«الجريمة المركبة»... التجويع العنصري بوابة لجريمة الإبادة الثقافية

كتاب للصحافي همدان العليي يوثّق أسباب الحرب في اليمن

«الجريمة المركبة»... التجويع العنصري بوابة لجريمة الإبادة الثقافية
TT

«الجريمة المركبة»... التجويع العنصري بوابة لجريمة الإبادة الثقافية

«الجريمة المركبة»... التجويع العنصري بوابة لجريمة الإبادة الثقافية

صدر أخيراً عن «دار الآفاق العربية للنشر والتوزيع» القاهرية كتاب «الجريمة المُركّبة... أصول التجويع العنصري في اليمن» للصحافي الحقوقي اليمني همدان العليي.
وجاء الكتاب في 624 صفحة، وموزعاً على 4 فصول، و4 ملاحق تضم وثائق وصوراً.
ناقش المؤلف في الفصل الأول جذور الحرب الجارية في اليمن وبُعدها التاريخي، وسياسة التجويع التي ينتهجها الحوثيون اليوم على نهج أسلافهم الأئمة، إضافة إلى أهداف التجويع العنصرية بوصفها بوابة لجريمة الإبادة الثقافية وطمس الهوية الوطنية لليمنيين، متطرقاً إلى دور إيران في ذلك.
وتناول في الفصل الثاني أساليب التجويع المباشرة التي مورست بحق المجتمع اليمني، فيما خصص الفصل الثالث لقضايا التهجير، وسرقة المساعدات، والوضع الصحي، وخطر الألغام التي تفرد الحوثيون بزراعتها، إضافة إلى حصار المدن والمناطق السكنية، ودور هذه الجرائم في صناعة أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ وفق وصف منظمات أممية.
وتطرق الفصل الرابع إلى الأضرار التي لحقت بالعملية التنموية في اليمن جراء ممارسات الحوثيين، وانتكاس رأس المال البشري بسبب سياسة التجويع، موثقاً شهادات ودراسات دولية وعربية تؤكد هذه الجريمة، وتتناول الموقف القانوني من بعض الجرائم، كما تضمّنت الملاحق صوراً ووثائق تؤكد جريمة التجويع؛ بعضها ينشر للمرّة الأولى.
ويعدّ «الجريمة المُركّبة» من أوائل الكتب التي توثق أسباب الحرب الأخيرة في اليمن، وأسباب الجرائم التي يرتكبها الحوثيون بحق اليمنيين، متناولاً بالتفصيل جريمة التجويع العنصري وأبعادها وأساليبها بلغة حقوقية.
جاء عنوان الكتاب «الجريمة المُركّبة» مستمداً من الهدف الذي يسعى إليه المؤلّف همدان العليي؛ وهو توثيق جريمة التجويع العنصري في اليمن بوصفها واحدة من أبشع الجرائم المعاصرة.
ووفق العليي، فإن هذه الجريمة «ما كانت لتحدث لولا التمييز العنصري واعتقاد فئة في اليمن أنها مميزة عن غيرها، وأن الله اختارها لحكم اليمنيين وامتلاك رقابهم ولو بالقوة، ما جعلها ترتكب جريمة متعددة الأوجه والأبعاد».
وأوضح المؤلف دافعه للقيام بهذا العمل وهو «المسؤولية الأخلاقية والإنسانية»، وحرصه على «ألا تضيع تفاصيل جريمة التجويع المؤلمة وسط دوامة الصراعات والنزاعات، وتندثر وتصبح جزءاً من غبار التاريخ، لا سيما أمام تحركات الحوثيين والمنظومة الخمينية لتزييف الحقائق»، إضافة إلى هدف مستقبلي هو توفير إجابات للأجيال المقبلة عن طبيعة الحرب الجارية في اليمن اليوم.
وحرص المؤلف على تحديد مصادر المعلومات، وتوثيقها من التقارير الدولية المحايدة، جاعلاً من شهادات الحوثيين أنفسهم أولوية لتأكيد ما جاء في كثير من القضايا، إضافة إلى وثائق بعضها ينشر لأول مرة.
الدكتور أحمد عبيد بن دغر، قال في مقدمته إن تركيز المؤلف على مشكلة العنصرية في معتقد الحوثيين يأتي من «إدراك حقيقي لجذور وأسباب أغلب الحروب في اليمن من فترة طويلة، وهذه مسألة جديرة بالاهتمام والدراسة والتمحيص، ولأنه لا يمكن تحقيق السلام العادل والدائم في اليمن ما لم يتم القضاء على مسببات الحروب؛ وعلى رأسها العنصرية».
وأضاف أن الكتاب «يجمع بين الكتابة في التاريخ، والخوض في السياسة، والاستناد إلى الماضي، مع التركيز على حاضر الإمامة في نسختها الحوثية المصنوعة في طهران، بكل ما فيها من جشع وطمع وانحطاط، يصاحبه عنف وقسوة في التعامل مع الشعب، ويستره صمت دولي مريب... لقد رصد الكاتب أشكال وأساليب العنف التي طوّرها الحوثيون، بما في ذلك الاستيلاء على أموال المواطنين بذرائع مختلفة، وفرض جبايات جائرة عليهم، مصحوبة باستخدام القوّة، ومصادرة أموال الدولة والأوقاف والزكاة والمساعدات الإغاثية».
وجاء في مقدمة وزير الخارجية الأسبق عبد الملك المخلافي أن «المؤلف استطاع كشف سياسة التجويع الممنهجة، التي تمارسها جماعة الحوثي بدوافع عنصرية، ولتحقيق أهداف عنصرية، وكجزء من سياسة العنف والإبادة الجماعية، التي لطالما مارستها الإمامة ضد اليمنيين في تاريخها الأسود».
من جانبه، قال نقيب الصحافيين اليمنيين السابق، نصر طه مصطفى، إن المؤلف بذل «جهداً جباراً في جمع المعلومات وتوثيقها، وتدعيمها بالأدلة والاستقصاء، ليضع بين يدي القراء والمهتمين والمعنيين وثيقة لا يشوبها نقص أو خطأ أو زلة، قدر الإمكان؛ بل ولا يشوبها كيد أو استهداف أو تقصد إساءة بلا دليل أو إثبات أو توثيق».
أما فرناندو كارفاخال، العضو السابق في فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي، فقال هو الآخر في مقدمته إن «النص العربي للعليي، سيصبح مساهمة لها شأنها في الفهم الشامل لميليشيا الحوثي خارج اليمن، وفي جميع أنحاء العالم العربي».


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.