الموافقة على كتابة هذه المدوّنة جرت في ثوانٍ، لكن اختيار ما يمكن لها أن تحمله من مضمون في هذه المرّة الأولى استمر ساعات. ماذا عساني أن أكتب ما لم أكتبه بعد… وما لن أكتبه لاحقاً أيضاً. يذكرني ذلك عندما أدخل مكتبة أبحث عن كتاب أشتريه. أصول وأجول وأخرج - أحياناً - من دون أن أشتري كتاباً لأن هناك عشرات الكتب التي أريدها.
في السينما الأمر مختلف، وإلا لما كتبت. أشاهد كل ما يتحرّك على الشاشة تقريباً. هذا يتضمّن الأنيماشن والتسجيلي والروائي والقصير. يتضمن العربي والأذربيجاني والتركي والأميركي والياباني والفرنسي ومن أي مصدر آخر. يتضمن أيضاً الدراما والكوميديا والخيال العلمي والرعب والوسترن والحربي (الساخن منه والبارد) والجاسوسي والتاريخي والفانتازيا والبوليسي والتشويقي وكل ما هو هناك.
لذلك أجد السؤال الذي أواجه به من حين لآخر {أي أفلام تشاهدها}؟، غريباً. هل تسأل طبيب الأسنان عن أي سن يعالج؟ أو موظّـف المصرف ما إذا كان يوافق أن تدفع له بالدولار أو بالعملة المحلية؟ طالما هو يقبض فهو يقبل. الدفع هو المشكلة.
والسؤال الآخر هو «أي نوع من الأفلام تحب»؟ عزيزي، لا أحب نوعاً بل أحب السينما ككل؟ كل ما ذكرته أعلاه وفوقه أكثر. مراهقاً، كنت أقع في الحب سريعاً ودائماً ولم يكن يهم لون العينين أو تسريحة الشعر أو طول الأذنين (المهم أن يكون المحبوب من الجنس الآخر!). حب السينما بكل ما فيها يشمل كل شيء. طبعاً أحب لوناً أكثر قليلاً من لون آخر (مثلاً القصص العاطفية من تلك التي لا أطيقها - لكن أعمل إيه؟) لكني أراهنك أن لا أحد من زملائي يهتم بأن يشاهد أفلاماً صامتة أو أفلاماً لا قيمة تاريخية لها، أو حتى أفلاماً من باب الترفيه (الترفيه حرام نقدياً لدى معظمهم!). بالنسبة إليّ كل شيء ضروري لمن وهب حياته للنقد السينمائي ولا شيء تحت مستوى النقد أو فوقه، بل لكل سلّمه الخاص.
قلت أشاهد كل شيء تقريباً، لأني لا أشاهد الأفلام الإباحية «البورنو». طبعاً لا يعني ذلك أن فضولي لم يقدني إلى مشاهدتها، لكني اكتفيت بعد فيلمين أو ثلاثة لأنها ليست أفلاما وليست سينما، بل هي كلمة لا يمكن استخدامها هنا من باب الأدب. لكني شاهدت نقاد سينما سابقين، أيام ما كانت هناك صالات متخصصة لمثل هذه العروض، يتركون أفلام المسابقة ويتوجّـهون إلى بعض تلك الأشرطة. لا أستطيع الحكم لهم أو عليهم فهم أحرار.
لكني أذكر ذات مرّة، خلال الحرب الأهلية المرّة التي مرّت على لبنان أن اتصلت بجاري أبو مجدي في بيروت لكي يدق باب بيت أهلي في الطابق ذاته ويخبر والدتي بأن ابنها المصون على الخط. لم يكن لدينا هاتف في مطلع سنوات الحرب. هذا أضفناه إلى حاجياتنا لاحقاً والطريقة الوحيدة لكي أخبر والدتي «ماما أنا حي» (أخذت العنوان من فيلم رائع للألماني كونراد وولف) هو الاتصال بأبي مجدي، الذي قال لي:
- يا محمد أنت جاي عبيروت عن قريب؟
قلت له: نعم. سآتي في زيارة أول ما يفتح المطار.
قال: الله يخليك. جيب لي معك أفلام «برونو»؟
للحظات اعتقدت أن الجار الطيّب نسى الاسم الثاني لمخرج أو ممثل فحاولت أن أتذكر، لكني انتبهت أنه يقصد شيئاً آخر. قلت:
- شو «بورنو»...
أجاب: «برونو… برونو».
لم أختر بعد موضوع هذه الحلقة الأولى من المدوّنة لكني كتبت تلقائياً على أي حال. أرجو أن تكون «حلقة ترفيهية» ولو أني لا أضمن نوع الحلقة المقبلة.
8:56 دقيقه
من باب الترفيه
https://aawsat.com/home/article/4118
من باب الترفيه
من باب الترفيه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
