء تحمل لاجئين سوريين لقوا حتفهم في الزلزال الذي هز تركيا إلى الحدود، في سيارات أجرة وعربات، أو مكدسة على شاحنات مسطحة، تمهيداً لنقلها إلى مثواها الأخير، في وطنها الذي دمرته الحرب. ويحمل أقارب الضحايا أوراقاً صادرة عن السلطات المحلية تسمح بعبور الجثث دون الأقارب الأحياء إلى محافظة حلب، عبر معبر جيلفي جوزو الحدودي التركي المغلق أمام حركة المرور العادية منذ بدء الصراع في سوريا قبل 12 عاماً.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، سيأخذ بعض الأقارب الجثث لدفنها. وجثم حسين غندورة داخل شاحنة، ووضع وجنته على واحد من خمسة أكياس سوداء بداخله جثة ابنه محمد (16 عاماً). وقال غندورة لوكالة «رويترز»، اليوم (الأربعاء): «ودعتُه قبل رحلته الأخيرة».
ولقي أكثر من 8500 شخص حتفهم في تركيا جراء الزلازل التي وقعت يوم الاثنين. ومن بين الضحايا سوريون كانوا قد فروا منذ عام 2011 من الصراع الدائر في وطنهم. وأودت الزلازل بحياة 2500 آخرين في سوريا.
ولا تزال الحدود بين الدولتين الجارتين مغلقة أمام معظم حركة المرور، وكذلك عمليات الإغاثة، حتى الآن. لكن السلطات التركية تسمح بعبور الجثث التي يحمل ذووها تصريحات من المستشفيات التركية إلى شمال سوريا، الذي يسيطر على معظمه قوات معارضة لحكومة دمشق. ومنع رجل امرأتين تبكيان كانتا تحاولان البقاء بالقرب من إحدى الشاحنات المليئة بالجثث.
وقال لهما: «خلي الميتين يروحوا وشي نهار بيحسنوا العايشين». وذكر السوري أسامة عبد الرزاق والدموع تنهمر من عينيه، بينما كان يفحص الأوراق بحثاً عن جثة شقيقته الحبلى: «هي في شهرها الأخير وكان قد بقي لها يومان لتضع مولودها. كان هذا المفترض».
* مأساة عائلية
يعيش كثير من العائلات السورية في مدينة أنطاكية المتضررة بشدة من الزلزال، وفي بلدة قري خان الصغيرة على بُعد نحو 50 كيلومتراً من الحدود. وعملت فرق الإنقاذ التركية في قري خان، اليوم، على إزالة أنقاض المنازل بمساعدة سوريين يرتدون قفازات ويبحثون عن أقاربهم. وبعد انتشال جثة تلو الأخرى، عثر صلاح النعسان (55 عاماً) على جثث عائلته.
وأجهش الرجل السوري بالبكاء وهو يحمل صوراً لأفراد عائلته، بينما أتى إليه رجال الإنقاذ بجثة زوجة ابنه، وهي حبلى أيضاً، ثم بجثتَي حفيديه، ولا يزال ابنه في عداد المفقودين. وتوسَّل النعسان وهو يصرخ من الحزن لرجال الإنقاذ كي يتأكدوا مما إذا كان الجنين لا يزال على قيد الحياة؛ إذ لا يمكن رؤية سوى عدد قليل من المسعفين.
وسحب أحد رجال الإنقاذ ما كان يغطي أحد الأطفال الصغار، ليجد يداً هامدة بها كدمة أرجوانية اللون ووجهاً شاحباً مغطى بالتراب. ولا يزال زاهر خربوطلي، وهو رجل ممتلئ الجسم ويبلغ من العمر 43 عاماً من محافظة إدلب السورية، يتمسك ببعض الأمل؛ فقد وقف أمام الشقة التي كانت تعيش فيها شقيقتاه وأطفالهما في الطابق الأرضي يحصي مراراً وتكراراً عدد الطوابق التي أصبحت كومة من تراب. وقال: «هربنا لتركيا تحت هذا القصف لنحمي أولادنا، والآن انظر كيف صار الحال؟ نهرب من موت لموت». وذكر خربوطلي أنه إذا تأكد أسوأ مخاوفه، فسوف يدفن عائلته في سوريا. وأضاف: «أرضنا طردتنا، لكنها في نهايتنا سوف تستقبلنا!».