أكد آرسنال مرة جديدة أن صدارته للدوري الإنجليزي الممتاز لم تكن ضربة حظ، وأن حلمه في انتزاع اللقب هذا الموسم ولأول مرة منذ عام 2004، بات مشروعاً بعد الفوز المثير على ضيفه مانشستر يونايتد 3 - 2 الأحد، في الجولة العشرين للبطولة.
ويمكن القول إن آرسنال في فترة ما بعد مونديال قطر2022 وبداية العام الجديد، مختلف تماماً عما كان عليه قبل ذلك، حيث أصبح الجميع في النادي اللندني يدرك الآن أن بمقدورهم تحدي فرق القمة بامتياز والفوز باللقب في نهاية المطاف. لم يعد الفريق يخشى المواجهات الصعبة، بل أصبح ينتظرها، وهو واثق من قدرته على تجاوزها. وعلى الرغم من أن ماركوس راشفورد تقدم لمانشستر يونايتد بهدف رائع، فإن آرسنال تمكن من الرد بهدفين متتاليين. وحتى عندما أدرك المدافع الأرجنتيني ليساندرو مارتينيز هدف التعادل للشياطين الحمر برأسية رائعة، لم يستسلم آرسنال وواصل القتال حتى اللحظات الأخيرة، وأحرز هدف الفوز القاتل ليحصد 3 نقاط ثمينة في صراع الحصول على اللقب.
أرتيتا وفرحة بالانتصار (أ.ف.ب)
كانت المباراة ضد يونايتد محطة منتظرة، نظراً للفترة الجيدة التي مر بها فريق «الشياطين الحمر»، ومحاولته تقليص الهوة مع آرسنال ووصيفه مانشستر سيتي حامل اللقب. لم ينزلق «المدفعجية» في اختبارهم أمام الضيوف الطامحين، حتى عندما وصلت المباراة إلى ثوانيها الأخيرة عندما نجح إدي نيكيتيا في اقتناص هدف الفوز القاتل، علماً بأنه سجل هدف فريقه الأول أيضاً، بينما تكفل نجم آرسنال الدولي بوكايو ساكا بتسجيل الهدف الثاني.
بات رصيد آرسنال الذي يحقق أفضل بداية في تاريخه بدوري النخبة، 50 نقطة من 19 مباراة، بفارق 5 عن مانشستر سيتي المتوّج 4 مرات في آخر 5 مواسم، لكنه يملك مباراة مؤجلة سترفع الفارق إلى 8 نقاط عن أقرب منافسيه بحال فوزه.
وقال مدرب آرسنال المبتهج الإسباني ميكل أرتيتا: «لا أعتقد أن الأمور يمكن أن تكون أفضل. كانت لحظة جميلة، مميزة حقاً، لأننا كنا نضغط ونضغط، ولم يكن الهدف يريد الدخول، ثم تحقق ذلك في النهاية... كانت الأجواء مكهربة. كانت عاطفية حقاً، فيها كل الشغف».
واعتبر أرتيتا أن الفوز على يونايتد الذي تراجع إلى المركز الرابع (39) بالتساوي مع نيوكاسل يونايتد، بعد تخطي الجار توتنهام 2 - 0 الأسبوع الماضي، يمنح الفريق الثقة بإمكانية التتويج لأول مرّة منذ نحو عقدين.
مودريك أمل تشيلسي لتصحيح المسار (إ.ب.أ)
لكن المدرب الإسباني طالب لاعبيه بإبقاء أقدامهم على أرض الواقع، رغم موسم جميل لم يخسروا فيه سوى مرة يتيمة في الدوري، أمام يونايتد تحديداً 1 - 3، عندما سجل راشفورد مرتين لأصحاب الأرض، مانحاً فريقه الفوز في الشوط الثاني.
وشرح أرتيتا الذي عمل مساعداً للإسباني جوسيب غوارديولا مدرب سيتي، قبل تولي قيادة آرسنال: «نعرف واقعنا ومدى حاجتنا للتحسّن».
لقد كانت مباراة قمة حقاً لعب فيها الفريقان بكل قدراتهما، لكن آرسنال كان هو الأفضل والذي يستحق الفوز بالنهاية. لقد كانت هذه المباراة بمثابة تذكير للجميع بأن مانشستر يونايتد قد تطور بالفعل، لكنه لم يصل بعد إلى المرحلة التي تمكنه من المنافسة بشراسة على اللقب. كما أثبت آرسنال للجميع أنه لم يتصدر جدول الترتيب بالصدفة، وأنه قادر على سحق المنافسين؛ واحداً تلو الآخر، وأنه يستحق كل الاحترام والتقدير لما يقدمه هذا الموسم.
وكسر أرتيتا التوقعات هذا الموسم، من مرشّح للإخفاق إلى مرشّح لنيل اللقب، وتحت قيادته تطوّرَ أداء ساكا بشكل كبير، فيما استغل نيكيتيا تماماً فرصة إصابة رأس الحربة الأساسي البرازيلي غابريال خيسوس في مونديال قطر الأخير وفرض نفسه مهاجماً أساسياً. وسجّل ابن الثالثة والعشرين 6 أهداف في 6 مباريات بمختلف المسابقات، منذ مونديال قطر. وقال عنه أرتيتا: «ما يقوم به شيء رائع. لا أقول إننا توقعنا ذلك. أملنا أن ينجح نظراً لشخصيته؛ ذهنيته وأيضاً نوعيته».
وفيما يتألق أمثال ساكا ونيكيتيا، المتخرجين من أكاديمية النادي، ولاعب الوسط النرويجي مارتن أوديغارد الذي وجد نفسه أخيراً بعد رحلة غير ناجحة في ريال مدريد، حصد أرتيتا (40 عاماً) الإشادات، آخرها من نجم الفريق السابق بين 2003 و2011 مواطنه سيسك فابريغاس، الذي قال: «قام بعمل رائع. شاهدنا ذلك في وثائقي (أمازون)، كيف يحث اللاعبين، وكيف يفهمهم... عندما تعاقد آرسنال مع ميكل، كانت الأسئلة تتمحور حول قدراته على انتشال الفريق من عثراته، وهو الذي لم يدرّب من قبل، إذ كان مساعداً فقط لغوارديولا في سيتي، وهذا مختلف عندما تكون صاحب القرار».
وتابع فابريغاس: «كنت محظوظاً للذهاب أخيراً إلى مقر التمارين، وشعرت بأني لم أكن هناك من قبل، لأن كل شيء تغيّر. مدير الملعب قال لي إن 95 في المائة من التغييرات كانت بقرار من أرتيتا. غيّر النظرة تجاه النادي، كثير من الرسائل الإيجابية حيال ملعب التمارين، منشآت أكبر، تجهيزات أفضل، الملاعب أفضل. كلّ شيء».
وتابع فابريغاس المتوج بكأس العالم مع إسبانيا: «في مدخل النادي، وَضَعَ شعار الدوري، من دون الكأس. أراد توجيه رسالة للاعبين أنه يجب أن تعملوا لجلب الكأس».
ويرى أرتيتا أن كل ما يمر به آرسنال حتى منتصف الموسم استثنائي، لكنه حذّر مجدداً من اعتبار فريقه بطلاً منذ الآن، وقال: «أعتقد أننا نستحق نقاطنا. لعبنا جيداً بما يكفي للفوز بمعظم المباريات. لكن الواقع أنه يجب القيام بأمور كثيرة لنتحسّن... أعرف أين نريد أن نصل، ولا نزال بعيدين عن ذلك. أعرف مستوى باقي الأندية، خصوصاً الذي فاز بكل شيء (سيتي) في آخر 5 أو 6 سنوات، لا نزال بعيدين».
من جهته، قال الأوكراني ألكسندر زينتشنكو ظهير آرسنال الذي استقدمه أرتيتا هذا الموسم من سيتي، إن بعض زملائه ضحكوا عندما قال في بداية الموسم إن الفريق اللندني قد يفوز بالدوري، لكن التشكيلة بدأت الآن الإيمان بقدرتها على تحقيق ذلك.
وانضم الدولي الأوكراني زينتشنكو إلى آرسنال قادماً من مانشستر سيتي قبل بداية الموسم، وذلك بعدما حقق لقب الدوري 4 مرات مع حامل اللقب. وكان زينتشنكو حاسماً في مسيرة آرسنال المظفرة مع وجوده الهادئ في الدفاع ومرونته في الهجوم. وقال زينتشنكو: «بصراحة، عندما وصلت وبعد الجودة التي رأيتها أدركت قوة الفريق... ما زلت أدرك أنه في الملعب لدينا كل شيء لتحقيق أشياء كبيرة. بدأت أتحدث في غرفة الملابس، وأقول يا رفاق، انسوا الثلاثة الأوائل أو أي شيء آخر، نحن بحاجة للتفكير في اللقب... كان بعضهم يضحك ولكن لا أحد يضحك الآن وكلنا نحلم». وأضاف: «لا يزال هناك كثير من المباريات التي يجب أن نلعبها ونعرف أن بإمكان (مانشستر) يونايتد وسيتي العودة كما الحال دائماً... دعونا نرى ما سيحدث لكننا بحاجة إلى التحرك خطوة بخطوة».
ولم يفُز آرسنال بلقب الدوري الممتاز منذ أن حصد فريقه الذي لا يقهر اللقب موسم 2003 - 2014، تحت قيادة مدربه السابق أرسين فينغر.
وسيحول فريق المدرب أرتيتا انتباهه إلى كأس الاتحاد الإنجليزي، حيث يواجه سيتي بالدور الرابع على استاد الاتحاد يوم الجمعة المقبل.
لكن من المؤكد أن مواجهة آرسنال مع حامل اللقب الدوري منتصف الشهر المقبل، ستكون فاصلة في الحديث عن إمكانية فوز المدفعجية بالدوري، خصوصاً أن مواجهتهما في مرحلة الذهاب تم تأجيلها، أي أن هناك 6 نقاط مصيرية بينهما. لكن المباريات المقبلة الأخرى لآرسنال تبدو في متناوله، حيث سيحاول فيها الابتعاد أكثر عن مطارديه سيتي ونيوكاسل ويونايتد وتوتنهام، فيما يعيش ليفربول وتشيلسي موسماً سيئاً في المركزين التاسع والعاشر توالياً.
وبصرف النظر عن المواجهة المنتظرة مع سيتي، التي قد يضع فيها قدماً على منصة التتويج منطقياً بحال فوزه، تنتظر آرسنال مواجهات سهلة على الورق مع أندية تكافح للهرب من الهبوط، على غرار إيفرتون، وبرنتفورد، وأستون فيلا، وليستر سيتي، وبورنموث، وفولهام، وكريستال بالاس، وليدز.
ويبدو سيتي قد استعاد مستوياته، مع هدافه الفتاك النرويجي إرلينغ هالاند، فيما ستقاتل أندية القاع حتى الرمق الأخير لانتزاع النقاط أمام المتصدر.