الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة يرحبون بالتدخل التركي رغم بعض التحفظات

رأوا فيه أملاً بإنشاء منطقة عازلة تجنّب الشمال غارات النظام وبراميله المتفجرة

والدة جندي تركي قتل على يد {داعش} تبكي خلال تشييعه في غازي عنتاب على الحدود السورية  أمس  (أ.ف.ب)
والدة جندي تركي قتل على يد {داعش} تبكي خلال تشييعه في غازي عنتاب على الحدود السورية أمس (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة يرحبون بالتدخل التركي رغم بعض التحفظات

والدة جندي تركي قتل على يد {داعش} تبكي خلال تشييعه في غازي عنتاب على الحدود السورية  أمس  (أ.ف.ب)
والدة جندي تركي قتل على يد {داعش} تبكي خلال تشييعه في غازي عنتاب على الحدود السورية أمس (أ.ف.ب)

رحّبت فصائل المعارضة في شمال سوريا، بدخول تركيا على خطّ الحرب على تنظيم داعش، رغم المخاوف التي عبر عنها البعض من تحوّل هذا التدخل إلى ما يشبه الاحتلال لبعض المناطق السورية. في حين أعرب الجيش السوري الحر عن استعداده للانخراط في المعركة، لاستئصال تنظيم داعش بدءًا من الشمال وصولاً إلى تطهير كل الأراضي السورية منه.
ودعا مصدر عسكري سوري معارض في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «الاستفادة من صراع الدولة التركية مع (داعش)، والعمل على إعادة هيكلة فصائل الجيش السوري الحر، وإعادة التنسيق على مبدأ تشكيل غرفة عمليات جديدة وفق خط استراتيجي واحد». وقال المصدر: «إن الفصائل غير قادرة على تشكيل ما يشبه (جيش الفتح) في إدلب، ولذلك فإنه من المبكر الحديث عن تعاون تركي مع هذه الفصائل، ولا نعلم ما إذا كانت تركيا ستعترف بالفصائل كطرف شريك في الصراع».
بدورها، قابلت فصائل حلب وريفها، التصعيد الأخير بين حكومة أنقرة و«داعش» بترحيب ضمني من معظمها، رغم عدم خروج موقف رسمي عنها. ورأت الفصائل بحسب مصدر تابع لها، أن «دخول تركيا على خط المواجهات ضد (داعش) أمر يبعث على الارتياح، وقد يقود إلى تحول في ميزان تمدد (داعش) وبداية لاستعادة مناطق ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، حيث سيغدو التنظيم بين فكي كماشة كل من القوات التركية وفصائل المعارضة السورية». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «تدخل تركيا أمر مرحب فيه ومطلوب، بخلاف تدخل قوات التحالف الدولية التي لم يعد لها أي تأثير على تمدد (داعش)، ولا تقوم بوقف زحفها ولا همّ لها سوى دعم القوات الكردية فقط في مناطق تمددها». وبرأي المصدر، فإن «هذا التحول في الموقف التركي يقطع الطريق على تسلل الغرباء القادمين للالتحاق بالتنظيم عبر الأراضي التركية، وقد يسهم في إنشاء مناطق عازلة على الحدود، وهو ما تنشده فصائل المعارضة في الشمال تفاديًا لغارات النظام وبراميله المتفجرة التي ما زالت تفتك بالسوريين».
هذا الترحيب لم يبدد القلق من أن «يؤدي دخول تركيا إلى جملة من الإجراءات السلبية كأن تحكم سيطرتها على الحدود، ما قد يقود إلى وقوع كثير من الانتهاكات والتعديات الجديدة بحق السوريين الهاربين من الموت إلى تركيا عبر الشريط الحدودي». منبهًا من «إمكانية وقوع مواجهات محتملة مع الأتراك قد تهديد طرق التجارة التي سيتضرر منها كل من مناطق حلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة ولكن بشكل أقل من تضرر مناطق (داعش) التي ستتأثر بشكل كبير وقد تغدو كثير من مناطق نفوذه عرضة للحصار نتيجة المواجهات فيها وعلى محيطها».
إلى ذلك، كشف مصدر مطلع من ريف حلب لـ«الشرق الأوسط» أن «تسعة قتلى على الأقل سقطوا من صفوف مقاتلي تنظيم داعش بالغارات الجوية التي نفذتها أربع مقاتلات تركية فجرًا (أمس) والتي استهدفت مواقع التنظيم في كل من صوران بالقرب من مدينة أعزاز، وباب الليمون، وفي حور النهر بمحيط مارع، وفي «برغيدة» التي تعتبر خط مواجهة بين جبهة النصرة وداعش». وقال: «إن الغارات الجوية بدأت عند الساعة الرابعة فجرا وسمع صدى ضرباتها في معظم الريف الحلبي الشمالي حسب ما لفت المصدر الذي أكد أن مناظير الرصد لفصائل حلب أكدت على حدوث دمار هائل في مواقع (داعش) وإعطاب وحرق كثير من آليات التنظيم، وسبق الغارات اشتباكات استمرت على الحدود السورية التركية بين تنظيم داعش والحرس التركي والجيش التركي بالقرب من منطقة الراعي في قرية العياش الخالية من السكان والتي يسيطر عليها التنظيم عند الحدود مع تركيا وكانت قد أسفرت المواجهات التي تصاعدت حتى استخدام الأسلحة الثقيلة عن سقوط ضابط وأربعة قتلى على الأقل من الجانب التركي إضافة لمقتل عدد من عناصر (داعش)».
من جهته، سرعان ما بدأ تنظيم داعش بشن حملة إعلامية ضد تركيا بعد الغارات الجوية التي طالت مواقعه عبر حسابات مناصريه على وسائل التواصل الاجتماعي. واصفًا تركيا بـ«الداعمة لدول الكفر في حربها ضد الإسلام». في إشارة منه لقوى التحالف العربي الدولي التي بدأت حملتها العسكرية الجوية ضد «داعش» في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي. كما استغل معظم عناصر التنظيم الاشتباكات ضد تركيا لدحض الاتهامات التي تتحدث عن دعم تركيا لهم وبأنهم مجرد ورقة تحركها القوى الدولية متى أرادت ذلك.



كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
TT

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، للحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمنعه من التفلُّت من مسؤوليته بتوفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق مضمون هذا النداء، بعد أن كان قد التزم بمضامينه، لينقلب عليه لاحقاً بذريعة أن مجرد التلازم في وقف إطلاق النار ليشمل جبهتي جنوب لبنان وغزة يتيح لـ«حزب الله» تبرير مساندته لـ«حماس»، على نحو يرتد عليه سلباً، ويتسبّب له بإشكالات داخل حكومته المناوئة بأكثريتها للربط بين الجبهتين، فيما يلقى فصل الجبهتين معارضة من «حزب الله»، كونه يشكل له إحراجاً أمام بيئته بعدم الجدوى من انخراطه في إسناد غزة، وما ترتب عليه من أكلاف باهظة كان في غنى عنها.

«فيتوات» متبادلة بين إسرائيل والحزب

لكن صدور النداء الأميركي - الفرنسي بصيغته الراهنة قوبل بتبادل «الفيتوات» بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي يتمسك بتطبيق التلازم بوقف إطلاق النار على جبهتي غزة والجنوب، بخلاف نتنياهو المعترض عليه، وهذا ينسجم مع ما طرحه الوسيط الأميركي، أموس هوكستين، في مفاوضاته مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بتفويض من قيادة «حزب الله» لتهدئة الوضع جنوباً ونزع فتيل التفجير ومنع توسعة الحرب.

وكان الرئيس بري يعد العدّة لاستئناف التفاوض مع هوكستين لاستكمال البحث بينهما في الورقة التي أعدها الأخير لتهدئة الوضع جنوباً، للبدء بالتفاوض غير المباشر والتوصل إلى وقف إطلاق النار على قاعدة تهيئة الأجواء لتطبيق القرار رقم (1701) كونه الناظم الدولي لتحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لكن الرئيس بري، الذي كان قد تواصل مع هوكستين فور صدور النداء، فوجئ، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بمبادرة نتنياهو إلى سحب تأييده له باعتراضه على التلازم بتطبيق وقف إطلاق النار على الجبهتين الغزاوية والجنوبية، ومطالبته بعدم الربط بينهما بذريعة أنه يشكل انحيازاً لوجهة نظر «حزب الله» بإسناده لـ«حماس».

انقلب نتنياهو فألغى هوكستين زيارته

ويؤكد المصدر النيابي أن هوكستين كان يتحضر للعودة إلى بيروت لمواصلة البحث في الورقة التي أعدها لتطبيق القرار رقم (1701)، وسبق لبري أن سجّل ملاحظاته على بعض بنودها، لكنه عدل عن المجيء، بعد أن انقلب نتنياهو على موافقته المبدئية على ما ورد في النداء الذي يحظى أيضاً بتأييد إيران، انسجاماً مع توافقها والولايات المتحدة على استيعاب التأزم لمنع توسعة الحرب في الإقليم.

وينفي المصدر نفسه كل ما أُشيع عن أن هوكستين بحث في اتصاله ببري وجوب انسحاب الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني، ويقول إن الاتصال بينهما بقي في العموميات، ولم يتطرقا إلى أي تفصيل يتعلق بالورقة، طالما أن للبحث بينهما صلة.

ويبقى السؤال: هل ينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع نتنياهو بتعديل موقفه بما يسمح بتعبيد الطريق لتنفيذ ما ورد في النداء؟ أم أن محاولته، وقد تكون الأخيرة، لن تلقى التجاوب المطلوب؟ وهذا ما يفتح الباب لسؤال آخر: كيف سيتصرف «حزب الله» في حال أصر نتنياهو على المضي في اجتياحه الجوي للبلدات الجنوبية والبقاعية، وفي اغتياله لأبرز قياداته وكوادره العسكرية؟

فلدى الحزب، كما تقول أوساط مقربة منه، القدرات العسكرية والقتالية للتعويض عن تراجع حدة المواجهة في القطاع، كما يشيعه بعضهم، وتقول إنه جاهز لمواجهة كل الاحتمالات، وسيمضي في دفاعه عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، ولن يرضخ لضغوط نتنياهو النارية باستهدافه المدنيين من دون أن يستدرج لتوسيع الحرب، مع احتفاظه بحق الرد على تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر باغتياله لأبرز قيادات الحزب العسكرية والميدانية.

مخزون «حزب الله» الصاروخي

لكن الأوساط نفسها لا تعلق على ما يتردد بأن القتال في غزة بدأ ينحسر، وأن القطاع تحوّل إلى جبهة مساندة، ما يجعل الحزب منفرداً في حربه مع إسرائيل، وأنه أصبح يختصر بنفسه وحدة الساحات بتراجع منسوب الانشغال الذي تتولاه أذرع محور الممانعة في المنطقة، كما تفضّل عدم التعليق على تحليلات سياسية تتحدث عن التفاوض بين طهران وواشنطن، وتتهم إيران بترك الحزب وحيداً، وتحمله القسط الأكبر في المواجهة، بذريعة أن لديها حسابات وأوراق سياسية لا تريد التصرف بها في غير أوانها، وتحتفظ بها لتحسين شروطها في المفاوضات.

وتؤكد هذه الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحزب مخزوناً صاروخياً، يعود له وحده استخدام الصواريخ الدقيقة منه في الوقت المناسب، وتقول إن استخدامه لصاروخ من نوع «قادر-1» لن يكون الأول والأخير، وأريد منه تمرير رسالة يجب أن يأخذها العدو على محمل الجد، بأن الحزب قادر على تجاوز ما بعد حيفا باستهدافه مواقع إسرائيل العسكرية والمخابراتية، وهذا ما أصاب إحدى قياداته الواقعة على تخوم تل أبيب.

متى تتدخل إيران؟

لذلك، هل يبقى الحزب وحيداً في المواجهة لتراجع وحدة الساحات كما يقول خصومه في الداخل والخارج؟ أم أنه لا يزال يراهن، تبعاً لحساباته، على تدخل إيران في الوقت المناسب في حال تمادت إسرائيل في عدوانها بما ينذر باندلاع حرب شاملة؟ وهذا ما أكده وزير خارجيتها عباس عرقجي بقوله إن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب لتشمل الإقليم، مع أن طهران تتمهل لأسباب خاصة بها في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري.

في المقابل فإن تل أبيب تواصل اجتياحها الجوي لتفريغ البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت من سكانها، كونها مدرجة على بنك أهدافها، بغية تكبير أزمة النزوح بما يشكل إحراجاً للحزب أمام بيئته الحاضنة، والتحريض عليه بذريعة عدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية لمئات الألوف من النازحين، في ظل عدم استطاعة الدولة على تلبيتها كما يجب، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحييد الطرقات الدولية والفرعية المؤدية إلى هذه القرى لتسهيل عملية النزوح منها.