مخاوف من انهيار الوضع الأمني في ديالى بعد مجزرة خان بني سعد

أهالي الضحايا يحرقون مقر المجلس البلدي في الناحية

مخاوف من انهيار الوضع الأمني في ديالى بعد مجزرة خان بني سعد
TT

مخاوف من انهيار الوضع الأمني في ديالى بعد مجزرة خان بني سعد

مخاوف من انهيار الوضع الأمني في ديالى بعد مجزرة خان بني سعد

حذر سياسيون ومسؤولون أمنيون عراقيون من إمكانية حدوث انهيار وشيك في الوضع الأمني في محافظة ديالى (60 كلم شمال شرقي بغداد) بعد مجزرة خان بني سعد الجمعة الماضية التي سقط فيها أكثر من 250 شخصًا بين قتيل وجريح.
ودعا وزير الداخلية محمد سالم الغبان إلى الإسراع في إنجاز التحقيق في التفجير الذي استهدف ناحية خان بني سعد. وقال بيان لوزارة الداخلية تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «الغبان تفقد ناحية خان بني سعد بمحافظة ديالى برفقة عدد من الضباط ذوي العلاقة، للاطلاع ميدانيا على حيثيات التفجير الإجرامي الذي ضرب سوق الناحية». كما زار الغبان مديرية شرطة خان بني سعد «للاطلاع على الأوراق التحقيقية بهذا الحادث، ورؤية ما تمّ إنجازه، كما التقى بقيادة الشرطة والمسؤوليين المحليين للناحية». وأوصى الغبان، بحسب البيان، بـ«ضرورة الإسراع في إنجاز التحقيق في هذه العملية الإجرامية وإلقاء القبض على جميع المتورطين بالحادث»، داعيا إلى «دراسة الملف الأمني في الناحية لموقعها الاستراتيجي وتفعيل الجهد الاستخباري هناك لتفويت الفرصة على من يحاول العبث بأمن المواطنين».
وعلى صعيد تداعيات الحادث، فإنه وطبقا لما أعلنته قيادة عمليات دجلة فإن عددا من ذوي ضحايا تفجير خان بني سعد اقتحموا مقر المجلس البلدي للناحية وأحرقوه بالكامل. وفي سياق ذلك حذر مصدر رسمي من داخل المحافظة من أن الوضع «متوتر جدا» وقد ينفجر في أي لحظة، مؤكدا تسجيل خمس حالات خطف خلال الساعات الـ24 الماضية. وحذر المصدر الحكومي من أن «الأوضاع قد تخرج عن السيطرة إذا ما استمرت على هذا المنوال»، داعيا إلى «إعلان حالة الطوارئ وتشكيل لجنة حكومية عليا للنظر في مطالب ذوي الضحايا من أجل حسم نشوب أي أزمة قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة في المشهد الأمني».
من جانبهم، أكد أعضاء برلمان ينتمون إلى محافظة ديالى أن تردي الأوضاع الأمنية في ديالى ليس جديدا، مؤكدين أن ما حصل في خان بني سعد هو نتيجة لكل التداعيات التي حصلت وليست سببا. وقال عضو البرلمان العراقي صلاح الجبوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «السياسة التي اتبعتها الحكومة في محافظة ديالى لم تكن سياسة سليمة، ولذلك فإن تردي الوضع الأمني هو الثمن الأول لهذه السياسة الخاطئة والتي نتج عنها حتى الآن عشرات التفجيرات التي تطال العراقيين هناك من كل المكونات، فضلا عن عمليات الخطف والاغتيال التي ركزت على الكفاءات والتي تقوم بها عناصر (داعش) من جهة والميليشيات المسلحة من جهة أخرى».
من جانبه، أكد رعد الدهلكي، عضو البرلمان العراقي عن كتلة «ديالى هويتنا» التي يتزعمها رئيس البرلمان سليم الجبوري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «محافظة ديالى تشهد منذ مدة عمليات تهجير طائفي في عدة مناطق منه وهو ما لم تعيره الحكومة انتباها يذكر، كما أن السياسة التي اتبعتها في التهميش والإقصاء لمكون معين (في إشارة إلى المكون السني) كانت ولا تزال من بين الأسباب والعوامل التي أدت إلى ما تشهده المحافظة من تدهور أمني»، مبينا أن «انهيار الأوضاع في ديالى من شأنه أن ينعكس على كل الأوضاع الأمنية في العراق لأن ديالى هي مفتاح استقرار العراق وبالعكس».
وفي تطور لاحق أمس، قالت مصادر أمنية وعشائرية إن 30 رجلا بينهم زعيم عشيرة سنية خطفوا في خان بني سعد. وقالت المصادر الأمنية والعشائرية إن الشيخ طلب الجميلي وثلاثة من أبنائه كانوا ضمن المخطوفين أمس بالإضافة لسبعة من قبيلة البو حمدان. وعززت الشرطة وجودها في البلدة ذات الأغلبية الشيعية لمنع أي أعمال تخريب أو شغب.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.