ميلانو احتفلت... وباريس تألقت... والرجل فاز بتصاميم أنيقة

العقلانية والابتعاد عن إحداث الصدمة سادا أسابيع الموضة الرجالية لخريف وشتاء 2023 ـ 2024

المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)
المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)
TT

ميلانو احتفلت... وباريس تألقت... والرجل فاز بتصاميم أنيقة

المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)
المصمم جيورجيو أرماني يتوسط العارضين المشاركين في عرضه لخريف 2023 وشتاء 2024 (خاص)

أخيراً تنفس صناع الموضة الصعداء. الكل متفائل بمستقبل الموضة الرجالية تحديداً بعد سنتين عجاف زعزعتا أركان هذا القطاع وغيرتا بعض قناعاته. حتى الحرب الأوكرانية التي أثارت بعض القلق في بدايتها بسبب ما يمكن أن يترتب عنها من أزمات على سلسلة التوريد والإنتاج وغيرها، لم تُؤثر عليها بالحجم الذي كان صناع الموضة يتخوفون منه. بالعكس، سجّلت الأزياء الإيطالية في عام 2022 زيادة في الإيرادات بنسبة 16 في المائة لتصل إلى 96. 6 مليار يورو. كما سجلت بيوت أزياء مثل «سان لوران» و«غوتشي» و«جيفنشي» إيرادات مهمة في مجال الأزياء الرجالية أهم من تلك المُسجلة في مجال الأزياء النسائية. هذا الانتعاش أكدته عروض الموضة التي جرت مؤخرا في كل من ميلانو وباريس لخريف وشتاء 2023.

من عرض «غوتشي» (رويترز)

أهم ما لفت الأنظار فيها أنها عادت إلى سابق عهدها: حية، مركزة وبأعداد كبيرة. والطريف أن رياح التغيير الأخيرة التي تميزت بعودة قوية إلى السفر وتنظيم العروض المُبهرة بعد سنتين من العروض الافتراضية والرقمية قوبلت بترحيب. لم يخطر على بال أحد من المتابعين أن يُحاسب المسؤولون من صناع الموضة على عدم إيفائهم بالوعود التي تبرعوا بها خلال سنوات الجائحة، مثل التخفيف من عدد العروض، وعدم السفر إلى أماكن بعيدة؛ حفاظاً على البيئة، وما شابه من وعود إنسانية. ففي زمن تبدو فيه المحاسبة على أبسط الأشياء هي المعمول بها على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، كانت الرغبة في العودة إلى الحياة كما تعودنا عليها من قبل أقوى من المبادئ والقناعات. ما أكدته فترة الجائحة أن لا شيء يعوض عن تجربة العروض الحية وما يصاحبها من حماس وترقب وأضواء وموسيقى، وغيرها من العناصر التي تُدغدغ الحواس وتثير المشاعر. أسبوع باريس مثلا شهد ما لا يقل عن خمسين عرضاً حياً منها عرض «سان لوران» الذي افتتح به الأسبوع مساء يوم الثلاثاء الماضي، مع العلم أنه أول عرض أزياء رجالي للدار الفرنسية في باريس منذ أن تولّى البلجيكي أنطوني فاكاريللو منصب المدير الفني فيها عام 2016، حيث كان يفضل العرض في عواصم عالمية أخرى لكي تخلو له الساحة. دار «جيفنشي» أيضا استغنت عن خط «الهوت كوتور» لصالح خط رجالي يُشرف عليه حاليا المصمم الأميركي ماثيو ويليامز الذي قدم يوم الأربعاء مجموعة من الإطلالات لعب فيها على مفهوم الطبقات المتعددة، حيث جمع فيها بين سترات مفصلة وكنزات بقلنسوات وبنطلونات واسعة وقصيرة.

من عرض «سان لوران» (خاص)

في ميلانو، قدمت دار غوتشي بدورها عرضاً حياً بعد غياب ثلاث سنوات. كان وراء هذا الغياب قرار اتخذه مصممها الفني السابق أليساندرو ميكيلي، حين أعلن منذ سنتين تقريباً عدم ضرورة الالتزام بالبرنامج الرسمي لأسابيع الموضة. في المقابل قرر السفر إلى أماكن جديدة لتقديم عروضه. كان عرض الدار بسيطاً وبعيداً عن الأسلوب الصارخ، بالألوان المتضاربة والنقشات المتناقضة، الذي ابتدعه ميكيلي. قالت غوتشي إنها تحتفل فيه بـ«الجمال العفوي». كانت الكلاسيكية هي السمة الغالبة من دون أن تغيب اللمسة الجريئة كُليا. فهذه الأخيرة ظهرت في المزج بين المواد والألوان المعدنية، وبين الجينز الباهت والقمصان المزينة بالترتر، والأحذية المستوحاة من موضة السبعينات. كما ضمت التشكيلة معاطف طويلة مزركشة تم تنسيقها مع بنطلونات واسعة. كان واضحا أن الدار تريد أن تتخلص من الأسلوب السابق بالتدريج حتى لا تُسبب صدمة لمعجبيها من الشباب.

من عرض «جيفنشي» في باريس (رويترز)

هذه الكلاسيكية طبعت أغلب عروض ميلانو وباريس تقريباً، حيث تميزت بالعقلانية والابتعاد عن التعقيدات والجنوح نحو الجنون أو التأنيث المبالغ فيه للرجل. السبب شرحته المصممة ميوتشا برادا بقولها: «في الأوقات العصيبة، يجب أن يعمل الواحد منا بجدية ومسؤولية. ليس هناك مكان لشطحات لا داعي لها. أما الابتكار فيكتسب مفهومه الإبداعي ومكانته الحقيقية فقط عندما يرتبط باكتشاف أشياء جديدة».

من اقتراحات «تودز» (خاص)

بالفعل، ففي أوقات الأزمات، يمكننا توقع أي شيء في المجالات الإبداعية. قد تميل الكفة إلى رغبة محمومة في إثبات الذات وإطلاق موجات جديدة وإن كانت سريالية، أو إلى رغبة في الهدوء إلى أن تمر العاصفة بسلام. ما كان واضحاً خلال أسبوعي ميلانو وباريس الأخيرين أن الكفة الثانية كانت أرجح. فالجائحة كان لها تأثير إيجابي على خزانة الرجل العادي، تجسد في أزياء أنيقة بعيدة عن الصرعات الموسمية. يمكن القول: إن أغلب التشكيلات التي طُرحت، كانت تتمتع بكلاسيكية في التفصيل والألوان وبساطة في التفاصيل إلى جانب تنوع جعلها تخاطب معظم الأذواق. قد يأخذ عليها البعض أنها تجارية وتفتقد إلى الجديد بمفهومه الثوري، لكن ما يشفع لها أن كلاسيكيتها جاءت مطعمة بلمسات شبابية منطلقة، تتوق أن تعيد للرجل شكله الذكوري. فحتى النعومة التي سادت في بعض العروض كانت بجرعات أخف مما كانت عليه في المواسم الأخيرة. البدلات المفصلة والمعاطف الأنيقة إلى جانب قطع منفصلة أخرى تخدم الرجل أياً كانت أهواؤه وميوله ومناسباته، هي التي سرقت الأدوار البطولية. في عرض «برادا» مثلاً كانت الصورة عصرية وبسيطة للغاية. لم يكن فيها أي جديد يُذكر ومع ذلك كانت مُنعشة للنظر، متوازنة في أحجامها. في باريس لم تختلف القصة والقصات عما تم تقديمه في ميلانو. افتتحت المصممة البريطانية غرايس ويلز بونر (31 عاماً) الأسبوع الرجالي بأول عرض لها ضمن الحدث. بونر التي يُرشحها البعض لخلافة فيرجيل أبلوه في دار «لويس فويتون»، تمزج في تصاميمها بين تقنيات خياطي سافيل رو في لندن واللمسات الأفريقية والكاريبية. وحظيت المصممة المولودة لأم بريطانية وأب جامايكي بعدة جوائز لما تتضمنه تصاميمها من إيحاءات لرموز من أصحاب البشرة السوداء وللتاريخ الاستعماري، بالإضافة إلى الراحة التي توفّرها ملابسها.

من عرض «برادا» في ميلانو (إ.ب.أ)

في فندق «إيفرو» الواقع في ساحة فاندوم الشهيرة، قدمت عرضا تضمن بدلات رسمية مصنوعة من الحرير ومعاطف من قماش التويد وسراويل مخملية قصيرة. شرحت المصممة بعد العرض أنها استوحته من شخصيتين أثرتا على ثقافة السود، هما الكاتب جيمس بادوين والراقصة جوزفين بايكر اللذان أقاما في باريس في القرن العشرين. شرحت اختيارها هذا بقولها إنّ «حرية التعبير التي وفّرتها لهما باريس هي أكثر ما أثار اهتمامي».»سان لوران» Saint Laurent
في اليوم نفسه قدمت دار «سان لوران» عرضا غلبت عليه تصاميم موجهة للمساء والسهرات، غلبت عليها معاطف داكنة بأكتاف بارزة وقمصان بيضاء، بعضها من الموسلين، تُلف حول العنق على شكل فيونكات، إضافة إلى قمصان مفتوحة تظهر جزءاً من الصدر. كان واضحاً أن الغرض الأساسي منها هو إبراز التفاصيل الدقيقة من كل جانب. الأمر نفسه يمكن أن يقال عن السترات المحبوكة والمعاطف الطويلة. ما يُحسب لفاكاريللو في هذه التشكيلة أنه ظل وفياً لأسلوب الدار الذي يتميز بالتصاميم الرشيقة عند الخصر والصدر، والتي يمكن أن تخاطب المرأة والرجل على حد سواء، مع إضافته بصمته الخاصة التي تمثلت في تبنيه الأسلوب الانسيابي مع بعض الهندسية التي تجسّدت في إبراز الأكتاف بشدها إلى أعلى.

من عرض «فندي» (خاص)

«فندي» Fendi
جاءت التشكيلة التي صممتها سيلفيا فينتوريني فندي دافئة وأنيقة تضمنت بعض البريق الذي لعب على خُدع بصرية أبدعتها أنامل حرفيين متمرسين في مقرها الرئيسي بروما. تقول الدار إنها أرادت هنا «استكشاف صخب المدينة والأضواء التي تُنير وتتلألأ بعد حلول الظلام، وهو ما تجسد في تلاشي الخطوط الصارمة التي كانت تطبع الأزياء الرجالية التقليدية لتمنح التصاميم الجديدة جاذبية بنكهة مختلفة». في السياق ذاته، أضفى عدم التناسق في الأحجام حركة هندسية مميزة على القمصان المفككة والعباءات المحبوكة بالكشمير المضلع كما على السترات المنسدلة عند الأكتاف. ربما تكون السراويل المنسابة وكأنها تنورات درابية هي الأكثر جُرأة لكن المعاطف مُزدوجة الصدر والمزينة بطيات من الساتان وشراشيب عند الحواف جعلتها تبدو عصرية وحداثية. أما الخامات الغالبة في التشكيلة فكانت الكشمير ذا الوجهين، والجلود المصممة هندسياً وحرير الجاكار الذي تتخلله ألوان براقة شكلت لوحة تتماوج بين ظلال من الرمادي الأنيق ولون الشوفان والأصفر المحترق والموكا والبنفسجي والأزرق بالدرجات المختلفة.

تودز TOD’S
كانت «تودز» من بين بيوت الأزياء القليلة التي اختارت معرض عوض عرض ضخم. ما لم تتنازل عنه هو أسلوبها الإيطالي الذي عودتنا عليه. فهو جُزء من شخصيتها وجيناتها، لكن ما قامت به لخريف وشتاء 2023 أنها ركزت على لغة شبابية أرادت بها أن تخاطب رجلا يتعرف عليها للتو. أخذته في رحلة اكتشاف لجوهر الأسلوب الإيطالي من خلال مجموعة أزياء كلاسيكية وعملية في الوقت ذاته مستعملة لوحة ألوان بدرجات دافئة، تتباين بين البني والكراميل والبيج، تتقاطع بين القطعة والأخرى بالرمادي والأبيض. أقيم العرض في فيلا نيتشي Villa Necchi، حيث تلتقي التقاليد والحداثة في المعمار والديكورات، وهو ما انعكس على تصاميم تميزت بلمسات رياضية وعصرية بقيت فيها الأساسات كلاسيكية، لا سيما في سترة «باش» Pash Jacket التي «ابتُكرت في مختبرات تودز من أقمشة معالجة وتفاصيل صُنّعت يدوياً بحرفيّة وتقنيات من الشمع تُضفي عليها لمعانا وطلة ثلاثية الأبعاد» حسب قول الدار. بيد أن هذه لم تكن السترة الوحيدة التي جذبت الأنظار. فقد كانت هناك مجموعة لا تقل أناقة من جلود النابا والغزال تُذكرنا بأن «تودز» تأسست على تطويع الجلود أساسا، وأنها انطلقت كدار متخصصة في صناعة الأحذية. هذه الرغبة في تذكيرنا بهذا التاريخ كان واضحا في الأحذية الرجالية المتنوعة التي صاحبت الأزياء.
«زينيا» zegna
مثل أغلب بيوت الأزياء الميلانية التي حرصت على العودة إلى الجذور، ركزت علامة «زينيا» على مكمن قوتها: الكشمير. من هذا المنظور أخذت ضيوفها في رحلة لاكتشاف أهم مرحلة في عملية صناعة البدلات الرجالية ألا وهي إنتاج هذه الخامة المترفة قبل أن تُغزل وتُنسج لتتحول إلى قطع أنيقة. أطلقت على المجموعة «واحة الكشمير» وزينت قاعة بالكامل بألياف هذه الخامة بلونها الأبيض. مصمم الدار أليساندرو سارتوري شرح هذا الاهتمام أنه منذ التحاقه بـ«زينيا»: «حظيتُ بفرصة غير مسبوقة لابتكار الأقمشة من نقطة الصفر، بدءاً من النسج وصولاً إلى وضع اللمسات النهائية، مما يمثّل تحدّياً كبيراً بالنسبة إلى المصنّعين الذين نتعامل معهم وحافزاً يدفعهم إلى استكشاف المجهول». والنتيجة حسب قوله: «تصاميم متكاملة وعصرية تخاطب الروح». أكثر ما ميز هذه التشكيلة السترات القصيرة والمنفوخة بعض الشيء، وأخرى بحياكة خفيفة أقرب إلى كنزة مفتوحة منها إلى سترات مفصلة. كانت هناك مجموعة من المعاطف ذات القصّات الرشيقة وأخرى واقية من المطر. بيد أن الملاحظ رغم عنوان التشكيلة «واحة الكشمير» هو حضور خامات أخرى؛ مثل جاكار ميلتون الفاخر الذي يمكن ارتداؤه على الوجهَين، ونسيج البوكليه المطلي وغير المطلي، وقماش الجاكار المجعّد، واللبّاد، والجيرسيه وصوف الألبكة، ومزيج قطني من قماش الكوردروي، ونسيج من التويل والصوف الناعم.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
TT

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

بوصفها أول مديرة إبداعية يجري تعيينها لقسم الأكسسوارات والسلع الجلدية في «بولغاري» للجواهر، لم يكن أمام المصمِّمة اليونانية الأصل، ماري كاترانتزو أي خيار سوى العودة إلى جذور الدار لتستوحي من تاريخها ما يزيد من وهجها وبريقها. لم تكن المهمة صعبة؛ نظراً لتاريخ يمتد على مدى قرون، ويحوي ما لا ينضب من الأفكار والأحجار الكريمة. بعد تفكير، وجدت أن حمامات كاراكالا، واحدة من عجائب روما السبع في العصور القديمة، وزهرة الكالا بشكلها العجيب، تُشَكِّلان نَبْعَيْنِ يمكن أن تنهل منهما، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقتها على المجموعة «كالا».

ماريا كاترانتزو وحقيبة مرصعة بالأحجار تجسد فسيفساء حمامات كاراكالا (بولغاري)

عندما أعلنت «بولغاري» في شهر أبريل (نيسان) الماضي التحاق ماري كاترانتزو، بها مديرةً فنيةً للمنتجات الجلدية والأكسسوارات، باركت أوساط الموضة والجواهر على حد سواء هذا القرار؛ فهذه خطوة ذكية من شأنها أن تَضُخَّ دماءً شابة بدار يبلغ عمرها أكثر من قرن. كان اسم ماري كاترانتزو وحده يكفي كي يثير فضول عشاق الجمال والإبداع؛ لأنهم يتوقعون منها إبداعات مهمة؛ كونها تتمتع بصيت طيب منذ تخرجها في معهد سانترال سانت مارتنز في عام 2008، لتصبح من بين أهم المصمِّمين الشباب المشاركين في أسبوع لندن. ومنذ سنوات قليلة، انتقلت للاستقرار في بلدها الأصلي، وتحديداً أثينا، لكن اسمها ظل محفوراً في أوساط الموضة، ومنقوشاً بطبعاتها الفنية الجريئة وتصاميمها الهندسية المثيرة.

المصممة ماري كاترانتزو مع المؤثرة الإيطالية أناديلا روسو (بولغاري)

بعد استقرارها في أثينا، بدأت سلسلة من الشراكات كانت دائماً تحقق النجاحِ؛ ففي عام 2019 قدمت عرضاً فخماً من خط الـ«هوت كوتور» في أثينا على خلفية معبد بوسيدون. في هذا العرض، تزيَّنت العارضات بجواهر من «بولغاري» عزَّزت فخامة الصورة من جهة، ودشَّنت علاقتها بالدار الرومانية من جهة ثانية. ربما يتساءل البعض عن كيف لدار متجذرة في التاريخ الروماني أن تتعاون مع مصممة يونانية، خصوصاً أن إيطاليا لا تفتقر إلى المواهب الشابة والمحترفة، ليأتي الجواب بسيطاً، وهو أن مؤسس الدار في الأصل يوناني، اسمه سوتيريو بولغاريس، كان ذلك منذ أكثر من قرنين من الزمن، لكن تغيَّرت فيه الأماكن وكذلك الاسم من «بولغاريس» إلى «بولغاري».

بالنسبة لدار تخصصت في الجواهر أولاً وأخيراً، فإن قرار تعيين مصمِّمة أزياء في منصب إبداعي، أمرٌ تكتيكي وذكي يستهدف ضخ دماء جديدة على قسم الأكسسوارات، وفي الوقت نفسه يريد استقطاب عميلات يعشقن أسلوب كاترانتزو، ولا يزال بداخلهن حنين للمساتها الفنية. تشير المصمِّمة إلى أن القرار لم يُتَّخذ بشكل سريع؛ فعلاقتها بالدار والمجموعة المالكة لها «إل في إم إتش» عمرها سنوات، بدأت بشكل تدريجي وعضوي بشراكات كثيرة، منها مشاركتها في عام 2021، في سلسلة الشراكات التي أطلقتها «بولغاري» تحت عنوان «سيربنتي بعيون...» وهي فعالية تستضيف فيها كل مرة مصمِّماً يضع بصماته الفنية على منتجها الأيقوني.

تقول ماري كاترانتزو إنها استلهمت من أرضية الحمامات وفسيفسائها المتعددة الألوان، شكل مروحة رصَّعتها في ورشات الدار بفلورنسا، باللؤلؤ والجمشت والزمرد والذهب؛ حيث أرادتها أن تحاكي قطعة جواهر بكل المقاييس، وهو ما كان. أمَّا من زهرة الكالا فاستلهمت شكلها النحتي المتعرج الذي يرمز للقوة والمرونة. وتشمل المجموعة حقائب «مينوديير» للسهرة، وأخرى جلدية لكل المناسبات، إلى جانب أوشحة حريرية. كانت التجربة ناجحة على المستويين التجاري والفني على حد سواء؛ فماريا تُدرك تماماً أن الاثنين وجهان لعملة واحدة، وهو ما أكده المصمِّم السعودي زياد البوعينين الذي تدرَّب في بداياته على يدها قائلاً في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» إن العمل معها عن قُرب كان فرصة ذهبية بالنسبة له، حيث «تعلمت منها الكثير من الأمور التي ساعدتني على فهم كيف تُدار أي دار أزياء أو شركة صغيرة من الداخل»، وتابع: «لم يكن العمل مع ماريا كاترانتزو ممتعاً من الناحية الفنية فحسب، بل فتح عيني على أمور كثيرة كانت غائبة عني بوصفي مصمماً شاباً يعتقد أن الابتكار في التصميم وحده يكفي».