فك لغز مومياء «الصبي الذهبي» عبر الأشعة المقطعية

ترتدي قناعاً ثميناً... واكتُشفت قبل قرن

المومياء مفككة رقمياً على 4 مراحل
المومياء مفككة رقمياً على 4 مراحل
TT

فك لغز مومياء «الصبي الذهبي» عبر الأشعة المقطعية

المومياء مفككة رقمياً على 4 مراحل
المومياء مفككة رقمياً على 4 مراحل

أخرجت نتائج دراسة علمية، مومياء «الصبي الذهبي»، من بدروم المتحف المصري بساحة التحرير في القاهرة، إلى قاعات العرض المتحفي، وذلك بعد نحو قرن من اكتشاف تلك المومياء.

وكشفت الدراسة العلمية التي نُشرت اليوم (الثلاثاء) في مجلة «فرونتيرز إن ميديسن»، عن العديد من المفاجآت بتلك المومياء المكتشفة عام 1916، في مقبرة من العصر البطلمي (نحو 300 ق.م) بمدينة إدفو بمحافظة أسوان (جنوب مصر)، وهو ما دعم قرار إدارة المتحف المصري لنقل تلك المومياء الفريدة من البدروم، إلى قاعة العرض المتحفي، بالتزامن مع نشر الدراسة، كما يقول بيان صدر اليوم عن وزارة السياحة والآثار المصرية.


سحر سليم الباحثة الرئيسية بالدراسة (يساراً) مع صباح عبد الرازق مدير المتحف المصري (الفريق البحثي)

وخلال الدراسة، استخدم العلماء المصريون التصوير المقطعي المحوسب (CT) رقمياً، لمومياء صبي مراهق يبلغ من العمر 2300 عام. واكتشفوا أنه تم إرساله إلى العالم الآخر، ومعه ما لا يقل عن 49 تميمة من 21 نوعاً، وكان يرتدي صندلاً مُزيناً بالسراخس (أحد النباتات)، وفقد الصبي في حياته ضرس العقل، ولم يتم ختانه.

وتقول سحر سليم، أستاذة الأشعة بكلية الطب بجامعة القاهرة والباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشرته دار النشر «فرونتيرز» (بالتزامن مع نشر الدراسة): «كانت التمائم (الخرزات) الـ49 مرتبة بأسلوب فريد من 3 أعمدة بين ثنيات أغلفة المومياء، وداخل تجويف الجسم، وتشمل (عين حورس)، و(الجعران)، (تميمة الآخيت)، (المشيمة)، و(عقدة إيزيس)، وغيرها. وكثير منها مصنوع من الذهب، وبعضها مصنوع من أحجار شبه كريمة، أو من الطين المحروق أو الخزف. وكان الغرض منها حماية الجسد وإعطاءه الحيوية في الآخرة».


تابوت المومياء (الفريق البحثي)

وتوضح سليم أن «التمائم التي عُثر عليها هي شهادة على مجموعة واسعة من المعتقدات المصرية. فعلى سبيل المثال، تم وضع ورقة لسان ذهبية داخل الفم لضمان قدرة الصبي على الكلام في الآخرة. وجندت (عقدة إيزيس) قوة إيزيس في حماية الجسم، وتميمة بزاوية قائمة كانت تهدف إلى تحقيق التوازن والتسوية. وكان الصقر المزدوج وريش النعام يمثلان ازدواجية الحياة الروحية والمادية».

وتضيف: «تم العثور أيضاً على خنفساء جعران ذهبية موضوعة داخل تجويف الصدر». وطبع الباحثون نسخة منها بتقنية ثلاثية الأبعاد، وهذا «الجعران مذكور في الفصل 30 من كتاب الموتى؛ إذ كان مهماً في الآخرة عند الحُكم على الميت وقياس وزن القلب على ريشة الإلهة ماعت».

وجه المومياء في الأشعة المقطعية (الفريق البحثي)

ووُضعت هذه المومياء داخل نعشين، تابوت خارجي عليه نقش يوناني وتابوت خشبي داخلي في الداخل. وكانت ترتدي قناع رأس مذهباً، وعلبة كرتونية صدرية تغطي الجزء الأمامي من الجذع ، وزوجاً من الصنادل. وتمت إزالة أحشاء المومياء من خلال شق، في حين تم استئصال الدماغ من خلال الأنف واستبدال الراتنج (الصمغ) به.

وتقول سليم: «ربما كان المقصود من الصنادل تمكين الصبي من الخروج من التابوت. فوفقاً لطقوس المصريين القدماء في كتاب الموتى، كان على المتوفى أن يرتدي صندلاً أبيض ليكون تقياً ونظيفاً قبل تلاوة آياته». وإلى جانب التمائم والقناع المذهب، التي أخذت كثيراً من الاهتمام، كشفت الدراسة بالأشعة المقطعية عن كثير من التفاصيل. فعرف الباحثون أن «طول الصبي كان 128 سم، ولم يتم ختانه، ولم يُعرف سبب وفاته».


وُضعت التمائم فوق المومياء أو بداخلها في ثلاثة أعمدة (الفريق البحثي)

ومن درجة اندماج العظام وعدم وجود ضرس العقل، قدر الباحثون أن عمر «الصبي كان بين 14 و15 عاماً. وكانت أسنانه جيدة، ولا يوجد دليل على وجود تسوس أو فقدان الأسنان، أو أمراض اللثة».

وتُرجع سليم وجود إكليل من السرخس حول السطح الخارجي للمومياء، إلى كون قدماء المصريين مفتونين بالنباتات والزهور. وتقول: «كانت لها رمزية مقدسة عند المصري القديم. وتم ذلك على سبيل المثال، مع مومياوات ملوك الدولة الحديثة أحمس وأمنحتب الأول ورمسيس الكبير. كما قدمت للمتوفى نباتات في كل زيارة للموتى خلال الأعياد».


نسخة ثلاثية الأبعاد من جعران القلب الذهبي موضوعة داخل تجويف الصدر (الفريق البحثي)

واللافت في هذه الدراسة، أنها تأكيد على القيمة التي تمنحها التقنيات الحديثة للدراسات الأثرية، كما يؤكد محمود الحلوجي، الباحث المشارك بالدراسة. ويقول الحلوجي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «سمح لنا التصوير المقطعي المحوسب بفك لفائف المومياء بطريقة افتراضية لا تضر بالآثار. فاستطعنا أن نكتشف كنزاً من المعلومات، دون أن تمس المومياء يد إنسان».

وحول القيمة العلمية للمعلومات التي تم العثور عليها، يوضح الحلوجي أن «أهم قيمة في هذه الدراسة، تكمن في معرفة تفاصيل لم تكن معروفة عن المومياء، واستنتاج بعض التفاصيل عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها صاحب المومياء، من الأشياء التي عُثر عليها».
ويضيف أن «زائري المتحف يمكنهم الآن الاستمتاع بمشاهدة هذه المومياء، التي تم نقلها إلى قاعة العرض الرئيسية تحت اسم (الفتى الذهبي). ويمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدتها بجوار صور التصوير المقطعي المحوسب، إلى نسخة مطبوعة ثلاثية الأبعاد من تميمة جعران القلب».

المومياء لديها أسنان ممتازة (الفريق البحثي)

من جانبها، تقول صباح عبد الرازق، مديرة المتحف المصري والباحثة المشاركة بالدراسة، إن «الاكتشافات التي عُثر عليها بالمومياء، ألقت الضوء على الحياة الاجتماعية في مصر القديمة منذ آلاف السنين. فأعطت فهماً عميقاً لمعتقدات المصريين القدماء وطقوسهم الجنائزية، وبراعتهم التقنية في التحنيط، والحرفية في صياغة التمائم وعمل الأقنعة والزخارف».

وتضيف في البيان الذي أصدرته وزارة السياحة والآثار، أن «الاكتشافات عكست أيضاً تقدير قدماء المصريين للأطفال؛ إذ تمتعت هذه المومياء بطقوس جنائزية مميزة تمكنها من البعث والحياة الأخرى حسب معتقدات المصريين القدماء، بالإضافة إلى إظهار المكانة الاجتماعية الرفيعة لصاحب المومياء، فهو صبي حظي بطقوس جنائزية عالية المقام، إلى جانب حالته الصحية الجيدة؛ إذ إنه كان يتمتع بأسنان وعظام سليمة، وبلا علامات تدل على أمراض أو أعراض سوء تغذية».


المومياء مزينة بالسراخس وترتدي قناعاً مذهباً بالوجه (الفريق البحثي)



مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)
الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)
الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)

احتفت مصر باللغة القبطية التي يجري تدريسها في المعهد العالي للدراسات القبطية التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصري، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد، بحضور البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ووزيري الثقافة والسياحة والآثار وشخصيات عامة، وتم إلقاء الضوء على ما قدمه من دراسات وبحوث أسهمت في حفظ الحضارة المصرية بكل مكوناتها الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية.

وخلال الاحتفالية التي شهدتها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، الخميس، أكد البابا تواضروس الثاني أن «معهد الدراسات القبطية منذ تأسيسه يؤدي دوراً رئيساً في توثيق تاريخ الحضارة القبطية ونشر تراثها العريق عبر الأجيال».

وأشاد البابا بإصدار العملات التذكارية الخاصة بالمعهد، التي وافق عليها رئيس مجلس الوزراء، مؤكداً أنها تعكس تقدير الدولة لدور المعهد، وتسهم في ترسيخ قيمته التاريخية والثقافية لدى الجميع.

مؤكداً على «الثراء الحضاري الذي تمتلكه مصر، فالحضارة بها لا تقتصر على حضارة واحدة إنما هي طبقات من الحضارات المختلفة منها الفرعونية والقبطية والإسلامية والعربية والأفريقية والمتوسطية واليونانية الرومانية».

بينما لفت وزير الثقافة المصري، الدكتور أحمد فؤاد هنو، إلى الدور الريادي لمعهد الدراسات القبطية، وجهوده المثمرة في تقديم قيم ثقافية وإنسانية رفيعة. وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية.

معهد الدراسات القبطية في مصر (صفحة المعهد على فيسبوك)

وتحدث وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي عن «التنوع الكبير في التخصصات والدراسات بالمعهد، وكونه لا يقتصر على الدارسات الدينية وما يتعلق بها فقط، حيث يضم 13 قسماً مختلفاً منهم القانون والثقافة والفن والتراث والمعمار والتوثيق الموسيقي وغيرها».

ولفت إلى التعاون بين الوزارة والمعهد في مجال التوثيق والتسجيل للتراث المادي وغير المادي، كما أن هناك تعاوناً مشتركاً في ملف الترميم والتوثيق الأثري لبعض المواقع الأثرية في مصر.

وأشار فتحي إلى مشروع تطوير مسار رحلة العائلة المقدسة في مصر، موضحاً أن «هناك مواقع بهذا المسار جاهزة حالياً لاستقبال الزائرين والسائحين، وأعرب عن إعجابه بالعملات التذكارية التي يمكن الاستفادة منها في الترويج لمسار رحلة العائلة المقدسة في مصر، خصوصاً في الأحداث والمعارض الدولية».

وعدّ الدكتور كمال فريد إسحق، أحد مدرسي معهد الدراسات القبطية في عقد الثمانينات «الاحتفال بمرور 70 سنة على معهد الدراسات القبطية يؤكد أهمية هذا المعهد في حفظ التراث القبطي عبر أقسامه المختلفة».

ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا المعهد الذي درست فيه خلال ستينات القرن الماضي يضم فروعاً عدة من بينها فرع للغة القبطية وقسم للتاريخ وآخر للألحان والموسيقى وقسم للاهوت، وكل شخص يستطيع أن يدرس في الفرع الذي يهتم به».

وأضاف: «بعد أن درست الطب انجذبت لدراسة اللغة القبطية، وحصلت على دراسات في كلية الآداب بقسم اليوناني واللاتيني؛ لأن من يريد دراسة اللغة القبطية يجب أن يدرس اللغة اليونانية، لأن كثيراً من المخطوطات القبطية تمت ترجمتها عن اليونانية، ثم دخلت كلية الآثار قسم المصريات، لكن كانت البداية هي شغفي باللغة القبطية ومعرفة التاريخ القديم، وقمت بالتدريس في المعهد في الثمانينات»، ويرى إسحق أن «المعهد يحفظ التراث القبطي بوصفه جزءاً أصيلاً من التراث المصري والتاريخ المصري القديم، ويعد امتداداً طبيعياً للحضارة المصرية القديمة».

وأنشئ معهد الدراسات القبطية عام 1954، ويضم 3 أقسام رئيسية هي العلوم الإنسانية والتراث القبطي والعلوم الكنسية، تندرج تحت كل منها أفرع متنوعة.