ما الإنسان؟... سؤال الكينونة

رأس إنسان مقطوع إلى نصفين ومحفوظ للدراسة في معرض التشريح السنوي لجامعة مالايا في كوالالمبور بماليزيا 7 يناير 2023 (إ.ب.أ)
رأس إنسان مقطوع إلى نصفين ومحفوظ للدراسة في معرض التشريح السنوي لجامعة مالايا في كوالالمبور بماليزيا 7 يناير 2023 (إ.ب.أ)
TT

ما الإنسان؟... سؤال الكينونة

رأس إنسان مقطوع إلى نصفين ومحفوظ للدراسة في معرض التشريح السنوي لجامعة مالايا في كوالالمبور بماليزيا 7 يناير 2023 (إ.ب.أ)
رأس إنسان مقطوع إلى نصفين ومحفوظ للدراسة في معرض التشريح السنوي لجامعة مالايا في كوالالمبور بماليزيا 7 يناير 2023 (إ.ب.أ)

لعل السؤال عن ماهية الإنسان أحد أصعب الأسئلة وأيسرها، أعقدها وأوضحها في آن. إنه ميسور وواضح لو قنعنا بتعريفه البيولوجي، حيث الإنسان هو ذلك الكائن الضعيف، الذي يولد جنيناً، ويصير رضيعاً يحتاج إلى حضانة شاملة، قبل أن يصبح طفلاً يحتاج إلى تربية طويلة وتعليم شاق، ثم شاباً فرجلاً ذا جسد أقوى قياساً إلى طفولته، لكنه أوهى بالقياس إلى غيره من الحيوانات. فإذا طمحنا إلى تعريف سيكولوجي وأخلاقي أصبح الأمر صعباً، لأن الهشاشة البيولوجية للإنسان يقابلها تعقيد كبير في تكوينه السيكولوجي وحضوره الأخلاقي، يثير التباين حوله والاختلاف عليه. فالبعض ينظرون إليه باعتباره الخليفة الأرضي الذي خصَّه الله بتلقي الوحي وعمارة الأرض. والبعض الآخر يراه ذلك الكائن الوثني الذي طالما عبد الأصنام وأنكر الإله. والبعض الثالث يراه متوحشاً قتل المختلفين عنه ليرضي إحساسه بالقوة، أو حتى وغداً تدفعه الرغبة في التملك إلى خيانة بني وطنه ودينه وربما التخلي عن عائلته. والبعض الرابع يراه ذلك الكائن النبيل، الذي بذل جهوداً مضنية عبر أجيال متوالية في رفع راية العمران والتمدن وحمل مشعل الاستنارة والتقدم. والغريب في الأمر أن الإنسان هو كل ذلك، فهو الملاك والشيطان، وما بينهما من ألوان الطيف.
إنه المخلوق المعقد، الذي ينطوي ليس فقط على مجموعة من الخلايا والأعصاب والرغبات، كما يزعم الماديون، ولا يقتصر سلوكه على ردود الأفعال الشرطية، كما يدعي السلوكيون، ولا يقتصر عقله على مجرد مخ مادي يعكس الواقع بحذافيره كآلة فوتوغرافية، كما يرى التجريبيون، بل إنه يملك وعياً مركباً وخيالاً خلاقاً ذا قدرة توليدية، قادراً على الفهم والتحليل عبر الاستدلال أو التجريب، إذ يُبقي هذا العقل ويستبعد من المعلومات، كما يهمِّش ويرِّكز من الأفكار ما يمكنه من فهم الواقع الطبيعي والاجتماعي عبر ذاته الحافلة بالأشواق والمعاني والذكريات.
وهو الكائن الذي يطمح إلى الفضيلة رغم انطوائه على حس الغريزة، إذ تدفعه المنظومات الأخلاقية والرمزية المحيطة به في كل مكان وزمان إلى الخجل من حسيته، وإلى الرغبة في التسامي عليها، ولو أخفق أحياناً، وذلك في محاولة لا تتوقف ولا تنتهي لتجاوز حس الضرورة القاهر إلى أفق الحرية الشامل. ومن ثم يبقى الفارق شاسعاً بين الإنسان وما عداه من موجودات طبيعية أو كائنات بيولوجية. فالطبيعة لا تملك فكراً أو قصداً، لا تعرف الخير أو الشر، بل تخضع لقوانين حتمية تتحكم في ظواهرها، ومن ثم يجري التحول فيها بطيئاً، وفق نظام صارم ودورات تاريخية طويلة. أما الإنسان فيفكر، ويقصد بفكره تحقيق أهداف وبلوغ غايات. لذا تخضع جميع الظواهر الاجتماعية للتغير السريع والتحول المدهش، وتتمرد على القسر في قوالب مغلقة أو الخضوع لتصورات حتمية.
ومن هنا، برزت الثنائية الوجودية التي عبر عنها ديكارت مفتتحاً الفلسفة الحديثة بالفكر والامتداد، ووضعتها الفلسفات المعاصرة في قالب الذات والموضوع، الإنسان هو الفكر الذي يُمارس من خلال ذات تتأمل العالم الطبيعي الممتد، تفحصه وتُمحِّصه وتنقده، أي تعرفه.
ورغم أن الفارق بين الإنسان والحيوان يظل أضيق منه مع العالم الطبيعي، فإنه يظل فارقاً وجودياً رغم أي تشابه فسيولوجي؛ حيث تفتقد أكثر الحيوانات رقياً إلى ممكنات التسامي الأخلاقي، فلا تستطيع التمييز بين الظلم والعدل، الجميل والقبيح، فيما يحيا الإنسان في فلكها، يدركها ويفهمها حتى لو عجز عن ممارستها. وفيما تعيش أرقى الحيوانات في الحاضر وحده بلا وعي تاريخي، يعيش الإنسان في التاريخ بكل أبعاده، إذ يتجذر في معطيات الحاضر وهو يستعد لخوض المستقبل، بناءً على خبرات الماضي، فيتصرف وفقاً لحكم مأثورة، أو ينفذ خططاً مدروسة، استعداداً لأزمنة قد لا يعيش حتى يراها وإنما يتخيلها. وربما كان الحيوان يخاف كالإنسان، غير أنه ذلك الخوف الغريزي فقط على الطعام خشية الجوع أو على الجسد خشية الافتراس. أما الإنسان فيضيف إلى هذا النوع البدائي من الخوف أشكالاً أرقى: كالخوف الميتافيزيقي من إله يعبده عندما يرتكب إثماً، والخوف الوجودي من فناء يلامسه عندما يدهم المحيطين به. الخوف النبيل على من يواجهون الأخطار والكوارث والمظالم. ورغم أن الحيوانات الأكثر تطوراً ربما تعاني القلق، فإن قلقها مجرد شعور يصاحب الخوف على الحياة أو الطعام، أي على «الراهن»، وليس قلقاً سيكولوجياً على «الآتي» كقلق الإنسان. وقد يميل ذكر الحيوان إلى أنثاه، غير أن ميله يظل انعكاساً لغريزة تلقائية تتوجه نحو أقرب الإناث إليه، التي ينصرف عنها بعد قضاء حاجته مباشرة، أما الحب الإنساني فذو بعد جواني عميق، كما ينزع إلى مشاركة طويلة بين الرجل والمرأة، ومن ثم تأسست قوانين الزواج في جل الحضارات.
ورغم خضوع الإنسان، كجميع الكائنات، لقانون العدم، فميزته الكبرى أنه الأكثر وعياً بذلك القانون، وإدراكاً للمعنى الكامن وراءه، فوحده الإنسان يعرف أنه سيموت، بل يستعد للحظة موته، سواء بثقة وهدوء، أو بهلع وخوف.
أما الحيوان فيلاقي حتفه مرة واحدة فقط، عندما يصادفه، دون انتظار. وربما كان هناك فارق بين موت يأتينا في الشيخوخة، نجلس لننتظره، حتى أن البعض يبني لنفسه قبراً ويجهز الكفن، تطبيقاً لسنة كونية هي أن يموت القديم عندما يشيخ تاركاً المجال للوليد الجديد، حيث الاستمرار والفناء، الوجود والعدم، أمور تقع في صميم الطبيعة الإنسانية، وبين موت طارئ، يداهمنا في ريعان الشباب لمرض قاهر أو حادث عارض، تجسيداً لحكمة إلهية لا يستطيع الإنسان كشف كنهها أو سبر غورها. وفي الحالين، تكشف واقعة الموت، كحد للحياة، عن أبرز مصادر قلق الإنسان، فهو يعيش ويتعلم، يبني ويعمّر، رغم إدراكه أن عمره محدود، وأن غيره سيأتي بعده ليحل محله ويستمتع بعصير جهده. كما تكشف عن أبرز وجوه عظمته، وهي تصالحه مع محدوديته، وإدراكه لحقيقة أن الموت المنتظر أو حتى المفاجئ لا يعني أن مشروع حياته باء بالفشل، على نحو قد يدفعه إلى الشعور بالعدمية، بل ربما كان ناجحاً إلى الحد الذي أتى ثماره سريعاً، فلم يعد لاستمرار معاناته الوجودية سبب جوهري.
يرتبط الموت هنا بجسد هزمه الفناء، أما النجاح فرهن قدرة الإنسان على ترك بصمة روحه فيمن يعيش بعده، إذا ما تمكن من تجسيد المثل العليا للحياة، فليس المهم أن يكون العمر طويلاً بل أن يكون ملهماً، أن يساعد الآخرين على التصالح مع عالمهم أو على تطوير وجودهم. لقد عاش أناس كثيرون طويلاً كالأموات، لا يضيفون إلى الحياة شيئاً، ناهيك عن الأوغاد الذين أخذوا ولا يزالون يأخذون منها إلى درجة تجعلهم عبئاً عليها، إذ لم يرَ معاصروهم سوى شرهم الظاهر، ولم نسمع نحن عنهم إلا ضجيجهم الباطل. أما نبلاء الإنسانية وأبطالها فلهم قيمتهم السامية ولو قصرت أعمارهم، سواء كانوا من أبطال العقل والخيال كالفلاسفة والمفكرين والأدباء والشعراء والفنانين، الذين طالما علمونا، بل أرشدونا إلى حقيقتنا الداخلية، أم من أبطال السياسة والسلاح الذين يبنون الأمم ويدافعون عن الأوطان، بل يمنحونها حقيقتها الخارجية. يموت هؤلاء نعم، يختفون من عالمنا قطعاً، لكنهم يعيشون دوماً، ينشرون أجنحتهم على زماننا والأزمان التي تلينا. بل إن موتهم المبكر غالباً ما يضيف إلى حياتهم، إذ يتمم أسطورتهم، ويمنحهم خلوداً استثنائياً، يعكس الحد الأقصى للحضور الإنساني على الأرض.
* باحث مصري



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.