زر «باكاناليا» وستسأل نفسك: أي ركود اقتصادي يتكلمون عنه في بريطانيا؟

أجدد مطعم إيطالي في لندن يثير الجدل والتعجب حول أسعاره الباهظة

تصميم التماثيل من إبداع الفنان داميان هيرست
تصميم التماثيل من إبداع الفنان داميان هيرست
TT

زر «باكاناليا» وستسأل نفسك: أي ركود اقتصادي يتكلمون عنه في بريطانيا؟

تصميم التماثيل من إبداع الفنان داميان هيرست
تصميم التماثيل من إبداع الفنان داميان هيرست

نساء يرتدين ملابس حمراء فضفاضة داكنة ذات أساور مذهَّبة اصطففن للترحيب بالضيوف، وكأنهن خرجن للتوّ من فيلم «بن هور» الملحمي الهوليودي، إنتاج عام 1959 عن الإمبراطورية الرومانية المليء بعربات السباق التي تجرُّها الخيول. النساء اصطففن لأخذ معطفك ثم يصحبنك لزميل يرتدي زياً آخر مستوحى من الفيلم نفسه، ليصحبك بدوره من الباب إلى المسرح.
انس كل ما ذكرت. المكان ليس سوى غرفة طعام، وإن كانت مبالغة في بذخها المسرحي الغني بالألوان والأقمشة المزركشة بحيث تبدو جزءاً من مسرح.
هذا المكان هو مطعم «باكاناليا» Baccanalia الجديد الواقع في «مايفير» أرقى أحياء لندن، لكن جو المطعم أبعد ما يكون عن ذلك المزاج القاتم لمحيطه، إذ يبدو كسيارة مهرّج مزركشة تسير وسط موكب جنائزي، ولذلك فإن الوجود في هذا المكان يجعلك إما تستنكر هذا المشهد المتناقض العجيب، أو تستسلم لهذا العرض الغامر وتقف لالتقاط بعض صور «سيلفي» إلى جوار كل من يقابلك.

يقع المطعم عند تقاطع مهم في منطقة مايفير في وسط لندن

الخيار الأخير أغلى قليلاً، إذ إن تكلفة دخول المكان لتناول طبق من المعكرونة مع الكمأة السوداء وصلصة الحساء الكريمية تبلغ 162 دولاراً.
هل أنت مستعدّ للحلوى؟ فقطعة كبيرة من حلوى تيراميسو ستكلفك 42 دولاراً، وسيجري قطع الجزء العلوي من الشيكولاتة لك بواسطة نادل باستخدام ملعقة.
كل شيء في المكان يبدو جريئاً، بحيث يجعل المارة يستنكرون أجواءه الاحتفالية الشرهة، وهو ما دفع أصحاب المطاعم المنافِسة القريبة للإقدام على تصورات أكثر جرأة، ولذلك يجد رواد المطعم صعوبة في التركيز على طعامهم، وهي مهمة أشبه بالتحدي في غرفة تعج بالندل الذين يرتدون ملابس تنكرية، وصولاً إلى صنادلهم، ويعرضون ألواناً من الفنون تكفي لملء عدد ليس بالقليل من الغرف في متحف.

من أطباق «باكاناليا » باهظة الثمن

يتضمن المكان خمسة منحوتات بيضاء ضخمة وخيالية، من إبداع أنامل الفنان داميان هيرست، تطل من أعلى، أحدها تجسد حيوان وحيد القرن الطائر يحمل عاشقين عاريين، يستعدان للنعيم في الجو. هناك أيضاً عمل يمتد من الأرض إلى السقف يحاكي لوحة توماس كوتور التي رسمها عام 1847 والتي حملت عنوان «الرومان في زمن الاضمحلال». تبدو اللوحة قريبة إلى حد كبير من العمل الأصلي، باستثناء أن عدداً قليلاً من شخوصها ظهروا في ملابسهم الكلاسيكية يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المتنقلة والهواتف المحمولة. كان المقصود في العمل الأصلي الذي أبدعه كوتور هو توبيخ الرومان، الذين بدا على ملامحهم الملل والإجهاد جراء حفلات العربدة، وهو ما أدى بإمبراطوريتهم في النهاية إلى السقوط.
لذا فإن النسخة الحديثة تناولت موضوع المطعم المستوحى من الحضارة التي اخترعت كل جديد، ليس لمشاهدة كل شيء في ذلك المكان فحسب، بل أيضاً لعرض صوره على منصة «إنستغرام».
في الوقت الحاضر تعاني بريطانيا من صعوبات مالية حظيت بتغطية إعلامية واسعة تمثلت في زيادة الضرائب، وخفض الإنفاق العام، والتضخم الذي فاق 10 %، وارتفاع تكاليف الوقود وما وصف بأنه فترة «ركود قصيرة وضحلة»، مما يهدد بالأسوأ. كذلك كانت هناك إضرابات من قِبل سائقي سيارات الإسعاف وموظفي مراقبة الحدود وعمال النقل. وضاعف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من مشكلات سلاسل التوريد التي أصابت البلدان في جميع أنحاء العالم.

سلطة إيطالية على طريقة «باكاناليا»

وصادف اليوم الذي افتُتح فيه مطعم «باكاناليا» في الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني)، اليوم الذي أعلن فيه جيريمي هانت، وزير الخزانة، في خطاب ألقاه أمام البرلمان، فرض زيادات ضريبية تقارب 30 مليار دولار، و35 مليار دولار تقليصاً في الإنفاق.
في أوائل نوفمبر، تساءلت صحيفة «إيفنينغ ستاندارد» اليومية، في تقرير إخباري عن المطاعم الجديدة، عما إذا كان مطعم «باكاناليا» قد بالغ في بهرجته خلال أزمة اقتصادية صعبة ومضطربة. وعلّقت مارسيلا مارتينيلي، المصممة التي زارت «باكاناليا» في إحدى حفلات العشاء، قائلة «أزمة المعيشة مهمة، ولكن إذا كنت تستطيع تحملها، فزيارة المطعم هي تجربة. ما يهم في وقت كهذا هو أن يقدموا طبق معكرونة جيداً».
في الوقت الذي كانت فيه المطاعم تبحث عن طاقم الخدمة في أوج أزمة العمالة المنتشرة، كان مطعم «باكاناليا» يعج بالعاملين (الأجر العالي هو السر، حسبما أوضح أحدهم) لتشكل مجموعة فعالة ومفيدة، يمكن التعرف عليها من خلال تسلسل هرمي مفصل للأزياء والدبابيس التي يبدو أنها تعكس التقسيم الطبقي لروما القديمة.
في الجزء الأدنى من تسلسل هرم العاملين تجد الرجال والنساء الذين يقدمون الطعام والذين يرتدون ملابس العمل، ثم يرتفع السلم الوظيفي من هناك حيث التحول إلى الملابس الغربية الأنيقة لمن هم في قمة السلم الوظيفي أو بالقرب منه. مساعد مدير البار، على سبيل المثال، يرتدي سترة رياضية من المخمل، ومدير البار يرتدي نسخة مزدوجة الصدر من الثوب نفسه لكنها أكثر فخامة.
شئنا أم أبينا، رواد المطعم هم تلقائياً جزء من هذا النظام الطبقي. فهم أنفسهم نسخ محدثة ممن جرى تصويرهم على الجداريات، لكن مصير الإمبراطورية الرومانية، حسبما صورها بولو، مؤلف الكتاب سالف الذكر، يجب أن يبعث القلق في نفس كل من يرتاد المكان.

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.