أرشيفات الصحف المصرية... «كنز» معرفي وذاكرة وثائق تاريخية

خبراء يعدّونها مرجعاً مهماً للإعلاميين والباحثين

دار الكتب والوثائق القومية المصرية
دار الكتب والوثائق القومية المصرية
TT

أرشيفات الصحف المصرية... «كنز» معرفي وذاكرة وثائق تاريخية

دار الكتب والوثائق القومية المصرية
دار الكتب والوثائق القومية المصرية

على مدار سنوات طويلة اعتبر أرشيف الصحف والمجلات مصدراً مهماً للمعلومات، يحمل توثيقاً لحقب تاريخية على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال دراسة عدد صحيفة أو مجلة في فترة من الزمن يستطيع الباحث التعرف على القضايا التي كانت تشغل بال المواطنين والسياسيين والمثقفين في تلك الفترة، وكيف كانوا يتفاعلون مع الأحداث المختلفة من حولهم، وكأنه انتقل عبر «آلة الزمن» إلى عصور تاريخية سابقة.


 (موقع أرشيف الإنترنت)

وحقاً، كلما طال عمر صحيفة أو مجلة، زادت قيمة أرشيفها وقوته بتناوله حقباً تاريخية متنوعة. وبالتالي، يتحوّل إلى مصدر لا غنى عنه لقصص ومواضيع صحافية تعمل على ربط الماضي بالحاضر، أو تحاول استعادة لحظات تاريخية، أو تروي وتوثّق سيراً ذاتية لشخصيات عامة أو رموز سياسية وفنية وثقافية.
في مصر، بالذات، تُعَد أرشيفات المطبوعات القديمة العريقة مرجعاً حيوياً وضرورياً للإعلاميين والباحثين، وهي تشكل مصادر معلومات أساسية لمواضيعهم الصحافية ومراجع رئيسية في أبحاثهم العلمية. وهذا، مع أن ثمة اختلافات يشهدها القطاع الإعلامي اليوم مع ظهور الإنترنت، إذ أتاحت الشبكة العنكبوتية الوصول إلى المعلومات الأرشيفية والتاريخية بسرعة ويسر. ولكن في الوقت عينه، كان ثمن السرعة واليسر في استثمار الإنترنت باهظاً في عدة حالات على صعيد الصدقية. إذ يحمل البحر المتلاطم من المواقع الإلكترونية، عبر الإنترنت، كثيراً من المعلومات الزائفة والمضللة، ما يفرض على الإعلاميين والباحثين - على حد سواء - مزيداً من التدقيق والتقصّي قبل اعتمادها في أعمالهم.

«لا ديكاد إيجيبسيان»

دخول المطبعة
تاريخياً، عرفت مصر الصحافة مع دخول المطبعة لأول مرة إبان فترة الحملة الفرنسية على البلاد (1798 – 1801). ولقد بدأت المطبعة بإعداد المنشورات باللغة العربية. ثم بدأ إصدار صحف باللغة الفرنسية، فشهدت القاهرة الصورة الكاملة للصحف عبر صحف مثل «الكورييه دو ليجيبت»، و«لا ديكاد إيجيبسيان». إلا أن عمر هاتين الصحيفتين انتهى بخروج الحملة الفرنسية من مصر، حسب ما ورد في مجلة «ذاكرة مصر المعاصرة» الصادرة عن مكتبة الإسكندرية.
من ناحية ثانية، يؤرخ للصحافة المصرية بفترة حكم محمد علي. ووفق «ذاكرة مصر المعاصرة»، تعد «جريدة الخديوي»، التي تحوّلت عام 1828 إلى صحيفة «الوقائع المصرية» أقدم وأول صحيفة رسمية مصرية. وفي حين يحمل أرشيف «الوقائع المصرية» توثيقاً لجميع القرارات والقوانين الرسمية الصادرة في البلاد منذ عهد محمد علي، فإن ثمة صحفاً ومجلات عريقة تتضمن أرشيفاتها توثيقاً اجتماعياً وسياسياً غنياً جداً للأوضاع في مصر منذ القرن التاسع عشر، وعلى رأسها أرشيف صحيفة «الأهرام» المصرية التي أسست عام 1875، ومجلة «روزاليوسف» التي أسست عام 1925، وغيرها.
محمد بغدادي، الكاتب الصحافي في مجلة «روزاليوسف» المصرية، اعتبر في حوار مع «الشرق الأوسط» أن أرشيفات الصحف والمجلات «من أهم مصادر المعلومات للصحافي، كما أنها مصدر قوة للصحيفة والمؤسسة الإعلامية بشكل عام». وأردف أنه «كلما كان أرشيف الصحيفة أو المجلة قوياً، زادت قدرتها على التواصل مع قضايا الناس عبر إتاحة معلومات تربط الماضي بالحاضر، وأعطت الصحافي فرصة أكبر لتوثيق قصصه الصحافية، وتضمينها بيانات ومعلومات تاريخية موثقة».
وتحدث بغدادي عن «تطور الأرشيف الصحافي مع مرور الوقت، من الميكروفيلم، إلى الرقمنة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ما أتاح للصحافي والباحث الحصول على المعلومات بشكل أيسر، وأسرع». وقال إن «هذه السهولة في الحصول على المعلومات، تزامنت مع فرض أعباء أخرى على الصحافي والباحث، بعضها مادي إذ تفرض بعض المؤسسات رسوماً للحصول على أرشيفها، أما البعض الآخر فمرتبط بضرورة تمكن الصحافي أو الباحث من أدوات التحقق من المعلومات، ولا سيما مع وجود كم هائل من المعلومات غير الموثقة على شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي». ومن ثم شدد على «ضرورة أن توفر المؤسسات الإعلامية للعاملين فيها اشتراكات في أرشيفات المؤسسات المرموقة وذات المصداقية، لضمان قصص صحافية دقيقة».


«كورييه دو ليجيبت»

قصص ومواضيع شتى
في الواقع، لا يقتصر دور الأرشيف على تزويد الصحافي بمعلومة تاريخية، أو صورة لتضمينها في قصته الصحافية، بل غالباً ما تصدر قصصٌ ومواضيع كاملة مستوحاة من الأرشيفات، وتخصّص بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أبواباً ثابتة تتضمن مواضيع معتمدة بالكامل على الأرشيف الصحافي. وكمثال على ذلك تناول ذكرى حادثة وقعت في تاريخ معين، أو استرجاع سيرة فنان أو شخصية عامة من حواراته الصحافية. وإلى جانب هذا اعتماد الباحثين على هذه الأرشيفات في أبحاث تحاول شرح الأوضاع الاجتماعية في فترة زمنية معينة، أو رصد تطور الإعلانات في فترة زمنية أخرى، وغيرها من المواد التي يعتبر الأرشيف الصحافي رافداً أساسياً لها. ولذا وصفه البعض بـ«الكنز»؛ تقديراً للكم الهائل من المعلومات والأفكار التي يمكن أن يختزنها وتقدم لدى نشرها خدمة معرفية مميزة.
في هذا الإطار، تعتمد الكاتبة والناقدة أنس الوجود رضوان، مدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة «الوفد» المصرية، على الأرشيف في كتابة كتاب عن زوجها الراحل الصحافي والروائي موسى صبري. خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت شارحة إن «الأرشيف الورقي للصحف والمجلات شيء في غاية الأهمية، يتضمن توثيقاً لمراحل تاريخية مهمة... ومن خلاله يمكن سبر أغوار شخصيات، ودراسة حال المجتمع على جميع المستويات». واستطردت: «الصحيفة وثيقة تاريخية مهمة» قبل أن تشكو من «ضياع الأرشيف مع بداية عصر الرقمنة»؛ إذ تقول: «خلال عملية الرقمنة فُقد كثير من نسخ الصحف والمجلات... ولولا احتفاظ زوجي الراحل بأرشيف خاص لما تمكنت من إعداد كتابه بالشكل المطلوب» بسبب ضياع مواد كثيرة من الأرشيف.
وبالفعل «ضياع الأرشيف» من النقاط التي تطرقت إليها الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة، خلال حوارها مع «الشرق الأوسط»، مشيرة إلى قضايا أثيرت أخيراً تتعلق بـ«بيع وضياع جزء من أرشيفات الصحف والمجلات المصرية». وأكدت عبد المجيد على «أهمية الأرشيف كوثيقة تاريخية، ورافد بحثي... وإبان إعدادي رسالتي الماجستير والدكتوراه كان الأرشيف الصحافي أحد المراجع المهمة التي اعتمدت عليها». ومعلوم أن قضية بيع الأرشيف الصحافي المصري أثارت جدلاً في الفترة الأخيرة، في أعقاب أنباء تحدثت وصول أرشيف صحيفة «الأهرام» إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية، في إطار التعاقد مع شركة أميركية لإتاحة أرشيف «الأهرام» بصورة رقمية.
من جهة ثانية، بينما ترى وفاء عبد الحميد، رئيسة إذاعة البرنامج الثقافي السابقة في الإذاعة المصرية، أن «الإتاحة الرقمية ربما سهلت من حفظ وإتاحة المعلومات الأرشيفية»، فهي شددت في حوار مع «الشرق الأوسط» على ما اعتبرته «مكامن الخطورة» في هذه الإتاحة الرقمية، وفي مقدمتها «انتشار المعلومات الزائفة». وقالت: «الإنترنت مليء بالمعلومات الخاطئة والمضللة... وبالتالي، يظل الأرشيف الرسمي للصحف والمواقع الإلكترونية الموثوقة، والإذاعة والتلفزيون الوثيقة الأهم».
ثم تطرقت عبد الحميد إلى «قلة اهتمام الصحافيين اليوم بالأرشيف مقارنة بما كانت عليها الحال قبل سنوات». واستطردت «يكتفي الصحافي اليوم بالبحث على الإنترنت من دون أن يكلف نفسه عناء الذهاب إلى أرشيف مؤسسة إعلامية... في حين إنني كنت أمضي أياماً في الأرشيف لإعداد قصصي الصحافية، سواءً كان ذلك داخل الإذاعة أو في دار الكتب والوثائق القومية التي تحتفظ بنسخ من جميع الصحف والمجلات المصرية».
وما يستحق التنويه هنا، أن دار الكتب والوثائق القومية المصرية تحتفظ بنسخ من أرشيفات الصحف المصرية، ما يجعلها مصدراً مهماً للباحثين ودارسي الإعلام والصحافيين، وكثيراً ما يكلّف دارسو الإعلام بإعداد قصص أو مشاريع بحثية عن تاريخ الصحافة في مرحلة معينة، خلال فترة دراستهم. كذلك تضم مكتبة الإسكندرية بدورها نسخاً مرقمنة من أرشيفات الصحف والمجلات المصرية.
وعلى الصعيد الدولي، تضع الصحف والمجلات الكبرى قواعد لتداول أرشيفاتها، فعلى سبيل المثال، تتيح صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية، الاطلاع على أرشيفها بطريقتين، توضحهما على موقعها الإلكتروني: الأولى من خلال أرشيف مقالات «النيويورك تايمز»، وهو متاح للجميع ويغطي الفترة من 1851 وحتى الآن.
أما الطريقة الثانية فعبر ما يسمى بـ«آلة الزمن» التي تتيح الاطلاع على الأعداد كاملة من عام 1851 وحتى 2002 مقابل اشتراك شهري.


مقالات ذات صلة

«مي شدياق للإعلام» تتوِّج الخطيب بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»

يوميات الشرق الدكتور نبيل الخطيب مدير عام قناة «الشرق للأخبار» يتحدث بعد حصوله على الجائزة (الشرق الأوسط)

«مي شدياق للإعلام» تتوِّج الخطيب بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»

​كرَّمت مؤسسة «مي شدياق للإعلام»، الدكتور نبيل الخطيب، مدير عام قناة «الشرق للأخبار»، بجائزة «الإنجاز مدى الحياة»، وذلك خلال حفل سنوي أقامته في دبي الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (دبي)
أوروبا الصحافية الروسية يكاتيرينا برباش تتحدث خلال مؤتمر صحافي في مقر منظمة «مراسلون بلا حدود» في باريس 5 مايو 2025 (إ.ب.أ)

كيف هربت صحافية روسية من الإقامة الجبرية في موسكو وظهرت في باريس؟

ظهرت الصحافية الروسية يكاتيرينا برباش في باريس الاثنين عقب هروب جريء من موسكو الشهر الماضي، بعد أن وُضعت تحت الإقامة الجبرية، وواجهت حكماً بالسجن لعشر سنوات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي أعلنت الحكومة السورية اليوم (الاثنين) إعادة إطلاق بث قناة «الإخبارية» التلفزيونية الرسمية (سانا)

سوريا: إعادة إطلاق بث تلفزيون «الإخبارية» الرسمي

أعلنت الحكومة السورية اليوم (الاثنين) إعادة إطلاق بث قناة «الإخبارية» التلفزيونية الرسمية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صحافيون يحملون جثمان زميلهم الفلسطيني ياسر مرتجى الذي قُتل خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية بغزة (د.ب.أ)

212 صحافياً ضحايا حرب غزة... وأكثر من 400 مصاب

تجمَّع عشرات الصحافيين الفلسطينيين، اليوم (السبت)، أمام «مجمع ناصر الطبي» في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، رافعين صور زملائهم الذين قُتلوا في الحرب الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا مظاهرة سابقة نظمها إعلاميون للتنديد بـ«التضييق على حرية التعبير» (إ.ب.أ)

«مراسلون بلا حدود» تؤكد تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة

أكد التقرير السنوي حول مؤشر حرية الصحافة، الذي تم تقديمه، اليوم الجمعة، تراجع تونس في الترتيب إلى المرتبة الـ129.


«تشات جي بي تي» يثير جدلاً بشأن تحديث أسماء المُستخدمين

هاني سيمو (الشرق الأوسط)
هاني سيمو (الشرق الأوسط)
TT

«تشات جي بي تي» يثير جدلاً بشأن تحديث أسماء المُستخدمين

هاني سيمو (الشرق الأوسط)
هاني سيمو (الشرق الأوسط)

أثار تحديث ظهر على تطبيق «تشات جي بي تي» سجالاً بين خبراء التكنولوجيا والمُستخدمين، بعد ملاحظة أن الروبوت الخاص بالتطبيق يسمّي المُستخدمين بأسمائهم، حتى من دون إخباره بتلك الأسماء أو إعطائه صلاحية تخزينها، ما عدّه بعض الخبراء «اختراقاً للخصوصية». وأيضاً فتح التحديث جدلاً حول مستقبل بيانات المُستخدمين وحدود استخدامها دون موافقة مسبقة.

كان التطبيق قد عزّز تجربة الاستخدام منذ أبريل (نيسان) الماضي، بميزة «غير معلنة» تتلخّص في تقديم الإجابات أو الاستنتاجات بشكل شخصي للمُستخدم من خلال ذكر اسمه، وهو «سلوك لم يكن موجوداً في النسخ السابقة».

اللافت أن بعض المُستخدمين تكلّموا عن تجربتهم عبر تطبيق «إكس»، وقالوا إنهم عطّلوا خاصية «الذاكرة» وإعدادات التخصيص، ومع ذلك لم يتوقف الروبوت عن إدراج اسم الشخص داخل الإجابة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى اهتمام الشركة المالكة للتطبيق «أوبن إيه آي» بـ«حماية الخصوصية»، ومدى وعي المُستخدم بهذه التعديلات البرمجية المثيرة للقلق.

وعلى منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، توالت تغريدات عشرات المُستخدمين الذين أعربوا عن استيائهم أو ارتباكهم من أن يبدأ الروبوت في مخاطبتهم بأسمائهم دون طلب.

فادي عمروش (الشرق الأوسط)

ميزة غير معلنة

جدير بالإشارة أن شركة «أوبن إيه آي» لم تعلن بشكل رسمي عن هذا التحديث، كما لم تردّ حتى الآن على استفسارات المُستخدمين حول السبب وراء التحديث أو إمكانية تعطيله حسب الرغبة. ومع أن البعض يربط السلوك بميزة «الذاكرة» الجديدة التي تمكن «تشات جي بي تي» من تخصيص الردود بناءً على محادثات سابقة، فإن ظهور الأسماء لدى مَن عطّلوا هذه الميزة «يضع علامات استفهام حول مستوى الشفافية في التصميم البرمجي».

هاني سيمو، خبير المشاريع الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن استخدام «تشات جي بي تي» أسماء المٌستخدمين «لا يخرج عن كونه ميزة ضمن تطوير النماذج، وتهدف إلى تحسين تجربة المُستخدم»، مضيفاً: «استخدام الأسماء في المحادثات يضفي مزيداً من الطابع الشخصي، ويجعلها أقرب إلى التواصل البشري. ومن ثم جاء التحديث لتحسين أسلوب التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والمُستخدمين من خلال تخصيص طريقة مخاطبة المستخدم بناءً على الاسم الذي يحدده بنفسه أو الاسم الموجود في حسابه».

سيمو قال إن أمام المُستخدم آليات واضحة لطلب حذف بياناته الشخصية من «تشات جي بي تي»، وأضاف أنه «لأصحاب الحسابات عدة خيارات للتحكم في الخصوصية، ومن أهم الخيارات الموجودة حالياً، التحكّم بالسماح أو رفض السماح باستخدام محادثات وتفاعل المُستخدم مع (تشات جي بي تي) في عمليات تحسين تدريب النموذج».

وتابع أنه «وفق التفاصيل التي توضحها الشركة بخصوص هذا الخيار، فإن كل البيانات الشخصية والتفاصيل مثل الأسماء، والأرقام، والعناوين، تُزال قبل معالجة بيانات المحادثات في عمليات تحسين التدريب».

كذلك أشار سيمو إلى ميزة «الذاكرة» لدى «تشات جي بي تي»، موضحاً أنه «لجعل الإجابات أكثر شخصية، ومناسبة لطبيعة الاحتياجات الخاصة لكل مُستخدم، فإن التطبيق يجمع ويحلل ويتذكر تفاصيل من المحادثات، وأخيراً يتذكر محادثات كاملة سابقة بينه وبين المُستخدم». إلا أن حدود هذه الذاكرة هو تحسين التفاعل بين التطبيق والمُستخدم، وتحسين جودة الإجابات وسياقها، ولا يشارك هذه التفاصيل مع مُستخدمين آخرين، أو في عمليات تهدد الخصوصية. وفي هذا السياق - كما أردف - «يوجد أيضاً خيار المحادثات المؤقتة، التي تختفي بمجرد الخروج منها بشكل مباشر».

ومن ثم، عدّ سيمو مسألة الخصوصية في أنظمة الذكاء الاصطناعي من بين عوامل المنافسة المحتدمة؛ «إذ ستتسابق الشركات على اتباع أعلى المعايير وإثبات التزامها الكامل بالحفاظ على الخصوصية، ويساعدها هذا ليس فقط على الاحتفاظ بالمستخدمين، بل على جذب المزيد منهم».

محمد عبد الوهاب السويعي (الشرق الأوسط)

للعلم، هذا التحديث يأتي في ظل تصريحات صحافية من سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، الذي تطرق أخيراً إلى رؤية مستقبلية تطمح إلى تعريف أنظمة الذكاء الاصطناعي على مستخدميها بشكل مستمر وطويل الأمد لتقديم تجارب «شخصية ومفيدة للغاية». لكن ردود الفعل على هذا التحديث تشير إلى أن «هذه الرؤية قد لا تلقى ترحيباً واسعاً، على الأقل في شكلها الحالي».

طابع بشري يثير مخاوف

من جهة ثانية، في حين يمنح تضمين الاسم في المحادثة المُستخدم شعوراً بتجربة أكثر ودية وإنسانية - وهو ما يمثل في جوهره أحد أهداف التخصيص في أنظمة الذكاء الاصطناعي - اعتبر محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني، والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، «أن هذا الأسلوب قد يفتح باب المخاوف والتأويل إذا لم يُوضح بشفافية». وتابع خلال حوار مع «الشرق الأوسط» أن «مخاوف الخصوصية تتزايد عالمياً بسبب تتبع البيانات واستخدامها لأغراض تسويقية أو تصنيفية من دون علم المُستخدم».

وأوضح السويعي أنه من الناحية التقنية «فإن اسم المُستخدم الذي يظهر في (تشات جي بي تي) يُستخرج من إعدادات الحساب العامة كجزء من بيانات الجلسة، وليس من قاعدة بيانات مخفية أو من تتبع مباشر». ثم أضاف: «لكن يظل التحدي في أن كثيرين من المُستخدمين لا يدركون هذه التفاصيل التقنية، ما يعني أن الثقة قد تهتز بسهولة حتى من دون وجود خرق حقيقي... ولذا يُنصح بأن تقدم المنصات مثل (أوبن إيه آي) تفسيرات صريحة حول الخصائص التي ترتبط بالمعلومات الشخصية مهما كانت بسيطة».

الخبير السعودي ذكر أنه «لا توجد حالات موثّقة تشير إلى أن (تشات جي بي تي) استخدم معلومات شخصية للمُستخدمين بشكل غير مناسب أو في سياقات مضللة... فالنموذج مصمّم بطريقة عديمة الحالة، ما يعني أنه لا يحتفظ بسجل دائم للمُستخدم، ولا يمكنه استدعاء معلومات من جلسات سابقة، إلا إذا كانت ظاهرة ضمن المحادثة الجارية».

ومع أن هذا التصميم الآمن، أفاد السويعي أن عام 2023 شهد حادثة تقنية عابرة، حين اكتشف بعض المُستخدمين أنهم قادرون مؤقتاً على رؤية عناوين محادثات تعود لمُستخدمين آخرين، من دون القدرة على الاطلاع على محتوى تلك المحادثات. وشرح قائلاً: «صحيح أن (أوبن إيه آي) تعاملت بسرعة مع هذه الثغرة وأغلقتها، إلا أنها كانت تنبيهاً مهماً حول ضرورة تعزيز تدقيقات الأمان الداخلي في هذه الأنظمة». وأردف: «هذه الواقعة لم تكن متعلقة باستخدام مقصود للمعلومات، لكنها تؤكد أن حتى أكثر الأنظمة تقدماً ليست محصّنة ضد الأخطاء البرمجية، وأن الشفافية وسرعة الاستجابة هما ما تصنعان الفارق في الحفاظ على الثقة».

«تشات جي بي تي»... وتحيزاته

أيضاً، أثار الخبير السعودي بُعداً آخر مثيراً للاهتمام حال استخدام الروبوت لأسماء المُستخدمين، هو التحيّزات القائمة على الدين أو العرق أو الجنس، فقال: «استخدام اسم المُستخدم قد يُفسّر من قبل النموذج على أنه مؤشر على الجنس، أو الخلفية الدينية، أو الهوية الثقافية، وبالتالي قد يؤثر - من دون وعي - على صياغة الردود. فمثلاً، قد يتغير أسلوب المخاطبة أو مستوى التفصيل بحسب الاسم، من دون أن يقصد النظام ذلك».

وأضاف أن رغم بذل «أوبن إيه آي» وغيرها من الجهات المطوّرة لتقنية الذكاء الاصطناعي جهداً كبيراً لتقليل الانحيازات في النماذج اللغوية، يظل خطر التحيزات المبطّنة قائماً.

في هذه الأثناء، اعتبر الدكتور فادي عمروش، الباحث المختص في التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، أن التحديث يُعد اختراقاً لقوانين حماية البيانات الدولية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحديث جاء جزءاً من ميزة الذاكرة الشاملة، والتي تشمل مهمتها تخزين معلومات من المحادثات السابقة تلقائياً، مثل الأهداف الشخصية، والاهتمامات، وأسلوب الكتابة، من دون الحاجة إلى إدخال يدوي من قِبل المُستخدم».

وأفاد بأنه «على الرغم من أن الهدف من هذه الميزة تعزيز التخصيص، وتحسين تجربة المُستخدم، فإنها تثير تساؤلات جدية تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات المحمية بقوة القوانين الدولية. ونتيجة لتلك المخاوف، لم تُطرح هذه الميزة في دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إسبانيا، بسبب التحديات المرتبطة بالامتثال للوائح اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)».

أخيراً، قال عمروش: «تنص المادة الرابعة من اللائحة على أن الاسم الشخصي يُعد من البيانات الشخصية، وبالتالي فإن استخدام أو تخزين أسماء الأفراد من دون الحصول على موافقة صريحة، أو من دون وجود أساس قانوني واضح، مثل المصلحة المشروعة أو تنفيذ عقد، قد يُعدّ انتهاكاً لتلك اللائحة». ومن ثم «في سياق استخدام (تشات جي بي تي)، إذا خزّن النظام أو استخدم أسماء أشخاص من دون الحصول على موافقة صريحة، فإن هذا قد يُعد معالجة غير قانونية للبيانات الشخصية. وعليه، يتوجب على شركة (أوبن إيه آي) توفير آليات واضحة وفعالة للمُستخدمين تتيح لهم إدارة بياناتهم».