الحوادث المتكررة لاستهدف المساجد ودور العبادة حول العالم، والتي تُخلف قتلى وجرحى، دعت أخيراً إلى تساؤلات حول دلالات هذه الحوادث، خاصة أن من ينفذها عناصر «إرهابية» أو «يمينية متطرفة». وكان آخر هذه الحوادث، استهداف المصلين في مسجد بمدينة بيشاور شمال غربي باكستان.
وقال خبراء وباحثون، إن «تنظيمات (الإرهاب) تستهدف دور العبادة لإحداث حالة من الهلع في المجتمعات». ولفتوا إلى أن «استهداف المساجد في الغرب يرجع إلى تزايد (الكراهية) ضد الإسلام والمسلمين».
وأعلنت الحكومة الباكستانية (الأربعاء) «ارتفاع أعداد ضحايا التفجير الذي استهدف مسجداً في مدينة بيشاور إلى 100 قتيل». ويعدّ تفجير مسجد بيشاور الأعنف في تاريخ باكستان.
الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، عبد الصمد اليزيدي، أكد أن «استهداف (الإرهابيين) للمساجد يعود إلى (التطرف) الديني، الذي يسبب هذا النوع من (الكراهية)».
ويرى الباحث في الشأن الأصولي بمصر، أحمد زغلول، أن «استهداف أحد التنظيمات (الإرهابية) للمساجد هدفه (ضرب شرعية) التنظيمات المنافسة لها، في الدولة الموجودة فيها؛ بهدف (هدم الرمز المنافس)». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «العناصر (الإرهابية) تريد تأكيد أنها (موجودة) باستهدافها دور العبادة، فضلاً عن خلق حالة من الخوف في المجتمعات»، لافتاً إلى أن «هذه التنظيمات ترى أن كل شيء (مُباح) في المجتمعات، ما دام أنها لا تؤمن بأفكار هذه التنظيمات (الإرهابية)».
زغلول أشار إلى أن «استهداف المساجد من قِبل (الإرهابيين) لأن عناصر التنظيمات (الإرهابية) تزعم أن المجتمعات (تعيش في جاهلية) وهم فقط المسلمون – على حد زعمهم -».
آلات ثقيلة لإزالة الأنقاض والبحث عن الضحايا عقب تفجير مسجد في بيشاور (أ.ف.ب)
وكان أبو محمد المقدسي، أبرز منظّري تنظيم «القاعدة» الإرهابي، قد أكد في وقت سابق، أنه «لا قدسية لدور العبادة»، وأجاز فيها «الاعتداء على المساجد».
دار الإفتاء المصرية أكدت في دراسة مطولة لمركز «سلام لدراسات التطرف» في يونيو (حزيران) الماضي، أن «الهجوم على دور العبادة يُعد أحد أبرز مظاهر (الإرهاب) العالمي والمحلي؛ سواء أكانت إسلامية أم مسيحية أم يهودية، حيث يتخذ (الإرهاب) ضد دور العبادة بشكل عام صوراً وأنماطاً مختلفة؛ لإراقة دماء المصلين وتدمير دور العبادة».
الدراسة المصرية أشارت إلى أن «العمليات (الإرهابية) ضد المساجد نُفذت بأنماط وأسلحة متنوعة عدة؛ منها العمليات الانتحارية، أو استخدام الدراجات والسيارات المفخخة، أو زرع لغم أو قنابل وتفجير السترات المتفجرة، أو إطلاق نار بشكل عشوائي». ولفتت إلى أن «الفترة من 2009 حتى 2019 سجلت ارتفاع عدد العمليات (الإرهابية) ضد المساجد في مختلف الأقطار، واستُخدمت فيها أسلحة متنوعة، وراح ضحيتها آلاف المصلين المسلمين، حيث وقعت 184 عملية (إرهابية) أسقطت أكثر من 3447 قتيلاً وإصابة أكثر من 6333». وأوضحت الدراسة، أن «التنظيمات (الإرهابية) تنظر إلى المساجد في البلاد الإسلامية على أنها (لا تطبق أفكارهم) وعلى رأسها (الحاكمية)».
وفي مايو (أيار) الماضي، تعرضت واجهة مسجد تركي في مدينة ميتز بشرق فرنسا لأضرار عقب إلقاء «زجاجات مولوتوف». وفي مارس (آذار) 2019 هاجم مسلح مسجداً في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا أثناء صلاة الجمعة، أسفر عن مقتل وجرح العشرات من المصلين.
وهنا تطرقت الدراسة المصرية إلى دوافع الاعتداء على المساجد في الغرب، والتي جاء في مقدمة أسبابها «الإسلاموفوبيا» كجزء رئيسي من منظومة «الكراهية والعقيدة العنصرية تجاه المسلمين والتي تحولت إلى عقيدة عنف تهدد قيم التعايش السلمي، والاندماج بين السكان الأصليين والوافدين المسلمين».
وذكر أحمد زغلول، أن «استهداف المساجد في الغرب يكون نتيجة تمدد الأفكار السياسية والاجتماعية لـ(اليمين المتطرف)، فضلاً عن وجود (فوبيا) من المسلمين والمهاجرين، فـ(اليمين) يحاول ترسيخ أنه يحاول المحافظة على الهوية الأوروبية بهذه الأفعال». ولفت إلى أن «الغرب كما يشهد اعتداءات على المساجد، يشهد أيضاً اعتداءات على المسلمين في الشوارع، وغلقاً للمساجد، والتشديد في إصدار تراخيص المساجد، بعدد من الدول؛ لأنه (اليمين المتطرف) متواجد أكثر في المشهد السياسي بهذه الدول».
من جهته، قال عبد الصمد اليزيدي لـ«الشرق الأوسط»: «نلاحظ في ألمانيا تزايد (الكراهية) ضد المسلمين بشكل (لافت)، كُنا دائماً نطالب الشرطة المركزية بأن تقوم بعمل إحصاءات للاعتداءات على المسلمين وعلى دور العبادة والمساجد، وما إلى ذلك»، لافتاً إلى أنه «في عام 2019 تمت الاستجابة لهذا المطلب، ومنذ ذلك الحين نلاحظ أن الشرطة المركزية تنشر تقارير سنوية كشفت عن أن عدد الاعتداءات تقدّر بنحو ألف اعتداء سنوياً على المراكز الإسلامية، والمساجد، والشخصيات المسلمة، والنساء المحجبات، وما إلى ذلك».
اليزيدي يرى أن «هناك عدداً كبيراً من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف أو الحياء أو أسباب أخرى؛ لأن كثيراً من الاعتداءات تُصنف تصنيفات أخرى، بينما الهدف والباعث عند هؤلاء (المتطرفين) هو كراهية الإسلام».
حول أسباب تزايد الاستهدافات بحق دور العبادة، يشرح اليزيدي «أصبحنا نسمع خطاباً شعبوياً ليس من الأحزاب (المتطرفة اليمينية)؛ لكن من الأحزاب الألمانية العريقة، لأن فيها بعض العناصر التي لا تفرق بين المغالين و(المتطرفين) الذين هم موجودون في جميع الأديان». ويشير «نرى في خطاباتهم تحريضاً ضمنياً على المسلمين وعدم قبولهم كجزء من المجتمع، وهذا يُشجع (المتطرفين)».
حقاً، يؤكد اليزيدي «نحتاج إلى تغيير جذري في التعامل مع الإسلام والمسلمين في ألمانيا؛ ما سيؤدي حينها لا محالة إلى انخفاض هذه الأرقام، فالأمر خطير، ويهدد الدول الأوروبية؛ لأنها بهذه (العنصرية والكراهية) يكون هناك نوع من الردة للقيم الدستورية والقيم التي تأسست عليها هذه الدول».
ووفق دراسة دار الإفتاء المصرية، فإن «خريطة العمليات (الإرهابية) ضد المساجد تتوزع في 36 دولة، حيث جاءت عواصم ومدن العالم الإسلامي هي الأكثر معاناة من (العنف والإرهاب) ضد المساجد والمصلين، وتصدّر العراق قائمة أكثر الدول من حيث درجة العنف ضد المساجد؛ تلته باكستان، ثم نيجيريا، وأفغانستان، وسوريا». كما سلّطت الدراسة الضوء على الهجوم (الإرهابي) على مسجد الروضة بشمال سيناء المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، الذي أسفر عن مقتل 305 من المصلين».