ديفيد هوكني رسام عجوز لم يفقد جرأته

معرض استعادي في فرنسا للفنان البريطاني الأغلى

الفنان أمام واحدة من لوحاته
الفنان أمام واحدة من لوحاته
TT

ديفيد هوكني رسام عجوز لم يفقد جرأته

الفنان أمام واحدة من لوحاته
الفنان أمام واحدة من لوحاته

لا يمكن لمن يتأمل الحياة الملونة المتدفقة من لوحات ديفيد هوكني، أن يتصور أن الفنان يبلغ الـ85 من العمر. إن أعمال هذا الرسام البريطاني المولد، الأميركي الإقامة، تحقق اليوم الأرقام الأعلى في المزادات العالمية. وقد بيعت لوحة له بمبلغ زاد على 90 مليون دولار في عام 2018، ومثل غيره من مشاهير رسامي القرن العشرين، مرت أعماله بعدة مراحل وأساليب فنية، من «البوب» والمدرسة التكعيبية وحتى التحرر من القيود وتأسيس مدرسة خاصة به، يقلدها كثيرون.

لوحة تمثل والدي الرسام تعود لعام 1977

في جنوب فرنسا، يستضيف متحف «غرانيه» في مدينة إيكس، معرضاً استعادياً لهوكني، من الآن وحتى 28 من مايو (أيار) المقبل. وهو معرض تنقل، قبل المحطة الفرنسية، في كل من بلجيكا وسويسرا والنمسا. وبما أنه استعادي فإن اللوحات تنتمي لمجمل مسيرة الفنان، وتعكس تطور أسلوبه عبر العقود. لقد عبر المحيط وأقام على ضفتيه، وكان في الموقعين رائداً وسابقاً لعصره. لم يتقيد بقواعد التشكيل التي تدرس في الأكاديمية الملكية في لندن. وهو لم يعد يرسم الشباب العراة السابحين في حمامات كاليفورنيا، بل المناظر الطبيعية لإقليم النورماندي الفرنسي، والسحر الذي يتمتع به منذ أن اجتذب كبار الانطباعيين في القرن الماضي. وهي فرصة أن يتاح للزوار مشاهدة 103 أعمال، جاء أغلبها من معرض «تيت غاليري» في لندن، تتدرج من نهاية الخمسينات إلى يومنا هذا. ولعل أجمل وصف للفنان هو ما يقوله برونو إيلي، كبير أمناء متحف إيكس، وهو قد كتب في دليل المعرض أن هوكني قد هدأ دون أن يفقد شيئاً من جرأته.

من سلسلة لاعبي البلياردو

لماذا في إيكس؟ هل هناك ارتباط خاص بين الفنان البريطاني وهذه المدينة؟ كان ينبغي أن يفتتح هذا المعرض قبل سنتين. لكن تبعات «كوفيد» فرضت تأجيله في المدن الأوروبية التي سبق له المرور بها. إنه سفر عبر 6 عقود من أعمال هوكني، منذ رسوماته الأولى إلى أحدث مؤلفاته الرقمية. الجديد هنا إضافة صالة مخصصة لأعمال فنانين اثنين عاشا في هذه المدينة وضواحيها، ويشكلان جانباً من مصادر إلهام هوكني. والفنانان هما فنسان فان غوخ وبول سيزان. ويشير دليل المعرض إلى أن الفنان أخذ من الأول تبسيط الخط وحيوية اللون. ويتجلى هذا في اللوحة التي رسمها له مع غليونه. أما من الثاني فقد استلهم موضوع لاعبي الورق. لكن هوكني لا يصور لاعبين فحسب، بل رسم في واحدة من لوحاته ثلاثة لاعبين ورجلاً واقفاً يتابع المشهد. إنها أكثر من مجرد غمزة.
لم تقتصر غمزات هوكني على فان غوخ وسيزان. فهو قد استعار التكعيبية من بيكاسو، والاهتمام بالكائن من هنري ماتيس. إن اطلاعه الواسع على تاريخ الفن سمح له بمعرفة أسرار التقنيات المعتمدة لدى السادة القدامى الذين سبقوه. بل وضع كتاباً عن تلك التقنيات يحلل فيه الأجهزة البصرية أو المرايا أو الكاميرات الغامضة التي استخدمها فنانون من القرن الـ14 إلى القرن الـ19، وفيه يشير إلى براءة الاختراع التي قدمها الفرنسي لوي داغير، مخترع نمط التصوير الفوتوغرافي المسمى «داغيروتايب». من هذا تأتي براعة هوكني في التوافق مع شكل من أشكال تقاليد الرسم والقدرة على إضفاء لمسة شخصية عليه.
يقدم المعرض للمحظوظين الذين ستتاح لهم فرصة زيارته، سلسلة من لوحات لعبة البلياردو، وهي لوحات تعد من رموز فن «البوب» واستلهام الأشياء اليومية في رسوم زاهية الألوان. والغريب أن هوكني، كما جاء في دليل المعرض، كان يرفض الارتباط بتلك الحركة الفنية. فلوحاته هذه التي تلفت الانتباه بقوة إنما هي في الحقيقة نقد يكاد يقترب من هجاء تمثيل الواقع. وهو يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يحاول رسم الحقائق الاجتماعية، منها الحلم الأميركي وازدهار الولايات المتحدة وهيمنتها الاقتصادية. وفي الزمن الذي رسم فيه لوحات البلياردو كان التجريد هو الحركة الفنية المهيمنة. وقد تعارض الفنان مع ذلك التيار. وبلغ من عدائه للتجريد أنه كتب إلى غاليري «تيت» مندداً بعدم مراعاة التصوير القريب من الواقع. ولعل قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة جاء للتحرر من هيمنة التجريد على فناني أوروبا. وفي أميركا أصبح مشهوراً لأن التصوير سمح لعامة الناس بالتعرف على الموضوع على الفور، من دون تعقيدات تجريدية. كان يريد ترجمة الواقع بلا تجميل. وقد كانت نظرته صارمة إلى درجة القسوة. ولم يقبل المساومة، حتى مع والدته التي كانت المرأة التي أحبها أكثر من غيرها.
هل كان هذا هو العذر الذي تحجج به الفنان لمغادرة وطنه في أوائل الستينات من القرن الماضي، أم أن السبب هو مثليته؟ ففي تلك الفترة كان القانون في بريطانيا ما زال يجرم المثلية الجنسية. لذلك راح هوكني يعبر عن ميوله بطريقة رمزية ومشفرة. وهو قد تعمد وضع أرقام تتوافق مع الحروف الأبجدية للإشارة إلى أسماء شعراء مشاهير من المثليين، مثل والت وايتمان. كما كرس سلسلة من الرسوم لقسطنطين كفافي الذي فتنته أشعاره إلى الحد الذي رفض فيه إعادة ديوان له كان قد استعاره من مكتبة برادفورد العامة.
السؤال اليوم هو: هل ما زال هوكني من الطليعيين رغم أنه يرسم المناظر الطبيعية؟ يقول المشرف على المعرض إن ذوق الفنان كان من الممكن أن يضعه في صف الرسامين الأكاديميين. لكنه لم يكن تقليدياً مطلقاً. لقد عمل مع بدايات آلات التصوير، ومع أجهزة «الفاكس»، وكان يرسل لأصدقائه أعمالاً مجزأة يُعيدون تجميعها بعد تسلمها. وكما أنه سارع إلى اقتناء الهواتف الذكية حال ظهورها، أي عندما كان قد تجاوز السبعين. لقد أصبح مبدعاً رقمياً في الزمن الحديث مثلما كان مبدعاً في الرسم بالألوان المائية.
سبق للفنان أن أقام معرضاً في النورماندي، المقاطعة الفرنسية التي مكث فيها سنتين والتصق بطبيعتها. فهل يفكر بالعودة إلى بريطانيا ذات يوم؟ طرح عليه محرر فرنسي السؤال وكانت إجابته: «لا، هناك الكثير من الفنانين الأشرار في إنجلترا. ثم إنني ما زلت أدخن وفرنسا أكثر تسامحاً مع المدخنين».



إسرائيل تفتح جبهة جديدة في جنوب لبنان


أسرة لبنانية نازحة جراء الحرب تفترش كورنيش عين المريسة في بيروت أمس (أ.ف.ب)
أسرة لبنانية نازحة جراء الحرب تفترش كورنيش عين المريسة في بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تفتح جبهة جديدة في جنوب لبنان


أسرة لبنانية نازحة جراء الحرب تفترش كورنيش عين المريسة في بيروت أمس (أ.ف.ب)
أسرة لبنانية نازحة جراء الحرب تفترش كورنيش عين المريسة في بيروت أمس (أ.ف.ب)

افتتح الجيش الإسرائيلي جبهةَ جديدة في جنوب لبناني، تتركز في القطاع الغربي، من غير تحقيق تقدّم استراتيجي في منطقة باتت خالية من السكان، وتتعرض لقصف مدفعي وجوي على مدار الساعة.

وقالت مصادر أمنية إنه على الرغم من محاولات التوغل التي وقعت في منطقتي العديسة وكفركلا، وأخرى على محور يارون ومارون الراس، وعلى محور وسطي بينهما في بليدا، وتحقيق «اختراق محدود» مكّن القوات الإسرائيلية من نشر صور لها في أحياء على حافة الحدود، فإن الهدف هو «السيطرة على المرتفعات الحدودية اللبنانية، بهدف منع مقاتلي الحزب من الإطلالة على الأراضي الواقعة في الضفة الثانية من الحدود ومراقبتها، واستهداف الجيش (الإسرائيلي) فيها».

وفي سوريا، قتل أربعة اشخاص بينهم اثنان غير سوريين، في غارة إسرائيلية استهدفت مبنى على صلة بـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» في منطقة تضم مقار أمنية وبعثات دبلوماسية بدمشق، وفق ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

وفي تطور لافت، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء أمس، مقتل هاشم صفي الدين، خليفة زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، بعد استهدافه بغارة جوية الخميس الماضي، مؤكداً أن إسرائيل استطاعت أيضاً القضاء على بديل صفي الدين، دون أن يذكر اسم الشخص. بدوره، قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، أمس، إن إمكانات الحزب «بخير»، وما تقوله إسرائيل عن ضرب قدرات الحزب «وهم». وأكد في كلمة متلفزة تأييد جهود رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، لوقف إطلاق النار.

في سياق متصل، بحث الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي مع نظيره الأميركي لويد أوستن، في اتصال هاتفي، الثلاثاء، آخر التطورات الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة لخفض التصعيد في المنطقة.