صراع أبطال «الكوميكس» يتجدد بين «دي سي» و«مارفل»

كيف انفرد «أفاتار» بنفسه ونجح؟

مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»
مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»
TT

صراع أبطال «الكوميكس» يتجدد بين «دي سي» و«مارفل»

مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»
مشهد من الفيلم المقبل «حرّاس المجرّة»

النجاح العالمي لفيلم «أفاتار: طريق الماء» أثمر حتى كتابة هذه السطور عن تبوؤ الفيلم المركز الثالث بين الأفلام أعلى إيراداً في تاريخ السينما. الرقم المسجل هو ملياران و118 مليوناً و262 دولاراً. ومع مشارف «الويك - إند» غداً قد يخترق الفيلم المزيد من المراكز، والبعض يتوقع له أن يتبوأ الرقم الأول خلال الأيام العشرة المقبلة.
جيمس كاميرون، مخرج هذا الفيلم والجزء الأول منه، كان حقق المركز الأول لسنوات عندما حقق «تايتانك» سنة 1997 وشاهد إيراداته ترتفع حتى تجاوزت كل الأرقام السابقة. لكن أفلاماً أخرى، من بينها Avengers‪:‬ Endgame وStar Wars VII‪:‬ The Force Awakens نافست «تايتانك» على المركز الأول. وإذا ما وصل فيلم جيمس كاميرون الجديد إلى القمّة، كما هو متوقع، فإنه سيكون المخرج الوحيد الذي أنجز هذا النجاح ثلاث مرّات، وذلك عن «تايتانك» (مليارين و208 ملايين دولار) والجزء الأول من «أفاتار» قبل 14 سنة (مليارين و999 مليون دولار).‬‬

مجموعة أبطال {دي سي}

الدرس الذي تستطيع استوديوهات هوليوود الاستفادة منه هو أن الإنتاجات العملاقة كـ«أفاتار: طريق الماء» وأفلام «الأكشن» الأضخم من كل واقع لا عليها نبذ العامل الإنساني من حكاياتها. على العكس، تستطيع أن تحمل رسائل إنسانية وأبعد سياسية من دون أن يؤثر ذلك على نجاحاتها، ما دام هناك من يعرف سر الخلطة بين العناصر.
هذا عكس ما تطرحه هوليوود من أفلام سوبر هيرو (وسوبر فيلينز) القائمة على المؤثرات والخدع البصرية والكثير من ضوضاء المعارك والموسيقى والصوت. انبثاقاً من هذا، تميّز «أفاتار: طريق الماء» باهتمام صانعيه بالشخصيات. صحيح أنها جميعاً (غالباً) منضوية تحت أشكال غير آدمية، إلا أنها تنفح بالعاطفة، وتحمل تلك المشاعر التي لا جدال في أهميتها مثل الحب والتضحية والكيان العائلي الواحد.
نعم، أحياناً ما نرى في حكايات «سوبرمان» و«فلاش غوردون» و«ذَا أفنجرز» ملامح هذه المشاعر، لكنها تبدو مبتذلة ومجانية ومجرد زينة لاستقطاب الباحثين عنها.

سوبرمان يطير مجدداً

منافسة
«فوكس»، التي أنتجت «أفاتار طريق الماء» وكل الأجزاء المنتمية إليه، باتت من ممتلكات شركة ديزني، التي أرادت احتواء كل المنافسين لها. كانت «فوكس» تعوم فوق كنوز تابعة لشركة Marvel المرتبطة بدورها إلى «ديزني» بشراكة وثيقة، إذ كانت تضم شخصيات أخرى لشركة «مارفل» بينها X‪ - ‬ Men وDaredevil وFantastic Four. هذه كلها آلت إلى «ديزني» حالياً. ‬
علاقة جيمس كاميرون بشركة «تونتييث سنتشري فوكس» بدأت قبل البيعة بسنوات. لكن الرجل حمى نفسه من أن يُصبح أداة أخرى من أدوات «ديزني» بعقود صارمة تمنع أحداً سواه من تقرير مصير سلسلته هذه. ديزني في هذه الحال، ليست أكثر من موزع نشط للفيلم الحالي وما سيتبعه من أعمال.
لكن «ديزني» الآن تتطلع إلى منافسة أخرى على الطريق اسمها DC.
للقلة التي لا تعلم، Marvel وDC هما المعقلان الأكبر بين كل مؤسسي شخصيات «الكوميكس» المعروفة. «دي سي» لديها «سوبرمان» و«باتمان» و«ستيل» و«أكوامان» و«بلاك آدام» وشخصيات أخرى عديدة بعضها مسحوب من بعض ما تم ذكره مثل «سوبرغيرل» و«سوبربوي» و«جوكر» (الآتي من رحم «باتمان). «مارفل» لديها معسكر من الشخصيات المنافسة مثل «أيرون مان»، «فلاش غوردون»، «ذا أفنجرز»، «ثور»، و«حراس المجرة» و«سبايدر مان»... إلخ.
التنافس بينهما على شاشات السينما هو التنافس ذاته بين «وورنر»، التي تملك حقوق أفلام DC و«ديزني»، مالكة حقوق أفلام Marvel ورغم نجاحات «وورنر» السابقة من خلال أفلام «سوبرمان» و«باتمان»، فإن الغلبة في هذه المنافسة آلت - في الخمسة عشر عاماً الأخيرة - إلى «مارفل».
في الواقع، لم تنجح محاولات «وورنر» في الأعوام الخمس الأخيرة في تنويع وترويج شخصياتها الكلاسيكية مطلقاً. شيء ما واجه محاولاتها جذب الجمهور الذي أحب «باتمان» كما أنجزه تيم بيرتون في نهاية الثمانينات وكريستوفر نولان في مطلع هذا القرن، وسقط لها في العام الماضي «باتمان» آخر، كما كان سقط لها قبل ثلاثة أعوام اللقاء الذي بدا واعداً في «سوبرمان ضد باتمان».

مشاريع مستقبلية
«ليس هناك من مفر أمامكم سوى اللجوء إلى منهج جديد تماماً إذا ما أردتم الاستمرار في صنع أفلام سوبر هيرو».
القائل هو مخرج سلسلة «حرّاس المجرة» (The Guardians of the Galaxy) جيمس غن (Gunn) الذي حقق نجاحاته عند «ديزني»، عبر تلك السلسلة. وهو أضاف: «دعوني وشركائي نعيد ترتيب بيتكم على أساس جديد، وإلا فإنه لا مستقبل لكم في هذا النطاق».
«وورنر» وافقت وانتقل غن من معية ديزني ومارفل إلى وورنر - دي سي وباشر الشغل (مع شريكه بيتر سافران) من اليوم الأول.
في يوم الاثنين الماضي، وبعد ثلاثة أشهر من تعيينه، أقام غن وبيتر سافران مؤتمراً صحافياً في ربوع شركة وورنر شمالي لوس أنجليس لإعلان المنهج الجديد الذي ستسير عليه وورنر من الآن وصاعداً. قال فيما قاله: «أسسنا لصرح جديد تماماً وآلية منفصلة عن وورنر. تم منحنا كل الدعم وحرية التخطيط والتنفيذ وأستطيع الإعلان عن التالي».
والتالي كان جملة من الأفلام التي سيباشر العمل على تنفيذها تباعاً.
سلاح المقدّمة ما زال في يدي «سوبرمان» و«باتمان» لكن على أسس جديدة وحكايات يذكر المخرج أنها غير متوقعة. هو بنفسه سيقوم بإخراج «سوبرمان: وصية» (Superman‪:‬ Legacy الذي سيكون جاهزاً للعرض في الحادي عشر من يوليو (تموز) 2025. ‬
هناك أيضاً إعادة ولادة لشخصية «سوبرغيرل» التي، حسب الروايات، ابنة عم «سوبرمان» وتتمتع بقدراتها الخاصة. يشرح غن أن الفارق بين «سوبرمان» و«سوبرغيرل» أن «سوبرمان» هبط الأرض، بينما ترعرعت «سوبرغيرل» فوق كوكب كريبتون حيث وُلدت.
شمل الإعلان كذلك مسلسلاً من الكوميكس بعنوان Swamp Thing الذي كان حاول يجد لنفسه مكاناً على الأرض قبل عدّة سنوات، لكنه فشل. الشخصية هنا تحتاج لعناية كبيرة كونها شخصية تشبه مخلوقات غير آدمية بأشكال آدمية. هذا المشروع سينتمي إلى أفلام الرعب أكثر من انتمائه إلى أفلام الفضائيات و«السوبرمانيات».
لن يغيب «باتمان» (والنيّة استعادته مع شخصية تلميذه روبن) وستعود «ووندروومان» والحبل على الجرار كما قيل في المؤتمر الصحافي.
وهناك إعادة بعث لشخصيات ليست مشهورة مثل Waller الذي اقتبسه غن من مسلسل تلفزيوني قصير كان أشرف عليه من بطولة فيولا ديفيز.
أيضاً Lanterns الذي هو حالة خاصة. ذلك أن المشروع حتى وقت قريب كان لا يزال قيد الإنجاز تحت يدي المخرج غريغ برلنتي، لكن الواضح أنه لم يستطع، لسبب أو لآخر، التقدّم به كثيراً، فتم شطب المشروع والآن يُعاد تركيبه ضمن هذه الرؤية الجديدة.
واحد من تلك المشاريع التي تأمل «وورنر - دي سي» تحقيقها (والتي هي أيضاً جديدة) اسمه Authority الذي سيكون حول مجموعة من حراس الأرض يستخدمون وسائل غير مطروقة من قبل ومستقاة من نظام اسمه «وايلد ستورم». يقول سافران: «ليس عن أخيار ضد أشرار، بل شخصية (أوثوريتي) ستكون رمادية في هذا الشأن».
ما يتبدّى من خلال كل ذلك، أن «وورنر» قررت الالتزام برؤية غن - سافران للمستقبل ووافقت على أن تكون لــ«دي سي» كيانها المستقل. غرفة عمليات يكون لها مطلق الحرية في القرار والتنفيذ. للغاية تم توظيف عدد كبير من الكتّاب الذين سبق لهم وأن وضعوا سيناريوهات مثل هذه الأفلام، وتحديد برنامج عمل يقتضي إطلاق فيلمين سينمائيين في العام ومسلسلين تلفزيونيين كل سنة.
الباقي يتوقف على الجمهور وعلى سينمائيين آخرين كانوا حذّروا من مغبّة إطلاق أفلام تعتمد على المؤثرات وحدها. بين هؤلاء مارتن سكورسيزي وكريستوفر نولان وجيمس كاميرون نفسه.

9 أفلام «كوميكس» لعام 2023
1 - Guardians of the Galaxy - Part 3 (Marvel)
2 - (Shazam! Fury of the Gods (DC
3 -(Aquaman and the Lost Kingdom (DC
4_ Kraven ‪ (Marvel)‬‬
5 -(Blue Beetle (DC
6 -(The Flash (DC
7 - The Marvel ‪ (Marvel)‬‬
8 - Ant - Man and the Wasp Quantumania (Fox- Marvel)
9 Spider - Man Across the Spider - Verse


مقالات ذات صلة

وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور إثر حريق شبّ في منزلها

يوميات الشرق  نيفين مندور (صفحتها الرسمية في «فيسبوك»)

وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور إثر حريق شبّ في منزلها

تُوفيت الفنانة المصرية نيفين مندور صباح اليوم (الأربعاء)، عن عمر يناهز 53 عاماً، وذلك إثر حريق مفاجئ شبّ في منزلها.

يسرا سلامة (القاهرة)
سينما الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)

«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

منذ عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي، وصولاً إلى عرضه الخاص في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة الأسبوع الماضي، أثار فيلم «صوت هند رجب» نقاشاً واسعاً.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولاً مع تاريخها في صناعة التراث وثانياً مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء.

جميلة حلفيشي (القاهرة)
لمسات الموضة المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي) play-circle 02:28

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولاً مع تاريخها في صناعة التراث وثانياً مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء.

جميلة حلفيشي (القاهرة)
يوميات الشرق روب راينر وميشيل راينر يحضران حفل توزيع الميداليات تكريماً للفائزين بجوائز مركز كنيدي السنوية السادسة والأربعين في وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن العاصمة في 2 ديسمبر 2023 (إ.ب.أ)

احتجاز نجل روب راينر بعد العثور على المخرج وزوجته مقتولين بطعنات

عُثر على جثمان المخرج والممثل الأميركي روب راينر وزوجته ميشيل مقتولين في منزل بلوس أنجليس يملكه راينر، حسبما أفاد مسؤول في سلطات إنفاذ القانون الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
TT

«صوت هند رجب»... من المهرجانات العالمية إلى السينما السعودية

الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)
الممثل معتز ملحيس وأمامه صورة الطفلة هند رجب في مشهد من الفيلم (أ.م.د.ب)

منذ عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي، وصولاً إلى عرضه الخاص في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة الأسبوع الماضي، أثار فيلم «صوت هند رجب» نقاشاً واسعاً؛ لاعتماده على الصوت بوصفه مركز التجربة السينمائية، وهو عمل توقفت عنده منصات سينمائية عالمية لكونه فيلماً يختبر قدرة مكالمة هاتفية على حمل مأساة كاملة، عبر السرد السمعي وحده.

وفي هذا الأسبوع، يصل الفيلم إلى صالات السينما السعودية ومجموعة من الدول العربية، حاملاً معه ذلك الصدى العالمي، ومطروحاً أمام جمهور جديد يترقّب عرضه يوم الخميس 18 ديسمبر (كانون الأول). الفيلم من كتابة وإخراج كوثر بن هنية، المرشحة مرتين لجوائز الأوسكار، وقد فاز بـ«جائزة الأسد الفضي» وهي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي. كما نال تكريمات في مهرجان سان سيباستيان، محققاً أعلى تقييم في تاريخ المهرجان، إلى جانب مشاركته في مهرجان شيكاغو السينمائي، مما أسهم في ترسيخ حضور الفيلم بوصفه أحد أكثر الأفلام غير الإنجليزية تداولاً خلال العام.

المكالمة الهاتفية... نقطة البداية

ينطلق «صوت هند رجب» من واقعة حقيقية شهدها قطاع غزة في يناير (كانون الثاني) 2024، حين حوصرت الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الأعوام الستة، داخل سيارة تعرّضت لإطلاق نار في أثناء محاولتها الخروج من المدينة برفقة أفراد من عائلتها. ومع تعقّد المشهد الميداني، تتواصل الطفلة عبر الهاتف مع متطوعي الهلال الأحمر، فيما تتتابع محاولات التنسيق للوصول إليها. من هذه اللحظة، يتشكّل البناء السردي للفيلم، حيث يصبح الصوت مساحة الحكاية الوحيدة، ويتحوّل الانتظار إلى عنصر درامي قائم بذاته.

تختار المخرجة التونسية، كوثر بن هنية، أن تضع الهاتف في قلب التجربة السينمائية، وأن تمنح الصوت وظيفة تتجاوز كونه وسيطاً تقنياً إلى كونه حاملاً للزمن والقلق والمعنى. الكاميرا تتابع محيط الحدث، وحركة المسعفين، ومسارات التنسيق المتشابكة، فيما يبقى مركز الثقل معلقاً عند الطرف الآخر من الخط. هذا البناء يفرض على المشاهد حالة إصغاء مستمرة، ويضعه في موقع المشاركة الشعورية، حيث تتقدّم الدقائق بثقلها وتتراكم الأسئلة مع كل محاولة وصول مؤجلة.

يركز الفيلم على عجز المسعفين على إنقاذ الطفلة التي تستنجد بهم (أ.م.د.ب)

اختبار العجز الإنساني

في مقاربته الحدث، يختار «صوت هند رجب» مساراً إنسانياً يركّز على الفعل ذاته: الاستغاثة، والمحاولة، والسعي للوصول. هذا التركيز يمنح الفيلم بعداً إنسانياً، ويجعله مفتوحاً على تلقي جمهور واسع يرى في القصة اختباراً أخلاقياً لمعنى الإنقاذ حين تتشابك الظروف وتتأخر الاستجابة. هنا، تتحول السينما إلى مساحة تأمل في حدود الفعل الإنساني، وفي المسافة بين النداء والاستجابة.

كوثر بن هنية، التي راكمت حضوراً بارزاً في المشهد السينمائي الدولي خلال السنوات الماضية، تواصل في هذا العمل مشروعها الفني القائم على مساءلة العلاقة بين الواقع والتمثيل، وذلك بعد أفلام لاقت اهتماماً عالمياً مثل «الرجل الذي باع ظهره» و«بنات ألفة»، حيث تأتي هذه التجربة لتؤكد انشغالها بتحويل الوقائع المعاصرة إلى بناء سينمائي متزن، يعتمد على الشكل بوصفه مدخلاً للفكرة. ففي هذا العمل يظهر هذا الوعي في الاختزال السردي، وفي الثقة بقدرة الصوت على حمل الثقل الدرامي.

يشارك في بطولة الفيلم مجموعة من الممثلين، من بينهم سجا كيلاني، ومعتز ملحيس، وكلارا خوري، وعامر حليحل، في أدوار تتوزع بين محيط الحدث ومسارات التواصل ومحاولات التنسيق، وكل ذلك يحدث في مكان واحد، على مدى ساعة ونصف هي مدة الفيلم، حيث تتحرك الشخصيات ضمن سياق جماعي، تتكشف ملامحه عبر الأصوات وردود الفعل أكثر من الأداء القائم على الصورة.

الصوت في الصدارة

يبرز الصوت في الفيلم بوصفه الشخصية الأهم: صوت الطفلة، وأصوات المسعفين، وأصوات المتطوعين، جميعها تتحول إلى مكوّنات درامية تحمل الخوف والارتباك والأمل المؤجل... ومع امتداد التجربة من دون ذروة تقليدية، يبقى المشاهد داخل حالة توتر مستمرة تعكس طبيعة الحدث، وتمنح العمل ثقله الأخلاقي.

وخلال عرضه الخاص ضمن الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حظي الفيلم بتفاعل لافت داخل القاعة الرئيسية. فالعرض، الذي اقتصر على مناسبة واحدة فقط، نفدت تذاكره سريعاً، واختُتم بوصلة تصفيق امتدت لنحو 4 دقائق، في مشهد عبّر عن حجم الأثر الذي تركته التجربة لدى الجمهور، وسط تفاعل عاطفي عكس ثقل الموضوع وطبيعة المعالجة التي يفرضها الفيلم على مشاهديه.

في سباق الأوسكار

يمثّل الفيلم الترشيح الرسمي لتونس في فئة أفضل فيلم دولي ضمن سباق جوائز الأوسكار لعام 2026، في منافسة تضم أعمالاً من 86 دولة، وهذا السياق يضع العمل ضمن مسار شديد التنافس، تتقاطع فيه القيمة الفنية مع طبيعة الموضوع ونمط التلقي، مدعوماً بخبرة مخرجته والأصداء التي رافقت عروضه الأولى.

في المحصلة، يقدّم «صوت هند رجب» تجربة سينمائية تنتمي إلى سينما الذاكرة والتوثيق الإنساني، حيث يتحول الصوت إلى أداة لحفظ الأثر، وتصبح المكالمة الهاتفية سجلاً زمنياً للحظة كاملة. ومع وصوله إلى صالات السينما السعودية، يفتح الفيلم مساحة جديدة للنقاش حول دور السينما في مقاربة المآسي المعاصرة، عبر الإصغاء، والتأمل، وتثبيت الذاكرة بوصفها فعلاً ثقافياً وإنسانياً.


السينما في 2025... عام مفصلي لتطور تقنيات الإبهار

«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
TT

السينما في 2025... عام مفصلي لتطور تقنيات الإبهار

«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)

في مجمله، كان عام 2025 نقطةً مفصلية في مسار السينما على أكثر من صعيد. بدقّة عالية يمكن تحديد العام الحالي على أساس نقطة تفصل بين ما قبله وما بعده، تماماً كما حدث عندما داهم وباء «كورونا» العالم قبل 5 سنوات، فوجدت السينما، كغيرها من القطاعات، نفسها في موقع التحدي والمواجهة.

لكنّ ما يحدث هذه المرّة يختلف؛ فالسينما تدخل عصراً جديداً تبلورت ملامحه في الأعوام السابقة، ثم تجسّد عام 2025 بوصفه واقعاً ثابتاً وقوة مؤثرة في مختلف عناصر الصناعة. الإحاطة بهذه التطورات تكشف حجم تأثير دخول التقنيات إلى عمق البنية الصناعية للسينما.

«بوليت» المطاردة تبدو واقعية لليوم (وورنر)

استبدال شامل

حتى سنوات قليلة مضت، ظلّ إنتاج الأفلام يجري بالطريقة التقليدية: الموافقة على المشروع، ومن ثَم تطويع كل الإمكانات الفنية والتقنية لخدمته وفق موضوعه ونوعه. وكان من المعتاد اللجوء إلى تقنيات الكمبيوتر غرافيكس لإتمام ما يصعب تحقيقه واقعياً، مثل مشاهد مطاردات السيارات في أفلام مثل «بولِت» (Bullitt) 1968، و«ذَ فرنش كونكشن» (The French Connection) 1971، و«رونَن» (Ronin) 1998، التي كانت تُنجز بجهود بشرية شاقة وبمخاطر حقيقية.

اليوم تغيّر القاموس التنفيذي بالكامل. بات في الإمكان تصوير ممثل يركض في «شوارع باريس»، وهو في الحقيقة واقف داخل ستوديوهات «يونيڤرسال»، أمام شاشة خضراء. ويكفي عقد مقارنة بين تلك الأفلام الكلاسيكية وأي فيلم من سلسلة «Fast and Furious» للتأكد من حجم التحوّل.

لكن المدّ لا يتوقف هنا. فالاعتماد على الذكاء الاصطناعي شهد هذا العام قفزة جديدة. صار من الممكن، تنفيذ الفيلم من السيناريو إلى الشاشة عبر منظومة غير بشرية بالكامل: كتابة، إخراج، تصوير، مونتاج، بل وحتى أداء الممثلين.

دافع رئيس

قبل أسبوعين، اعتلى المخرج غييرمو دل تورو منصّة «أميركان فيلم إنستتيوت» لتسلُّم جائزته عن فيلمه الجديد «فرانكنستين»، ونال تصفيقاً حاراً حين أعلن: «فيلمي فني في كل لقطة. خالٍ بنسبة 100 في المائة من الذكاء الاصطناعي».

وعلى الرغم من هذه المواقف، يبقى الدافع الأساسي لاعتماد التقنية واضحاً: تقليص الميزانيات الضخمة للأفلام التجارية. فالذكاء الاصطناعي قادر على خفض التكاليف إلى النصف تقريباً، بحيث تبقى الرواتب هي العبء الأكبر وحدها.

وهذا يتقاطع مع استعداد جمهور واسع لقبول كل ما يقدّم له ما دام يحتوي على جرعات عالية من الأكشن والخيال، دون الاكتراث بما إذا كان الفيلم «بشرياً» أم مُنتجاً آلياً.

«فرانكنستين» 100 في المائة سينما (نتفليكس)

تفكير بالنيابة

يرى المدافعون عن الذكاء الاصطناعي (AI) أنّه يطوّر بصريات الفيلم ويجوّد مؤثراته، لكن هذا صحيح بقدر محدود. فالسينما بلغت قممها على أيدي فنانين أكفّاء صنعوا روائع مثل «ووترلو»، أو «بوني وكلايد»، أو «لورنس العرب»، أو «صنست بوليڤارد»، أو «القيامة الآن».

ما يطلبه الذكاء الاصطناعي ببساطة هو: «لا تفكّر... سأفكّر نيابةً عنك».

وهو ما يشبه ما حدث مع الهواتف الذكية وخرائط «غوغل»: استبدال الجهد الذهني بالاعتماد التام على التقنية.

ولا يعمل الذكاء الاصطناعي وحده في هذا المسار. فعام 2025 هو الامتداد الأكثر شراسة لما بدأ قبل سنوات مع المنصّات المنزلية، التي توفّر عليك مهمّة الانتقال إلى صالات السينما. غايتها ليست راحتك ولا حتى مساعدتك على الحد من النفقات (لم ترتفع أسعار التذاكر إلى المستوى الحالي إلا كرد فعل على انخفاض الإقبال) بل مد أصابعها إلى محفظتك كل شهر. أنت بالتالي، وعلى عكس روعة الحضور الفعلي لصالة السينما، لست أكثر من رقم محفوظ ومصمم لكي تُفيد جهة لن تقوم مطلقاً بتوفير أفلام فنية أو تعالج موضوعات جادّة بفاعلية طالما إنها ليست مطلب الجمهور.

وفي هذا السياق جاء هجوم «نتفليكس» الأخير لشراء «وورنر»، في خطوة توسّع رقعة هيمنة المنصّات. بينما جاء دخول «باراماونت» على خط الاستحواذ لعرقلة هذا التفرّد وإعادة بعض التوازن إلى المنافسة.

لكن السينما المناوئة لم تُهزم بعد وتجد في المهرجانات الفنية مساحة كبيرة للمقاومة كما في مواقف مخرجين يدركون جيّداً أن عليهم الصمود في وجه هذه التيارات.


شاشة الناقد: ثلاثة أفلام من مهرجان «البحر الأحمر» تكسر المعتاد

«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام من مهرجان «البحر الأحمر» تكسر المعتاد

«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)

THE SECRET AGENT ★★★★

إخراج: ‪ كلايبر مندوزا فيلو‬

البرازيل | تشويق سياسي

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

يتألّف هذا الفيلم الذي شهد عرضه الأول في مهرجان «ڤينيسيا» هذا العام واستُقبل جيداً في مهرجان البحر الأحمر قبل أيام من 3 أقسام، كل منها بعنوان مختلف، لكن ليس بغرض سرد 3 حكايات مختلفة، بل لربط أحداث كل فصل وشخصياته بخيط واحد يتناول، بالإيحاء غالباً، الجريمة السياسية في البرازيل سنة 1977. وسواء تحدّث القسم الأول عن جرائم قتل ارتكبها نظام تلك الفترة ضد المواطنين، أو رغبة بطل الفيلم مارسيلو (واغنر مورا) في البحث في أرشيف الدولة عن تاريخ عائلته (القسم الثاني)، أو لجوئه للتخفي بعيداً عن أعين مطارديه في محاولته لإعادة فهم وتقييم الواقع المُعاش (عموم الأقسام الثلاثة)، فإنه يوفّر من خلال شخصية بطله نظرة جامعة لأثر الاضطهاد السياسي على حياته فرداً وحياة الآخرين مجموعةً. وهو يفعل ذلك بدراية كاملة وبحرية فنية تجعل الفيلم أكثر إشباعاً لمحبي السينما وتمنح المُشاهد معالجة تبدو كما لو كانت مستقاة من خطوط أحداث لا نراها، بل نعايشها كما نعايش الماثل أمامنا. هذا كان شغل فيلو منذ فيلمه الأول «أصوات مجاورة» (Neighboring Sounds) وما زال شغله الآن، حيث ما نراه وما لا نراه يتساويان في الإيحاء والأهمية.

يستخدم فيلو السينما مرآة تعكس ذاكرة تقض المضاجع. مارسيلو يعيش في ماضيه كما في واقعه الحالي. يلجأ إلى بلدة تعيش طقوساً احتفالية لا يأبه لها كثيراً، إذ إن غايته إعادة الوصل بينه وبين ابنه الذي يعيش في الخيال. كل هذا والشعور بأن السلطة والعاملين فيها أو متعاملين معها موجودون عن قرب، حتى وإن لم نرَ لهم حضوراً فعلياً.

يتحرك الفيلم بحرية بين موضوعاته وأقسامه، غير مرتبط بمنهج سرد معيّن، ولكثرة مشاغله وما يود البحث فيه هناك تطويل يطغى، لكنه يبقى قادراً على جذب الاهتمام طوال الوقت. ما يتبلور على الشاشة هو عمل يجمع بين سيرة شبه شخصية لرجل يرفض نسيان الأمس وبين حب السينما كلغة تعبير، وثقة المخرج بالكيفية التي ينجز فيها مفرداته هذه.

BLACK RABBIT‪,‬ WHITE RABBIT ★★★

إخراج: شهرام مقري

طاجيكستان/ الإمارات العربية

المتحدة | دراما

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

هذا فيلم غريب يُقدّر لحريّة المخرج في معالجته المبنية، بوضوح، على الخروج من شروط السرد المعتمد عادةً إلى آخر يتطلّب من المُشاهد التحرك بالاتجاه نفسه، متجاوزاً بدوره ما اعتاد عليه.

«أرنب أسود، أرنب أبيض» (مهرجان البحر الأحمر)

يدور في أرض تعود إلى استوديو حيث يُصوَّر فيلمان معاً في رقعة واحدة. رغبة المخرج مقري تعتمد على الإكثار من استخدام حريّته في رصف الفيلم الذي يريد كما يريده. هذا يخلق وضعاً تتكرر فيه المشاهد والحوارات، كما الحال عادةً خلال صنع الأفلام. نرى المشهد نفسه مع تغيير طفيف أكثر من مرة، تبعاً لرؤية مخرج يهوى التجريب ويراه مدخلاً مناسباً لسينماه. امرأتان ورجل ومسدس قديم هم محور ما يدور، لكن في وسط ما يبدو تكراراً، حضور لطبقات جديدة تتوالى الظهور.

من حسنات الفيلم التصوير (لمرتضى غايدي)، الذي يؤسس لنظام عمل متكامل يتواكب مع رغبة المخرج في تشغيل مخيلة المُشاهد وتعزيز أسلوبه. في أحيان كثيرة، يؤدي ذلك، ولو بالقصد، إلى الخلط بين الحدث الذي يقع في الفيلم الذي نراه، وذلك الحدث الآخر الذي ينطوي عليه الفيلم داخل الفيلم.

LOST LAND ★★★

إخراج: أكيو فوجيموتو

اليابان/ ماليزيا/ فرنسا

دراما عن الهجرة

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

لا بد أن الشعور الإنساني في صميمه هو ما يدفع مخرجاً يابانياً للانتقال إلى بنغلاديش لتصوير موضوع محلي الحدث مع شخصيات محلية بدورها.

«أرض مفقودة» (مهرجان البحر الأحمر)

في «أرض مفقودة» متابعة لمصير صبي في الرابعة من العمر وشقيقته ابنة التاسعة، وقد قررا الاشتراك في رحلة تبدأ في حافلة تقل عشرات الأشخاص وتنتهي بهما بعد أيام من المشاق، وقد أصبحا وحيدين. مما يتبدى أن غاية المخرج فوجيموتو هي الحديث عن الهجرة غير الشرعية عموماً، مع تمهيد للشخصيتين قبل التحوّل عنهما لتصوير آخرين يؤمّون الهدف نفسه ويعيشون مصاعبه. سيعود المخرج للصبي شافي وأخته سميرة لاحقاً بعد أن يؤسس صورة عامة.

رغبة هذين الولدين هي ترك بنغلاديش في محاولة للقاء والديهما اللذين كانا قد هاجرا إلى ماليزيا. ليس هناك كثيراً لتداوله حول ظروف ما قبل قرارهما بالهجرة، لكن الحكاية تنتهي بهما وقد وجدا نفسيهما في تايلاند. على ذلك، يلتقي هذا المنهج مع حقيقة أن الشخصيات المحيطة تهاجر من دون القدرة على اتخاذ قرارات صائبة. في عموم الفيلم، هم آملون بمستقبل أفضل في عالم لا أمل فيه بالنسبة إليهم على الأقل.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز