مايا صارجي لـ«الشرق الأوسط»: لا أحب نبرة «سيري» المعلبة

دخل صوتها ذاكرة اللبنانيين من دون استئذان، فشكل رمزاً من رموزه الفنية عن طريق الإعلانات التجارية. فمايا صارجي التي تعمل «فويس أوفر» (معلق صوتي) منذ سنين طويلة رافقت أجيالاً من اللبنانيين، واكبتهم منذ كانوا صغاراً، ورددوا معها عبارات خاصة بإعلانات تجارية مختلفة، فحلموا معها بطعم الحليب والشوكولاته وعندما كبروا قادوا السيارات واشتروا مساحيق التجميل، التي روجت لها بصوتها. فهم لم ينسوا عبارة «عندما تعشق الشوكولاته»، و«الطعم الذي يأخذك إلى هناك» وغيرها. فهذه الماركات كانت تتمسك بالعبارات نفس بصوت مايا على مدى سنوات طويلة.
في إحدى المرات بحثت عنها إحدى الشركات المنتجة بعد مرور 7 سنوات على تسجيلها إعلاناً تجارياً لها، بهدف الحفاظ على وقع اسم المنتج على إذن المستهلك وتحريك مشاعر الحنين عنده للعودة إليه.
برأي مايا الصوت لا يكذب، وهو يبقى أهم صلة تواصل بين الناس. فمهما بلغ بريق الصورة وتعزز موقعها، إلا أن الصوت يكملها، فيرفع من شأنها ويشكل عامل جذب بفضل خصوصية الصوت وأهميته. وتعلق في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نلاحظ اليوم عودة زمن الصوت من خلال الـ(بودكاست). كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في عودته إلى الواجهة من خلال تطبيقات «تيك توك» و«إنستغرام» وغيرها. فالناشطون يستخدمون اسكتشات ولقطات تمثيلية بصوت أصحابها الفنانين كي يقلدوهم في فيديو مصور».
تجمع مايا صارجي بصوتها النبرة الرنانة والمقنعة معاً، ورغم ذلك تعترف بأنها تحتار حول طبيعة مشاعرها نحوه. «أحبه ولا أحبه، ذلك يتعلق بطبقة الصوت، التي أستخدمها. فأفضل المنخفض النبرة على غيره، والأهم أن يكون سلساً ويقدم بقالب جميل تماماً مثل الموسيقى».
لم تقتصر مهمة مايا بصفتها «فويس أوفر» على الإعلانات التجارية، بل توسعت مع الوقت لتطال المطارات وشركات اتصالات ومستشفيات وغيرها. فصدى صوتها حقق انتشاراً واسعاً، ليس في لبنان فقط، بل في دول عربية مختلفة بينها الإمارات العربية.
وعن مهنتها تقول: «يعتقد البعض أن مهنة معلق الصوت سهلة ولا يلزمها الجهد. ولكن وعلى عكس ما يفكرون، فالتعامل مع الصوت يتطلب مشاعر وحضوراً وحساً وخيالاً». تسللها إلى يوميات الناس من خلال إعلانات يسمعونها عبر الشاشة الصغيرة وأثير الهواء، فرضها لا شعورياً على سامعيها. كثيرون يقلدونها ويرددون عباراتها نفسها بفعل التأثير الذي تمارسه عليهم بتلقائية. البعض يعبر لها عن فرحته عندما يسمع صوتها في أحد المطارات، وكأنه التقى صديقاً قديماً. وفي بعض المراكز التجارية الكبرى (مولات) يستوقفهم صدى صوتها فيعيدهم إلى ذكريات الطفولة والشباب.
عادة ما يولد الصوت عند سامعه خطوطاً يرسمها في خياله، فيتصور أن صاحبه ضخماً أو نحيفاً، أو أن صاحبته منمنمة القامة وشعرها طويل. فكيف تتلمس ردود فعل الناس عندما يلتقونها؟ ترد: «أول عبارة يتلفظون بها هي «أه هذا أنت؟ إنك تشبهين صوتك»، ويحاولون بفرح تلاوة العبارات التي حفظوها بصوتي. العلاقة جميلة جداً بيني وبين الناس، أشعر وكأنهم يعرفونني منذ زمن طويل ويكلمونني انطلاقاً من هذا المبدأ، فتنكسر الحواجز بيننا بسرعة».
تفتخر مايا صارجي، وهي سورية متزوجة من لبناني، بدخولها ذاكرة اللبنانيين على مر الزمن «وكأنني أهم من قصي الخولي». وترى أن صوتها وطّد علاقتها معهم كما شعوب عربية أخرى من أهل مصر والخليج العربي. «بطلعلن بالتليفون وبالمطار وعلى الشاشة وفي الإذاعات، فأبقى في ذهنهم بشكل عفوي».
وتشدد مايا على أن لكل منتج هوية صوتية ترتبط به. فلا يمكنها أن تقدم منتج مسحوق غسيل كما العطر أو ماركة ألعاب عالمية. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «مع الخبرة تزداد معرفة المعلق الصوتي بخط المنتج، ويصبح الأمر بديهياً عنده. فهناك (كراكتير) خاص يولد عندي لكل منتج ويتنوع حسب طبيعته».
أما أكثر الإعلانات التجارية التي لا تزال تذكر قصتها معها فهي تتعلق بماركة حليب مشهورة في المتوسط. «يومها كنت أنتظر ولادة ابني فدخلت استوديو التسجيل، وما إن أنهيت مهمتي حتى شعرت بعوارض الولادة. نقلت إلى المستشفى وأنا أردد كلمات هذا الإعلان، وكذلك أثناء ولادة طفلي وبعدها. فهو من الإعلانات التي لا يمكنني أن أنساها».
تعد مايا صارجي أشهر «فويس أوفر» في لبنان والعالم العربي. وتوافقنا الرأي بأن الأصوات النسائية المعروفة في هذا المجال نادرة. بل تؤكد أن أصواتاً ذكورية هي شائعة بنسبة أكبر، بعضها رافقتنا عبر التاريخ الحديث كوحيد جلال وجهاد الأطرش ووليم عتيق، المعجبة برنة صوته.
وهي تشكل مرجعاً معروفاً اليوم في عالم التعليق الصوتي. وتعطي دروساً تدريبية للمهتمين بهذه المهنة. متعددة المواهب فلا أحد ينافسها بما تجيده، كما تقول. «أتمتع برزمة مواهب (باكيدج) خاصة بي. أنا درست الموسيقى وأغني، وسجلت أكثر من (جينغل) إعلاني. وأجيد العربية والإنجليزية والفرنسية ولهجات عربية كالخليجية والمصرية وغيرها». قريباً تفكر بإطلاق «بودكاست» خاص بالأطفال عبر إحدى المنصات الإلكترونية. «سيكون عبارة عن روايات صغيرة أتلوها بصوتي سيحبها الكبار والصغار معاً وكتبتها بنفسي».
وماذا عن «سيري» التطبيق الشائع عالمياً على هواتف «أيفون» المحمولة. فصاحبة هذا الصوت سوزان بينيت حصدت شعبية وانتشاراً كبيرين من خلال هذه المهمة. فهل هي معجبة بصوتها وتتمنى أن تقوم بمهمتها؟ ترد: «لا تدغدغني بتاتاً هذه الفكرة، وكل ما يتعلق بالذكاء الصناعي. أشعر وكأنهم مهما حاولوا إظهاره مألوفاً يبقى مصطنعاً ومعلباً، فصوتها روتيني. أما أنا فمتعددة الوجوه ومن الصعب منافستي. هذا التنوع هو مصدر قوتي واختلافي عن غيري».