الناجون في مدينة حلب يتجرعون مرارة القلق على مفقوديهم

جانب من الدمار بمحافظة حلب جراء الزلزال (رويترز)
جانب من الدمار بمحافظة حلب جراء الزلزال (رويترز)
TT

الناجون في مدينة حلب يتجرعون مرارة القلق على مفقوديهم

جانب من الدمار بمحافظة حلب جراء الزلزال (رويترز)
جانب من الدمار بمحافظة حلب جراء الزلزال (رويترز)

بعد أن دمر الزلزال الذي وقع يوم الاثنين الماضي منزل أسرته في مدينة حلب السورية، تمكن يوسف من التواصل هاتفياً مع أحد أقاربه المحاصرين تحت الأنقاض وسمع أصواتهم رغم ضعف الشبكة، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.
ومنذ ذلك الوقت؛ يقف الشاب البالغ من العمر 25 عاماً في طقس شبه متجمد بالقرب من الأنقاض، غير قادر على التواصل معهم مرة أخرى. وقال: «صار لي يومين عم بستنا أهلي: أبوي وأمي وأخوي وأختي وابن أختي. لحد الآن ما باين شيء عنهم». وتحدث يوسف عن جهود الإنقاذ قائلاً: «حكيت معهم وسمعت صوتهم. بس للأسف الشديد زي ما انتم شايفين هون بطيئين في الشغل وما عندهم هايدي المعدات الزيادة».
وشوهد رجال ونساء وأطفال يتجمعون على أرصفة الطرقات حول نيران صباح اليوم (الأربعاء)، ويلفون أجسادهم بالبطاطين. واضطر كثيرون إلى النوم في سيارات وعربات صغيرة بالقرب من منازلهم التي انهارت جراء الزلزال، بينما افترش آخرون الأرض الباردة.
وتسببت الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد في تدمير حلب التي كانت تشتهر بأسواقها المزدحمة للغاية، ومآذنها التي تعود إلى القرون الوسطى، وحماماتها ذات القباب، وقلعتها القديمة المهيبة، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من استعادة السيطرة على معقل للمعارضين هناك في 2016. وأصبحت المدينة الآن من بين أكثر المدن السورية تضرراً من الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، وأدى حتى الآن إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص في تركيا وسوريا؛ 2500 منهم في سوريا.
وقالت السلطات المحلية، اليوم، إن ما لا يقل عن 390 شخصاً لقوا حتفهم، وأصيب 750 آخرون، في محافظة حلب، إلى جانب انهيار أكثر من 50 مبنى. وتضرر كثير من مباني حلب بالفعل بسبب المعارك خلال الصراع المستمر منذ 12 عاماً، وكانت شقة يوسف تقع في منطقة بستان الباشا التي كانت على خط المواجهة سابقاً، وتضررت بشدة جراء القتال.
وتسبب الزلزال أيضاً في مزيد من الضرر لأهم معالم المدينة، وهي قلعة حلب الشاهقة التي أدرجتها «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)» في قائمة مواقع التراث العالمي. وتضررت القلعة بشدة خلال الحرب الأهلية. وتسبب الزلزال في تحويل بعض مبانيها إلى أنقاض. وفاقم الزلزال من شقاء مواطني حلب الذين ما زالوا يعيدون بناء مدينتهم المدمرة رغم توقف القتال بها منذ سنوات.
وفي «مستشفى الرازي»، قال بكر (27 عاماً) إنه كان واحداً من 3 ناجين فقط عندما انهار منزله، ما أدى إلى مقتل والديه وشقيقه و6 من بنات وأبناء إخوته. وقال بكر وهو يرقد على سرير بالمستشفى: «نزلت البناية فينا».
ويوضح عمال إنقاذ على جانبي خط المواجهة في البلاد أن الحرب المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات استنزفت مواردهم، مضيفين أنهم في حاجة ماسة إلى مساعدات كبيرة ومعدات ثقيلة لتسهيل عمليات البحث والإنقاذ.
وتلقت الحكومة السورية دعماً من دول عربية عدة؛ منها مصر والعراق، وكذلك من حليفتها الرئيسية روسيا التي أرسلت فرق إنقاذ ونشرت قوات بالفعل في سوريا للمشاركة في أعمال الإغاثة؛ بما في ذلك في حلب. ولم يصل إلا القليل؛ إن وجد، من هذه المساعدات إلى الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة، وفق تقرير «رويترز».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم