كريستيل برويا لـ {الشرق الأوسط}: عندما أتعامل مع السكر أذوب في أطباقي

الفرنسية الوحيدة التي تشغل منصب «شيف حلويات» في مطعم تزينه 3 نجوم «ميشلان»

طاهية الحلوى كريستيل برويا
طاهية الحلوى كريستيل برويا
TT

كريستيل برويا لـ {الشرق الأوسط}: عندما أتعامل مع السكر أذوب في أطباقي

طاهية الحلوى كريستيل برويا
طاهية الحلوى كريستيل برويا

تعدّ كريستيل برويا Christelle Brua المرأة الوحيدة في فرنسا، التي تشغل منصب «شيف حلويات» في مطعم «بري كاتلان» Le Pre Catelan في باريس، الحائز على 3 نجوم «ميشلان» للتميز، وخمس جوائز من «غولت ميلو».
فقد حصدت أكثر من جائزة ولقب على مدى مشوارها المهني الذي يبلغ نحو عشرين عاما. ومن بين الألقاب التي نالتها «أفضل مدرّبة» في المنطقة (موزيل) في عام 1998 وكان عمرها يومها 21 عاما، وكذلك في عام 2008 نالت لقب «أفضل صانعة حلويات» التي كرّمها بها دليل «شامبيرار» في تصنيف أطباق الحلوى عالميا.
«هي مهنة صعبة دون شك، ولكن في المقابل ما إن أبدأ في تعاملي مع السكّر؛ هذه المادة التي أعشقها، حتى أذوب معها في أطباقي وأنسى كلّ ما حولي». هكذا تصف الشيف كريستيل برويا طبيعة مهنتها التي تزاولها منذ أن كانت في العشرين من عمرها. ولكن ماذا يعني لها أن تكون المرأة الفرنسية الوحيدة بصفتها شيف حلويات في مطعم مصنّف بنجومه الثلاث؟: «لا أتنبّه لهذا الأمر كثيرا، كلّ ما في الأمر أنني أعدّه مكافأة لعملي وجهدي ليس أكثر».
في البداية كانت ترغب كريستيل أن تدرس تصميم الأزياء، ولكن نظرا للتكلفة العالية التي كان على والديها أن يتكبداها في المقابل، قررت التحوّل إلى مجال آخر يدخل أيضا في مجال الفن، ألا وهو الطهي.
«عملت مع والدي في الأوبيرج الذي أعادا ترميمه في منطقتنا (موزيل)، فكنت أعاون والدتي خلال تحضيرها الطعام للزبائن في المطعم؛ فأقطّع البندورة وأسلق البطاطا وما إلى هنالك من أعمال بسيطة أخرى. وعندما لم أستطع أن أدرس تصميم الأزياء، اقترح علي والدي أن أعمل لدى أحد أصدقائه في مطعم يملكه. من هناك بدأ مشواري مع هذه المهنة، وما زلت فيها حتى الآن».
عملت الشيف التي نالت لقب «أفضل شيف حلوى» لعام 2014 من الدليل العالمي «غولت ميلو»، في تحضير الطعام لمدة سنتين، ودرست خلالهما اختصاص الطعام والحلويات، وبعد أن حازت على شهادتها الجامعية لفتها العمل في الباتيسري وقررت الانتقال إلى هذا المجال الذي أحبتّه كثيرا.
«لم يشجعني صديق والدي على دخولي مطبخ الحلوى، وعندما أصررت قال لي إنه علي أن أبحث عن مطعم آخر أعمل فيه. حصلت على شهادتي الجامعية الثانية من جامعة الإلزاس للطهاة، ومنها دخلت مجال الحلويات، وعملت لمدة أربع سنوات (ابتداء من عام) 1998 في مطعم (لارنسبورغ) لجان جورج كلاين، كشيف حلويات، فحصد نجمته الثالثة من دليل (ميشلان) في مجال الحلويات».
تعمل اليوم كريستيل برويا في جناح «لو نوتر» بمطعم «بري كاتلان» في منطقة «بوا دو بولون» في باريس، لصاحبه الشيف فريدريك أنطون الذي كان أحد أكبر مشجعيها في مجال صناعة الحلويات. «هو بمثابة نجم من السماء رافقني في بداياتي وأضاء لي الطريق لأسير بخطوات ثابتة»، تقول كريستيل واصفة «صديق الدرب» كما تسمّيه.
وعن طبيعة مهنتها تقول: «يلزمها كثير من الدقّة بحيث يجب أن تحسبي كل ميللغرام تستخدمينه، فتحترمي الأوزان اللازمة في طبق الحلوى الذي تحضرينه».
ولكن أين هو دور الابتكار في الموضوع؟ ترد: «يجب أن يتم درسه جيّدا، ولا يمكن استسهال الأمر وإلا وقعنا في أخطاء لا يمكن تصحيحها».
وعندما سألتها من أين تستوحي ابتكاراتها، أجابت: «ليس هناك من مصدر معيّن، فأحيانا تلمع الفكرة في رأسي من خلال لعبة يمسك بها ابني، أو مهرجان أحضره، أو أي مناسبة أخرى تساهم في توجيه أفكاري إلى ابتكار جديد».
أما أشهر ابتكارات كريستيل برويا في عالم الحلوى والموقّعة من قبلها، فهو طبق «سوفليه التفاح بالسكر» المجبول بعصير التفاح والمغطّى بالكريم كاراميل والسكر اللماع. فزبائن مطعم «بري كاتلان» ذي النجوم الثلاث يقصدونه خصيصا لتذوّق طبق الحلوى هذا.
وعن علاقتها بنجوم الترقيات التي حققتها والفرق بينها وبين الأشخاص الذين تسمّيهم نجوما من نوع آخر بسبب مساندتهم لها، تقول: «لولا هؤلاء الأشخاص (النجوم)، كما أحبّ أن أسمّيهم، لما وصلت إلى تلك الترقيات بالتأكيد، فهم الذين ساعدوني وساندوني وأوصلوني إلى ما أنا عليه اليوم، وفي مقدّمهم فريدريك أنطون».
وتصف مادة السكّر بـ«الرائعة»، وتقول: «في استطاعتنا أن نزيّن طبق حلوى من مجرّد مكعّب صغير منه، فنحرقه بتأنّ ليصبح طبقة من الكاراميل اللذيذة. كذلك نستطيع أن نصنع منه عجينة لينة ملوّنة أحيانا ومحشوة باللوز أحيانا أخرى؛ فالسكر مادة عجيبة ولذيذة معا، وهي في يد من يستخدمها تكون بمثابة العصا السحرية».
وعن كيفية تحقيق التوازن بين عملها وواجباتها بصفتها أمًّا لطفل، تقول: «حصلت في مشواري على عدة تسميات مهمة، ولكن عندما صرت أمّا وجدت أن هذه التسمية تساوي في أهميتها التسميات الأخرى، وأنا فخورة جدا بولدي». وهل يمكن أن تعلّميه مهنتك؟ تجاوب وهي تبتسم: «منذ أن كان مولودا جديدا في أسابيعه الأولى اضطررت إلى أن أحمله معي في عربته إلى مركز عملي، فاعتاد اشتمام الروائح الطيّبة، وهو يحبّ تذوّق ما أقوم به، وأعتقد أنني سأشجعه على ممارسة مهنتي في المستقبل».
كريستيل التي التقتها «الشرق الأوسط» في معرض «هوريكا للتغذية والضيافة» الذي أقيم في بيروت، أكدت أنها لطالما أعجبت بهذه المدينة، ووصفتها بالقول: «هي مدينة هادئة والعيش فيها سهل، لا أعلم كيف أصفها لك بالتحديد، ولكنها تبعث فيّ الراحة غير أي مدينة عربية أخرى زرتها في السابق».
وعما لفتها في الحلويات اللبنانية، قالت: «آه.. هناك أنواع كثيرة لفتتني، إلا أنني أسجّل الحاجة الضرورية لإعادة تهذيب صنع بعضها، من خلال استخدام المكونات نفسها، ولكن بطريقة متطوّرة، كإضافة أنواع جديدة من البهارات مثلا»، وتضيف: «أحببت كثيرا المثلّجات التي تصنعونها، لا سيما تلك التي ترتكز على السحلب. انظري.. لدي مغلّف منها معي الآن جلبه لي صديقي الشيف شارل عازار لأحمله معي إلى بلدي، هناك سأحاول أن أتفنن في طعمها على طريقتي في طبق حلوى سيلاقي النجاح دون شك».
وعن مكوّنات الحلوى العربية التي وجدتها تصلح لتقدّم منها طبقا من الباتيسري الفرنسي – العربي، قالت: «لفتتني ثمرة التمر، وأفكّر جدّيا في ابتكار طبق حلوى يرتكز على طعمها».
على الرغم من كلّ الإنجازات التي حققتها، فإنه لا تزال لدى كريستيل برويا أحلام تراودها وتتمنّى تحقيقها.. «أحلم أن أصبح صاحبة محلّ خاص بي لبيع الحلويات. الأمر ليس بالسهل، وهو يتطلّب كثيرا من الدرس لتنفيذه. كما أنني أحببت لبنان، وأتمنى أن أستقرّ فيه يوما ما».
ينتهي الحديث مع صاحبة اليدين الصغيرتين اللتين تشعرانك عند مشاهدتهما، ومنذ اللحظة الأولى، بأنهما يصنعان الفن بامتياز.. «لطالما لفت الآخرين حجم يديّ. لا أدري لماذا هي صغيرة، ولكنها بالتأكيد سرّ نجاحي في عملي وفي صنع الحلويات للكبار والصغار معا».



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.