«التصعيد من أجل التهدئة» استراتيجية بايدن في أوكرانيا

«التصعيد من أجل التهدئة» استراتيجية بايدن في أوكرانيا

السبت - 13 رجب 1444 هـ - 04 فبراير 2023 مـ رقم العدد [ 16139]
يعتقد بوتين أن الوقت هو أفضل حليف له وبايدن لا يريد حرباً بلا نهاية لأنها تحوّل أوكرانيا إلى أرض خراب وتمثل عبئاً على الغرب اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً (أ.ب)

وصلت الحرب في أوكرانيا إلى مرحلة جديدة، في حين تشهد الاستراتيجية الأميركية تحولاً مهماً؛ فالمخاوف من نشوب حرب نووية تتراجع، والمخاوف من حرب طويلة المدى تستنزف الجميع تتزايد؛ لذلك تكثف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن دعمها لأوكرانيا، على أمل الوصول إلى حل دبلوماسي للأزمة فيما بعد، اعتماداً على استراتيجية «التصعيد من أجل التهدئة» التي قد يكون من الصعب تنفيذها حسب المحلل الاستراتيجي الأميركي هال براندز.

ويقول براندز في تحليل نشرته وكالة (بلومبرغ) للأنباء إنه بعد مرور نحو عام على بدء الحرب، أصبح الغموض الذي يحيط بمسارها أشد من ذي قبل. ففي الأشهر الستة الأولى من الحرب كانت روسيا صاحبة زمام المبادرة: وكانت الأسئلة الرئيسية هي: متى...؟ وأين...؟ وما شكل النجاح الذي ستحققه عند الهجوم؟ وخلال الشهور الخمسة التالية استردت أوكرانيا زمام المبادرة، وحاول المحللون التكهن بمكان واحتمالات الهجمات المضادة التالية.

الآن أصبح من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث، ولا بمن صاحب التقدم. ربما يستعد كلا الجانبين لهجمات جديدة. وكلا الجانبين يتعامل مع مزيد من خسائر أرض المعركة، مع الحصول على قدرات جديدة قد تجعل من الصعب تمييز نقاط القوة النسبية لكل طرف.

وربما يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت هو أفضل حليف له، وأنه إذا واصل تدمير البنية التحتية الأوكرانية، مع الاحتفاظ بما كسبه في أرض المعركة على الأقل، فقد يتمكن من ترسيخ حالة حرب ممتدة يكون تفوق القوة البشرية لروسيا حاسماً فيها. في المقابل تعد أوكرانيا الوقت عدواً لها، ويجب أن تستغل ضعف القوات الروسية وقلة تسليحها حالياً قبل وصول قوات روسية جديدة يجري حشدها إلى أرض المعركة، وقبل زيادة وتيرة الإنتاج العسكري الروسي، وأخيراً قبل أن يتراجع دعم الحلفاء الغربيين لكييف.

وتبدو إدارة بايدن متفائلة بحذر تجاه الاحتمالات بالنسبة لأوكرانيا؛ فالمكاسب السهلة على حساب الجيش الروسي المنهك ربما تكون قد تحققت. ولكن عندما تصبح روسيا مدافعةً عن جبهات أقصر بقوات أكبر، سيكون استخلاص كل بوصة من الأراضي الأوكرانية من يد القوات الروسية أصعب، حتى إذا ما تمكن الجيش الأوكراني الملتزم والمبدع من تحقيق أكثر مما حققه حتى الآن؛ لذلك تقوم الإدارة الأميركية بتحديث استراتيجيتها للحرب الأوكرانية، بثلاث طرق:

أولاً: تقوم بتحديد الأهداف الأميركية في الحرب بشكل أفضل. ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة أوكرانيا على تحرير الأراضي التي فقدتها منذ فبراير (شباط) 2022، وليس بالضرورة كل شبر من أراضيها المحتلة منذ 2014. كما أعلن أن هدف واشنطن هو بقاء أوكرانيا كدولة قادرة على الدفاع عن نفسها عسكرياً ومستقلة سياسياً ومزدهرة اقتصادياً. وهذا لا يتضمن بالضرورة استعادة المناطق التي تصعب استعادتها مثل شرق دونباس أو شبه جزيرة القرم.

ثانياً، تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بإرسال أسلحة أكثر تطوراً إلى أوكرانيا مثل عربات القتال المدرعة، وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي (باتريوت)، والدبابات التي تستطيع اختراق الدفاعات الروسية متعددة الطبقات. كما تحركت الولايات المتحدة نحو تقديم ذخائر أبعد مدى يمكنها الوصول إلى المناطق الخلفية للقوات الروسية. ومن المحتمل أن تتضمن هذه الذخيرة القنابل صغيرة القطر التي يمكن إطلاقها من الأرض ويصل مداها إلى نحو ضِعف مدى راجمات الصواريخ هيمارس التي تستخدمها القوات الأوكرانية حالياً لإلحاق خسائر هائلة بالقوات الروسية.

وأخيراً، رغم أن بايدن قد لا يأمل في تحرير شبه جزيرة القرم بالقوة، فإنه أصبح أكثر تأييداً لشن هجمات على الأهداف الروسية فيها. لكن هل يمكن أن يؤدي قصف شبه جزيرة القرم التي تعد محورية في حديث الرئيس بوتين عن إعادة إحياء روسيا العظمى تحت حكمه إلى تصعيد الحرب في أوكرانيا؟

يصرح براندز وهو أستاذ كرسي هنري كيسنجر المميز للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، بأنه ربما يحدث هذا، لكنه تراجع أكثر من مرة عن التصعيد الذي هدد به عدة مرات للدرجة التي تجعل تهديداته بلا مصداقية؛ لذلك فإن التلويح بإمكانية استعادة شبه جزيرة القرم المهمة جداً بالنسبة له بالقوة قد يكون أفضل طريقة لإجباره على التفاوض بجدية لإنهاء الحرب.

ورغم أن هذه التحولات في السياسة الأميركية تبدو متعارضة مع بعضها البعض، فإن هناك منطقاً موحداً وراءها؛ فالولايات المتحدة لا تريد حرباً بلا نهاية؛ لأنها تحوّل أوكرانيا إلى أرض خراب، وتمثل عبئاً على الغرب اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.

لذلك تسعى إدارة بايدن إلى مساعدة أوكرانيا على تشديد الضغط على القوات الروسية، وربما ترسل لها مزيداً من المساعدات كوسيلة لفتح الطريق أمام التفاوض بعد انتهاء الجولة القادمة من القتال بين الروس والأوكرانيين.

أخيراً، يقول براندز إنه لا يوجد في هذه الاستراتيجية شيء بسيط، كما اتضح من خلال الخلافات بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشأن من سيعطي أوكرانيا أي نوع من الدبابات. ونجحت الولايات المتحدة في إدارة هذه المشكلة ببراعة في النهاية، وتعهدت بإرسال 31 دبابة متطورة من طراز إبرامز بعد شهور من الآن كطريقة لفتح الباب أمام إرسال مئات الدبابات الأوروبية المتطورة إلى أوكرانيا خلال الأسابيع المقبلة. لكن هذا ليس هو التحدي الوحيد؛ فإدارة بايدن تراهن على الوصول إلى نقطة رائعة يصبح فيها الروس مستعدين للتفاوض وليس للتصعيد، في حين يكون الأوكرانيون في موقف أقوى، لكنهم مستعدون للقبول بما هو متاح وليس بما يرغبونه أو يستحقونه.


أوكرانيا حرب أوكرانيا

اختيارات المحرر

فيديو