هل تنجح الصين في مواجهة «كوفيد - 19» بـ«مناعة القطيع»؟

بعد زيادة الإصابات... و«تعمد» الشباب تعريض أنفسهم للفيروس

استراتيجية «صفر كوفيد» الصينية لم تكن مستدامة اقتصادياً وسياسياً (شاترستوك)
استراتيجية «صفر كوفيد» الصينية لم تكن مستدامة اقتصادياً وسياسياً (شاترستوك)
TT
20

هل تنجح الصين في مواجهة «كوفيد - 19» بـ«مناعة القطيع»؟

استراتيجية «صفر كوفيد» الصينية لم تكن مستدامة اقتصادياً وسياسياً (شاترستوك)
استراتيجية «صفر كوفيد» الصينية لم تكن مستدامة اقتصادياً وسياسياً (شاترستوك)

بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من السيطرة على «كوفيد - 19»، تشهد الصين موجة جديدة هائلة من عدوى الفيروس، حيث يُنظر على نطاق واسع إلى الأرقام الرسمية التي تشير إلى 60 ألف حالة وفاة بين 8 ديسمبر (كانون الأول) و12 يناير (كانون الثاني)، على أنها «تقلل من تأثير تفشي المرض».
وحتى ديسمبر 2022، استخدمت الصين سياسات الإغلاق لتقليل فرصة انتشار الفيروس على أمل القضاء عليه أو بناء مناعة سكانية كافية من خلال التطعيم، ونجحت سياسة عدم انتشار فيروس كورونا الصارمة بشكل استثنائي في وقف انتشار الفيروس، بينما واجه العالم عودة موجات مميتة.
ومع ذلك، فإن عمليات الإغلاق المطولة التي نفذتها بكين، أصبحت في النهاية غير مستدامة سياسياً واقتصادياً، حيث تركز السياسة الرسمية للصين حالياً على تعزيز الكشف المبكر عن الحالات الشديدة وعلاجها بدلاً من الوقاية من العدوى، وقد أدى ذلك إلى مزاعم بأن البلاد تتبع الآن نهج «مناعة القطيع».
«لكن هل سيكون هذا هدفاً واقعياً؟»، يقول آدم كليكزكوفسكي، أستاذ الرياضيات والإحصاء بجامعة ستراثكلايد في غلاسكو باسكوتلندا، إن «الدروس المستفادة من تجارب البلدان الأخرى، تشير إلى أن تحقيق ذلك يبدو بعيداً» ويوضح كليكزكوفسكي في مقال نشره 23 يناير بموقع «ذا كونفرسيشن»، أن «الوصول لعتبة مناعة القطيع يتوقف على نسبة الأشخاص الذين لديهم مناعة موجودة مسبقاً من أي من الفاشيات السابقة أو التطعيم، وحتى تنجح هذه السياسة يجب أن يصل التلقيح الشامل إلى نسبة عالية من السكان، سواء بالعدوى الطبيعية أو الإصابة، ويبدو تحقيق ذلك صعباً، بسبب طبيعة السلالات المنتشرة حاليا من الفيروس».
ويقول: «السلالات الفرعية لمتغير (BA.5) من أوميكرون، هي السائدة حالياً في الصين، ويبلغ متوسط رقم تكاثر هذه السلالات 9.5، أي أن الشخص المصاب بها يمكنه نقل الفيروس إلى عدد أشخاص يصل في المتوسط إلى 9.5، لذلك يحتاج نحو 90% من السكان إلى الحماية الكاملة للوصول إلى مناعة القطيع».
وبالتطبيق على الوضع في الصين، يرى كليكزكوفسكي، أن إحدى أذرع مناعة القطيع، وهي التطعيم، لم يكن مثالياً، ويقول: «تلقى نحو 89% من سكان الصين حتى الآن جرعتين من اللقاح، لكن الجرعات المعززة منخفضة بشكل كبير، كما أن فاعلية اللقاحات الصينية (سينوفاك) و (سينوفارم) منخفضة، مقارنة بلقاحات (الرنا مرسال) لذلك، فإن النسبة الفعلية للأشخاص المحميين باللقاح ستكون أقل مما هي عليه في البلدان الأخرى، وربما تصل إلى 5 في المائة».
أما بالنسبة للذراع الأخرى من المناعة، وهي العدوى الطبيعية، فالوضع أيضاً صعب للغاية، ويضيف: «قبل ديسمبر 2022، شهدت الصين عدداً قليلاً نسبياً من حالات كوفيد، ما أدى إلى انخفاض المناعة الناتجة عن العدوى، وهذا يخلق فجوة كبيرة بين المستويات الحالية من المناعة، وتلك المطلوبة لتحقيق مناعة القطيع». ويستطرد: «لكن في النهاية، ستصل الصين إلى مستوى مؤقت من (مناعة القطيع) مع وصول الموجة القادمة من الإصابات إلى ذروتها في مارس (آذار) 2023، كما هو متوقع، لكن هذا لا يضمن أن الوباء سينتهي هناك».
ويتفق تامر سالم، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل، مع ما ذهب إليه كليكزكوفسكي في مقاله، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن التقارير التي تحدثت عن أن بعض الشباب الصينيين يبحثون عن العدوى، تؤكد أن الصين تسعى من خلال سياستها الجديدة إلى تحقيق مناعة القطيع.
وكانت تقارير قد تحدثت عن أن مغنية البوب الصينية جاين تشانغ، أصابت نفسها عمداً بفيروس كورونا في ديسمبر، لتمنح نفسها مناعة تحميها من الإصابة بالفيروس قبل احتفالات العام القمري الجديد، ونقل تقرير نشرته «بي بي سي» في 6 يناير عن شباب صينيين اتجاههم لهذا السلوك. ويقول: «الفرق بين الصين والدول الأخرى، هو أن تحقيق مناعة القطيع جاء في الدول الأخرى بشكل تدريجي، ولكن الصين تسعى لتحقيقه بشكل سريع، وهي من المؤكد تدرك أن ذلك سيكون له تكلفة، لكن تلك التكلفة في نظر القائمين على السياسات قليلة، مقارنة بالاستمرار في سياسة (صفر كوفيد )». ويضيف: «لكن في النهاية سيكون الوضع في الصين مشابهاً للوضع في العالم كله، وهو أننا أمام وباء متوطن، سنحتاج من حين لآخر إلى الحصول على لقاحات معززة، لتجديد (مناعة القطيع)».



مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».