تقرير: عملاء روس متورطون بـ«رسائل مفخخة» في إسبانيا

ضباط يقفون خارج مبنى السفارة الأميركية بمدريد في شهر ديسمبر بعد ضبط رسالة مفخخة بالمكان (أرشيف - أ.ب)
ضباط يقفون خارج مبنى السفارة الأميركية بمدريد في شهر ديسمبر بعد ضبط رسالة مفخخة بالمكان (أرشيف - أ.ب)
TT

تقرير: عملاء روس متورطون بـ«رسائل مفخخة» في إسبانيا

ضباط يقفون خارج مبنى السفارة الأميركية بمدريد في شهر ديسمبر بعد ضبط رسالة مفخخة بالمكان (أرشيف - أ.ب)
ضباط يقفون خارج مبنى السفارة الأميركية بمدريد في شهر ديسمبر بعد ضبط رسالة مفخخة بالمكان (أرشيف - أ.ب)

يعتقد عدد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أن ضباط المخابرات العسكرية الروسية وجهوا عدداً من أعضاء جماعة متشددة متعصبة للعرق الأبيض، مقرها روسيا لتنفيذ حملة انفجارات برسائل مفخخة في إسبانيا، كان أبرز أهدافها رئيس الوزراء ووزير الدفاع وعدد من الدبلوماسيين الأجانب، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
وكان المحققون الإسبان والأجانب يبحثون عن مصدر 6 رسائل مفخخة تم إرسالها في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل ديسمبر (كانون الأول) إلى عدة مواقع، معظمها في مدريد، بما في ذلك المقر الرسمي لرئيس الوزراء بيدرو سانشيز، والسفارتين الأميركية والأوكرانية ووزارة الدفاع. ولم يقتل أحد في الهجمات التي يعتبرها المسؤولون الأميركيون «عملاً إرهابياً»، إلا أن أحد موظفي السفارة الأوكرانية أصيب جراء انفجار أحد الطرود.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1598619231591010306?s=20&t=ECiXNV1i0ic8Vq2QYKUF-A
ونقل تقرير «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن المحققين ركزوا في الأسابيع الأخيرة على البحث والتدقيق في أنشطة «الحركة الإمبراطورية الروسية»، وهي جماعة يمينية متطرفة مقرها روسيا ولها أعضاء وشركاء في جميع أنحاء أوروبا. وقال المسؤولون إن المحققين الإسبان حددوا «الأشخاص المعنيين» الذين يعتقدون أنهم متورطون في الهجمات، وأن أولئك الأشخاص تابعون لـ«الحركة الإمبراطورية الروسية»، التي صنفتها وزارة الخارجية الأميركية منظمة إرهابية عالمية.
وأضاف المسؤولون أن هذه الجماعة المتطرفة يعتقد أن لها صلات بوكالات المخابرات الروسية وأن العملاء الروس ربما وجهوا بعض أعضاء هذه الجماعة لإرسال الرسائل المفخخة للمواقع المستهدفة في إسبانيا.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن العملية قد تكون إشارة من عملاء روسيا على أن موسكو ووكلاءها يمكن أن ينفذوا المزيد من الأعمال الإرهابية في دول أوروبا إذا استمرت في دعم أوكرانيا.

ولا توجد مؤشرات على أن موسكو مستعدة للانخراط في هجمات واسعة النطاق أو أعمال تخريب في أوروبا، والتي يعتقد المسؤولون الروس أنها قد تثير رد فعل من حلف شمال الأطلسي، وربما نشوب صراع مكلف على نطاق أوسع. لهذا السبب نفسه، لم يأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجنرالاته بشن هجوم تقليدي على دولة من دول الناتو، وفقاً لما قاله المسؤولون الأميركيون.
إلا أن المسؤولين أشاروا إلى أن حسابات بوتين بشأن الهجمات الإرهابية يمكن أن تتغير إذا استمرت روسيا في المعاناة من نكسات كبيرة في أوكرانيا، مؤكدين أن الرئيس الروسي منح وكالته للمخابرات العسكرية مجالاً واسعاً لتطوير وإجراء عمليات سرية في أوروبا، لكن الدرجة التي شارك فيها الكرملين في عملية الرسالة المفخخة «غير واضحة»، على حد قولهم.
ووفقاً للمسؤولين، فإن الضباط الروس الذين يقفون وراء حملة «الرسائل المفخخة» يعملون لصالح مديرية المخابرات الرئيسية أو جهاز الاستخبارات العسكرية الخارجية في روسيا الاتحادية المعروف اختصاراً باسم «GRU»، وهو أحد الأجهزة الاستخباراتية الأكثر عدوانية في موسكو.
وفي السنوات الأخيرة، نفذ الجهاز أعمالاً سرية جريئة وقاتلة، وتمكن من الإفلات من العقاب. وشارك أعضاء الجهاز في مجموعة من الأنشطة الغامضة، من التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 إلى إسقاط طائرة ركاب مدنية ماليزية فوق أوكرانيا في عام 2014. وفقاً للمسؤولين الأميركيين. بالإضافة إلى ذلك، حاول جزء محدد من الجهاز، هو الوحدة 29155. زعزعة استقرار أوروبا من خلال محاولات الانقلاب والاغتيالات، وفقاً لمسؤولين أمنيين أميركيين وأوروبيين.
ويشتبه المسؤولون الأميركيون في أن الضباط الروس المتورطين في قضية الرسائل المفخخة بإسبانيا هم جزء من مركز التدريب التخصصي للأغراض الخاصة رقم 161 في شرق موسكو، والذي يضم الوحدة 29155.
ورفضت متحدثة باسم السفارة الإسبانية في واشنطن التعليق على تقرير «نيويورك تايمز»، مشيرة إلى أن التحقيقات ما زالت مستمرة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟